الاعتصام امام مؤسسة كهرباء لبنان في هذا الوقت بالذات، ليس تفصيلاً ولا ترفاً او توسيعاً للحيّز الجغرافي لتظاهرات الحراك الشعبي ضد “النظام”، لكنّه استكمالٌ لعملية المحاسبة التي اطلقها الشباب اللبناني ضد الطبقة السياسية بكل مكوناتها، انطلاقاً من تفاقم ازمة النفايات، مروراً بكل القضايا المعيشية، وصولاً الى الأزمات السياسية المتتالية.
طرق باب ملف الفساد في قطاع الكهرباء، يحمل الكثير من التشعبات، فهو يطال القضاء الذي لم يبت بعد بالتجاوزات وبهدر المال العام الذي بات مكشوفاً بالوثائق والأسماء، ويطال عدداً من المتنفذين في المؤسسة، والذين يمنعون أي عملية إصلاح ولو بسيطة، ويطال أيضاً الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة، والذين شرّعوا عملية استلام الشركات مقدمي الخدمات لعمل المؤسسة، تمهيداً للخصخصة بأبشع أنواعها ونتائجها.
التحرك الذي دعت إليه حملة “بدنا نحاسب”، اليوم أمام مؤسسة الكهرباء، جاء بفعل “الضغط الشعبي، الذي دفع بشكل تلقائي الى التحرك أمام المؤسسة، خاصة وان حالة الكهرباء لا تشي بإمكانية التحسن. وايضاً، ملف الكهرباء هو من اكثر الملفات احتواءً للفساد، لجهة الكلفة التي تتحملها الخزينة”، وفق ما يراه الناشط في الحملة، جورج عازار، الذي يؤكد لـ “المدن” ان التحرك في ملف الكهرباء “لا يأخذ من درب ملف النفايات شيئاً، بل يرفده بمزيد من الضغط، لأن كل القضايا والملفات مترابطة”.
عودة المشهد الى ساحة الكهرباء يذكّر بتحركات المياومين، ضد المشكلة عينها. والتكامل بين مطلب الحملة والمياومين، يدعم محاربة الفساد، فالمياومون يقدّمون الارقام والاثباتات التي توثّق الهدر والفساد من داخل المؤسسة، ما يشكل دعوة للقضاء الى المحاسبة. وتستحضر مصادر “المدن” من بين المياومين، الدعوات المتكررة للتفتيش المركزي الى المحاسبة، فهناك العديد من الكتب والرسائل والاثباتات التي ارسلت الى التفتيش، لكنها بقيت في الادراج. ولأن الاعتصام اماما مؤسسة الكهرباء يصب في خدمة مشروع مكافحة الفساد، يؤيد المياومون وبعض الموظفين هذا التحرك، وان بصورة غير رسمية. وتلفت المصادر النظر الى ان “الناس تطالب بتحسين وضع الكهرباء ووقف الهدر والفساد، لكننا كعمال نقاتل من أجل أخذ ثمن الخدمة التي نقدّمها، فنحن نقدّم خدمة من دون مقابل”. وترى المصادر ان “تحقيق الحراك لإنجازات ملموسة، مرتبط بطرح المسائل المالية بشكل مباشر، لأن “هناك جهات مالية في المؤسسة تقوم بدفع الاموال الى مقدمي الخدمات من دون وجود لجان استلام، ما سيؤدي الى هدر ملايين الدولارات، وستكون عرضة لإجراء مصالحة، وحينها تكون الاموال قد اختفت من دون مساءلة او محاسبة”.
وتذكّر المصادر بعمليات الهدر التي تتم من خلال التلاعب بكميات ونوعيات المواد المستعملة في تنفيذ المشاريع، وآخرها مشروع جزين الذي كشفت عليه مؤسسة الكهرباء والتفتيش المركزي، وقد ظهرت الأخطاء وعمليات الهدر فيه، لكن المحاسبة لم تتم. فضلاً عن مشروع العدادات الذكية الذي يتجه نحو التنفيذ بالرغم من كل الشوائب المؤكدة، التي يحتويها”. وتدعو المصادر المعتصمين الى “التركيز دائماً على مشروع مقدمي الخدمات، والعمل على تبيان المحاصصات والهدر فيه، والضغط على المسؤولين عن هذا الموضوع كما يتم الضغط في ملف النفايات، لأن مقدمي الخدمات يهدرون اموالاً أكثر مما تهدره سوكلين”. وتجدر الاشارة الى ان التحاصص الذي يتم في ملف مقدمي الخدمات، يشبه ما يحصل في مشروع تلزيم النفايات لأكثر من شركة، والذي حاول مجلس الوزراء تمريره مؤخراً. الا ان الفارق في شدّة وضوح الصفقة بين الملفين، وتأثير النفايات بشكل ظاهر على المواطنين، على عكس وجود مقدمي الخدمات، الذي يؤثر بشكل “غير مرئي” عليهم. وتستطرد المصادر، لتشير الى “التحضير لرفع دعاوى قضائية في أكثر من ملف له علاقة بالفساد داخل المؤسسة، وتحديداً في الملف المالي المتعلق بدفع الاموال الى الشركات من دون حسيب او رقيب”.
المعتصمون يتدرجون اليوم من المطالب العامة الى التصويب على الخدمات العامة بشكل مفصّل، لعلّ ذلك يفلح في توعية الجمهور العام على حقيقة ان كل القضايا المعيشية مترابطة، وان الفساد غير محصور بمرفق واحد، بل يمتد الى كل المرافق، ويؤثر على الخزينة العامة ككل. وتحت هذا الهدف، يؤكد عازار ان تحرك اليوم امام مؤسسة الكهرباء سيقابله تحرك امام كل المرافق العامة، تباعاً.