IMLebanon

الأسواق المتقلبة توجّه خطى «الاحتياطي الفيدرالي»

FederalReserve2
جون أوثرز

الاحتياطي الفيدرالي يعتمد على البيانات، وأصبح لديه الآن جميع البيانات التي يحتاج إليها قبل اتخاذ قراره الحاسم في 17 أيلول (سبتمبر) حول ما إذا كان ينبغي له رفع هدف سعر الفائدة للمرة الأولى منذ تسعة أعوام. لكن الأمر المؤلم بالنسبة للمستثمرين، وما لا شك فيه بالنسبة لمحافظي الاحتياطي الفيدرالي الذين يجب أن يتّخذوا القرار، هو أن بيانات البطالة في الولايات المتحدة لشهر آب (أغسطس) تترك القرار مفتوحاً على مصراعيه. الأسواق نفسها يمكن أن تخلق الواقع الخاص بها، بحيث يبقي الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة عند مستويات حالة الطوارئ، على الرغم من وجود سوق عمل سليمة.

أولاً، دعونا ننظر إلى وضع التوظيف نفسه. التحسّن منذ إطلاق أسعار الفائدة الطارئة القريبة من الصفر وسط أزمة عام 2008 واضح. أضافت الولايات المتحدة ثمانية ملايين وظيفة في غضون ثلاثة أعوام، وهي أسرع وتيرة لها منذ عام 2000، في حين أن معدل البطالة، البالغ 5.1 في المائة، هو أدنى مستوى لها منذ نيسان (أبريل) 2008 ـ قبل عدة أشهر من إفلاس بنك ليمان.

هذه البيانات دائماً ما تكون عرضة للمراجعة- خاصة في آب (أغسطس)- لكن حتى لو كان نمو الوظائف أقل قليلاً من التوقّعات، فإن سوق العمل قوية بما فيه الكفاية لتحمل أسعار فائدة أعلى من صفر. والاحتياطي الفيدرالي شهد “بعض” التحسّن الذي حدث فيها، وهو الاختبار الذي قال إنه يجب أن ينجح فيه قبل أن يرفع أسعار الفائدة.

مقابل هذا، الاتجاه طويل الأجل يوضّح سبب غضب كثير من الأمريكيين بشأن اقتصادهم. معدل التوظيف في الولايات المتحدة – نسبة إجمالي عدد السكان العاملين – لا تزال أقل من 60 في المائة، تقريباً المعدل نفسه الذي شهدته خلال “معاناة” أواخر السبعينيات في عهد جيمي كارتر. هذا المعدل ارتفع إلى ذروة بلغت نحو خمس نقاط مئوية أعلى في نهاية طفرة التسعينيات. لكن معدل البطالة، وارتفاع عدد الأشخاص الذين تخلّوا عن البحث عن عمل، يبقى مشكلة رهيبة.

لكن على الهامش، هذا لا ينبغي أن يُوقف التعديل الصاعد الطفيف في أسعار الفائدة. ومع ذلك، مقاييس السوق تُشير إلى أن أحدث البيانات لم يكُن لها تأثير تقريباً على احتمال رفع أسعار الفائدة. احتمال الرفع في أيلول (سبتمبر) يبقى احتمالاً بنسبة واحد من ثلاثة، وفقاً لسوق العقود الآجلة لأموال الاحتياطي الفيدرالي، في حين أن عددا قليلا من المُحللين يُشيرون إلى أنه أكثر من مجرد احتمال بنسبة 50 في المائة. وبعد إصدار البيانات لم تتحرك سندات الخزانة الأمريكية إلا قليلاً. كذلك فعل الدولار. ويبدو الأمر كما لو أن هذه البيانات التي كانت حاسمة فيما مضى لم تعد لها أهمية تقريبا الآن.

والسبب هو أن اضطراب السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية أصبح قضية بحد ذاته. وهذا ترك الاحتياطي الفيدرالي، إن كان له أي أثر، يعتمد على السوق أكثر من اعتماده على البيانات، وبالتالي تضاءلت أهمية أرقام التوظيف التي يقال إن الأسواق كانت ـ على مدى جيل ـ تنتظرها في غاية من القلق.

