Site icon IMLebanon

ألمانيا واللاجئون – تضامن إنساني أم معادلة ربح وخسارة؟

Munich-Refugees-germany
استقبلت ألمانيا أعداداً كبيرة من اللاجئين أتوا إليها بحثاً عن ملاذ آمن وعيش كريم، وهو ما يضعها أمام تحدي إدماجهم في ظل تحدرهم من ثقافات مختلفة. فهل استقبال هؤلاء تحركه المصالح الاقتصادية أم جاء بدافع إنساني بحت؟

صور انتشرت في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم: صور الألمان الذين قدموا خصيصا إلى محطات القطارات لاستقبال آلاف اللاجئين الذين أنهكتهم الحرب والطريق الطويلة الوعرة عبر تركيا واليونان مرورا بصربيا والمجر والنمسا. صور بثت الأمل في قلوب العديد ممن تقطعت بهم السبل ويحلمون بجنة موعودة في وسط أوروبا، وفي الوقت نفسه أظهرت ألمانيا على الصعيد الدولي بشكل مختلف. فبعد أن شاعت صورة ألمانيا، المحرك الاقتصادي في أوروبا، بالدولة القوية التي تفرض سياسات تقشفية صارمة على دول تعاني من أزمات مالية على غرار اليونان، هاهي تظهر بصورة الضيف الكريم الذي يمد العون لمئات الآلاف من اللاجئين وأغلبهم من السوريين.
وهاهي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي لطالما عرفت خاصة في أوروبا بصرامتها خاصة في كل ما يتعلق بالمساعدات المالية تعلن عن تخصيص ستة مليارات لإيواء وتأهيل اللاجئين، مؤكدة بالقول: “إن ما نعيشه هو أمر سيشغلنا في السنوات القادمة وسيغير بلادنا، ونريد أن يكون هذا التغيير إيجابيا ونعتقد أن بوسعنا تحقيق ذلك”. دلالات تؤكد أن هؤلاء اللاجئين، وأغلبيتهم من السوريين، والذين تتوقع وزارة الداخلية الألمانية أن يصل عددهم إلى 800 ألف لاجئ خلال هذا العام، قد أتوا إلى ألمانيا ليبقوا فيها.

معادلة ربح وخسارة؟

البعض يرى أن الوازع الإنساني لألمانيا، التي شهدت بدورها الحرب والدمار وتشريد الملايين من سكانها قبل التقسيم، هو الدافع الذي حرك ساسة برلين لتغيير مواقفهم المتشددة من الهجرة واللجوء، خاصة بعد استقبال اللاجئين أفواجا دون فرز وفق ديانة أو عرق أو فئة عمرية أو مستوى تعليمي. بيد أن البعض الآخر، على غرار ميساء سلامة فولف، وهي سورية ألمانية وتعمل مع اللاجئين القادمين من الدول العربية كمدرسة للغة الألمانية ومترجمة، حيث تشكك في الأهداف الحقيقية لقرار ألمانيا استقبال مئات الآلاف من اللاجئين.
وتقول سلامة فولف في حوار مع DWعربية: “أقدم فائق تقدري واحترامي لألمانيا لاستقبالها اللاجئين من الناحية الإنسانية، وأنا أدقق كثيرا في التركيز على الجانب الإنساني. لأنه هناك فعلا الكثيرون القادمون من أماكن تشهد معارك ضارية وهم بحاجة ماسة إلى ملاذ آمن. ولكني أتساءل: ما هو الهدف الآن وفي هذه الفترة بالذات بتصريحات من ألمانيا من استقبال هذه الكميات الهائلة من اللاجئين السوريين.”

وتضيف قائلة: “أنا لست مسيسة ولا أفهم بالسياسة. (…) ولكن، ومنذ خمس سنوات والحرب دائرة في سوريا، فلماذا لم يجدوا حتى الآن حلا للأزمة في سوريا. أنا متأكدة أنه بإمكان الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية إيجاد حل للأزمة السورية. برأيي الحل لا يكمن في استقبال اللاجئين وإنما بالتعامل مع أساس المشكل الذي تسبب في تشريد الملايين، كما لا يكمن في تفريغ سوريا من شعبها وناسها.”

ضرب عصفورين بحجر واحد؟

لكن البعض الآخر يؤكد أنه -إلى جانب العامل الإنساني – هناك دوافع اقتصادية بالنظر إلى أن ألمانيا، محرك أوروبا الاقتصادي بحاجة إلى يد عاملة مؤهلة في عدد من القطاعات الاقتصادية. ففي سياق متصل، أكد قبل أيام رئيس اتحاد الصناعات الألمانية الواسع النفوذ اولريش غريللو أن تدفق القوى العاملة الجديدة يمكن أن يغير المعطيات، مشيرا إلى أن عددا كبير من المهاجرين ما زالوا شبانا وتتوفر لديهم “فعلا مؤهلات جيدة”.
ووفقا لاتحاد أرباب العمل، فإن ألمانيا، تحتاج إلى 140 ألف مهندس ومبرمج وتقني، فيما تبحث قطاعات الحرف والصحة والفنادق أيضا عن يد عاملة. كما أن عدد السكان في ألمانيا سيشهد تراجعا ملحوظا بحلول عام 2060، بحسب توقعات مكتب الإحصاء الاتحادي. الأمر الذي من شأنه أن تكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد الألماني وعلى صناديق التقاعد وكذلك ربما يعني تراجع تأثير ألمانيا على المستوى الأوروبي، إذ أنه مثلا يتم توزيع عدد المقاعد في البرلمان الأوروبي وفق عدد سكان كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الحالي ألمانيا هي أكبر دولة عضو داخل الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان أيضا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ألمانيا بالفعل بحاجة إلى استقدام لاجئين من أجل اقتصادها، ألا تحوز على سوق عمل أوروبية ذات كفاءة أعلى بكثير من تلك التي يحوزها لاجئون من سوريا أو إريتريا وغيرها؟

