كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
مِن اليوم ستَشخص أنظار الجميع داخلياً، وفي الخارج أيضاً، إلى «جلسة الحوار الوطني» التي ستنعقد غداً في مقرّ مجلس النواب في ساحة النجمة، وكذلك إلى «جلسة الحراك الشعبي»، إذا جاز التعبير، في وسط بيروت على بُعد مئات الأمتار من المتحاورين.إنعقاد الحوار سيكون مرهوناً بحضور جميع قادة الكتَل النيابية المدعوّين إليه، فإذا لم يحضر أيّ منهم، بعد إعلان «القوات اللبنانية» عدمَ الحضور، فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي سيبادر على الأرجح إلى تأجيل الحوار، وفي هذا السياق ستَشخص الأنظار اليوم إلى الموقف الذي سيعلنه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، في وقتٍ تردّدَت معلومات عن احتمال عزوف كتائبي عن المشاركة في الحوار على الطريقة «القواتية».
ويقول قطب نيابيّ إنّ مَن سيقاطع الحوار ربّما سيَضع نفسَه في موقع المعطّل لمحاولة جدّية وفعلية لحلّ لأزمة، وسيتحمّل أمام الرأي العام المسؤولية عن إضاعة الفرصة التي يتيحها هذا الحوار لتفريج الأزمة على الأقلّ إذا لم ينجح في إيجاد المعالجات السريعة لها. وينقسم الوسط السياسي في توقّعاته لمصير الحوار إلى فريقين، فريق متفائل وآخر متشائم.
المتفائلون يقولون إنّ دعوة برّي إلى الحوار لم تأتِ من فراغ، وإنّما استندَت إلى معطيات إقليمية ودولية داعمة، بحيث سيشكّل الحوار المعبَر المطلوب إلى الحلول النهائية عندما يحين أوانها على وقع ما هو مأمول من تسويات للأزمات الإقليمية يتوقّع الجميع أن يبدأ إنجازُها بعد تنفيذ الاتفاق النووي بين إيران والدوَل الغربية، وانصباب الاهتمام الأميركي ـ الإيراني على الأوضاع في الإقليم.
ويضيف هؤلاء أنّ مقاطعة «القوات اللبنانية» الحوارَ إذا كانت استثناءً له مبرّراته تجاهها، فإنّ أيّاً مِن الأفرقاء الآخرين لن يقاطعوه، لإدراكهم متانة المعطيات التي استنَد إليها برّي في الدعوة إليه. ولذلك، إذا لم يتّفق المتحاورون على البند الأوّل من جدول أعمالهم، وهو رئاسة الجمهورية، سينتقلون إلى البنود الأخرى، ولكنّ الحوار لن يتوقف حتى ولو لم يتّفقوا الآن وخلال جلسات عدّة على أيّ شيء عَملي، فالمهمّ، في رأي هؤلاء المتفائلين، أن يستمرّ الحوار، لأنّه يُرسي هدوءاً سياسياً في انتظار اللحظة الإقليمية الدولية المؤاتية لإنتاج الحلول.
أمّا المتشائمون فإنّهم يتخوّفون من احتمال تأجيل الحوار إلى موعد لاحق، أو عدم توصّلِه إلى نتائج، خصوصاً إذا تعَذّرَ الاتفاق على بندَي الاستحقاق الرئاسي وقانون الانتخابات النيابية، وإنّ عدمَ الاتفاق قد يؤدّي إلى تصاعد الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 آب الماضي والمستمرّ فصولاً، ليتكشّفَ أنّه ليس بريئاً بمجملِه، وأنّ خلفَ بعض رموزه جهاتٍ خارجية ربّما تكون خَطّطَت لإدخال لبنان في مسَلسل من الفوضى ترى فيه ما يَخدم موقفَها في التفاوض مع خصومِها على مستقبل المصالح والنفوذ في الإقليم، في ضوء الحروب الدائرة في اليمن والعراق وسوريا، والتي تنطوي على نزاعات مباشرة وغير مباشرة بين بعض الدوَل الكبرى والفاعلة في هذا الإقليم.
ويستند المتشائمون في توقّعاتهم هذه إلى أنّ «الحراك الشعبي» الذي كان لـ«التيار الوطني الحر» في ساحة الشهداء الجمعة الماضي، وأراد منه تأكيد «أحقّية» رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في الرئاسة، لا يشير إلى أنّه سيُمكّن عون من توَلّي هذا الموقع، وإنّما على الأقلّ أدّى إلى تصليب «الفيتو» العوني على أيّ مرشّح آخَر غيره، بمعنى أنّ هذا الحراك كرَّسَ عون «معبَراً إلزامياً» للجميع للاتّفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد.
بل إنّ العونيين وحلفاءَهم اعتبَروا أنّ الحراك صَلّبَ «الصخرة العونية» في طريق الساعين إلى الاتفاق على «رئيس توافقي» لا يَحظى بتأييد عون الذي يَعتبر نفسَه الناخبَ المسيحي الأكبر في العملية الانتخابية والسياسية.
ويَتوقّع المتشائمون أن يشهد لبنان صولاتٍ وجولات مِن «الحراك الشعبي»، لأنّ دفعَ لبنان إلى الفوضى قد يكون احتمالاً قائماً لدى البعض في ظلّ تعَذُّرِ التوصّل إلى حلول قريبة للأزمات الإقليمية. ولا يَستبعد هؤلاء أن تأخذ القوى الأمنية والعسكرية خطوات جديدة في حماية المتظاهرين، على غرار تلك التي اتّخذَتها إزاءَ حراكَي فريقَي 8 و14 آذار عند انطلاقهما في ساحتَي رياض الصلح والشهداء عام 2005.