مساعدة الناس على كسب المال في البورصة ليست وظيفة الاحتياطي الفيدرالي. في الواقع، ينبغي له إزالة الأسباب قبل أن تُصبح الحفلة جامحة جداً. إذن، لماذا ينبغي للاضطراب – الذي لا يزال يترك الأسهم الأمريكية بالكاد 10 في المائة أقل من أعلى مستوياتها، ولا تزال تبدو مقوّمة أعلى من قيمتها الحقيقية – أن يُبعدهم عن مسارهم؟

للحصول على الاسترشاد، لننظر إلى عام 1998، عندما عانت روسيا عجزا عن السداد، الأمر الذي أدى إلى انهيار صندوق التحوّط “لونج تيرم كابيتال مانجمنت”. أسواق الائتمان بقيت متوقّفة، وانخفضت الأسهم نحو 20 في المائة والاحتياطي الفيدرالي، في عهد ألان جرينسبان، اضطر إلى تخفيض أسعار الفائدة.

ذلك التخفيض أدى في النهاية إلى فقاعة الدوت كوم، وكان يُمكن القول إنه خطأ كبير في السياسة. لكن الهدف من قياس نوايا الاحتياطي الفيدرالي في هذه المرحلة هو أن الأسابيع القليلة الماضية تُشير إلى أن هناك على الأقل خطر تكرار ما حدث. لا اقتصاد الصين، ولا انخفاض أسعار السلع الأساسية يُلحق كثيرا من الضرر بشكل مباشر بالاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد على الصادرات أقل من أي اقتصاد كبير آخر.

لكن هناك احتمال أكثر أهمية بكثير أن يؤدي حدوث أزمة في أماكن أخرى إلى أزمة غير مباشرة بالنسبة للنظام المالي في الولايات المتحدة. فلعدة أسابيع، تقلّبت الأسهم الأمريكية بعنف – في كلا الاتجاهين – في نهاية التداول، في حين أن تقلّب أسعار النفط أعلى من أي وقت مضى منذ الأزمة المالية.

وبالنسبة للعملات التي تعتمد على صادرات السلع الأساسية، فإن الجمع بين ضعف أسعار السلع الأساسية ودولار قوي تدفعه توقّعات أسعار الفائدة يعد أمرا قاتلا. فقد انخفض الريال البرازيلي بنسبة تزيد على 40 في المائة منذ انخفاض أسعار النفط الذي بدأ الصيف الماضي. وتراجع الراند الجنوب إفريقي إلى أدنى مستوياته على الإطلاق. وشركات الأسواق الناشئة مُثقلة بالديون بشكل كبير. في الوقت نفسه، في الولايات المتحدة، الشركات التي قادت استثمار النفط الصخري مُثقلة بالديون أيضاً، وقد تواجه صعوبات خطيرة في تسديد ديونها في حال استمرت أسعار النفط في الانخفاض أكثر.

ولا شيء من هذا يجعل حدوث أزمة مالية أمراً محتوماً. لكن خطر حدوث أزمة ارتفع بصورة واضحة في الأسابيع القليلة الماضية. ولا ينبغي للاحتياطي الفيدرالي الإقدام على أي شيء من شأنه منع سوق أسهم هابطة من تصحيح أسعار الأسهم التي تمت المُبالغة في تقييمها، لكن يُمكن القول إن عليه أن يفعل شيئا ما لتجنّب حادثة مالية لديها آثار جانبية على الاقتصاد العالمي.

هذا هو السبب في كون الاحتياطي الفيدرالي يعتمد على السوق أكثر من اعتماده على البيانات. لا البيانات الاقتصادية، ولا تقلّب السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية ينبغي أن يردعه من رفع أسعار الفائدة. أسبوع آخر من التقلّب الشديد قد يُغيّر ذلك.