“لابد من تهيئة الظروف المناسبة للاندماج”

على أية حال اللاجئون سيبقون في ألمانيا على الأقل حتى تحط الحرب في سوريا أوزارها، ولا أحد يتوقع ذلك في المستقبل القريب. وتبقى المهمة الأساسية هي مساعدة اللاجئين على إيجاد موطئ قدم في ألمانيا. وهو ما يحدث الآن بالفعل، فـ”الاستقبال الحار في اللحظات الأولى هام جدا، ولكن ماذا بعد ذلك؟”، تتساءل رينيه أبو العلا، وهي ناشطة اجتماعية في برلين منذ 36 عاما في حديث لـDWعربية. وتضيف مؤسسة ومديرة مركز “الدار” لرعاية الأسرة العربية في برلين، متسائلة: “هل سيبقى هؤلاء اللاجئون في أماكن منعزلة لفترات طويلة. هل سيتمكنون من الشعور بالانتماء للمجتمع الألماني إذا ما ظلوا في ألمانيا فترات طويلة تتجاوز فترات الاستقبال في محطات القطارات؟

وتؤكد أبو العلا: “كل ذلك يحتاج إلى موقف سياسي واضح. تم تغيير الكثير في هذا الاتجاه وهو تغيير إيجابي جدا، ولكن لا يزال هناك نقاشا واسعا بين مختلف التيارات السياسية في ألمانيا وأتمنى أن يسفر هذا النقاش عن نتيجة واضحة لوضع إستراتيجية عمل واضحة للعمل في المستقبل. “وتشدد رينييه أبو العلا على أن هذه الإستراتيجية يجب أن تتضمن مساعدات للاجئين قبل مطالبتهم بالاندماج في ألمانيا من خلال توفير العلاج والإحاطة النفسية لهم بسبب معاناة الكثير منهم من صدمات نفسية جراء الحرب والدمار، وكذلك توفير فرص تعلم اللغة الألمانية”. لتختتم متسائلة “إن كل ذلك سيكفي للاندماج في مجتمع تختلف ثقافته ولغته عما عهده هؤلاء اللاجئين؟

“الكثير سينجح…والعديد سيظل يبحث عن طريقه”

“الأمر لن يكون سهلا ولكنه ليس مستحيلا”، كما يرى الباحث الاجتماعي ماينهارد ميغل. ففي حوار مع موقع “تاغسشاو.دي أي”، نشر في الرابع من سبتمبر/ أيلول الجاري، يقول ميغل: “سنشهد تغييرات هيكلية في سوق العمل وسوق السكن. وحتى إن كان من الصعب مقارنة الوضع الراهن بما شهدته ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية حين تدفق 12 مليون شخص على بلد دمرته الحرب”. وتابع الباحث الاجتماعي “حينها بذلنا مجهودات جبارة لاستيعاب وإدماج هؤلاء ونجحنا في ذلك. وما سهل الاندماج آنذاك هو تقاسم نفس المرجعية الثقافية واللغوية”. وشدد ميغل في حواره مع موقع “تاغسشاو.دي أي” على أن “الأمر ممكن أيضا في الوقت الراهن. ولكن ذلك سيتسبب في عبء مالي كبير وتغيير هيكلي للمجتمع. ولا أحد يمكنه التنبؤ ما إذا كانت هذه العملية ستنجح أم ستُمنى بالفشل.”
السلطات الألمانية من جهتها، تعمل على توفير الظروف المناسبة لذلك، حيث قالت وزيرة الوظيفة والشؤون الاجتماعية اندريا ناهلس هذا الأسبوع: “يتعين على الناس الذين يأتون إلى بلادنا بصفة لاجئين، أن يصبحوا بسرعة جيرانا وزملاء”. يأتي ذلك بعدما خففت وزارتها في نهاية تموز/يوليو الشروط الموضوعة حتى يستطيع اللاجئون من التدرب في المؤسسات نزولا عند طلب القطاعات الاقتصادية.
كما تناشد عدد من القطاعات تخفيف قواعد الدخول إلى سوق العمل لذوي الكفاءات والخبرات من اللاجئين. فهل نشهد حكاية نجاح للاجئين يتحولون إلى جزء من المجتمع الألماني؟ ماينهارد ميغل لا يستبعد ذلك، ويقول: “الكثير منهم يحملون معهم إمكانيات كثيرة وكفاءات كبيرة. سوف نرى بأن مئات الآلاف منهم يندمجون بدون أو بصعوبات قليلة.” ولكنه شدد أيضاً أن كثيرين سيجدون صعوبات كبيرة في إيجاد طريقهم في ألمانيا.”