IMLebanon

رَحَم للإيجار… والكلفة تتخطّى الـ100 ألف دولار

pregnant

 

كتبت إليسار حبيب في صحيفة “الجمهورية”:

الإنجاب ومعرفة طعم الأمومة، حلم يراود غالبية السيّدات ما عدا اللواتي يضحّين بهذا الشعور حفاظاً على جمالهنّ ورشاقة أجسامهنّ. ولكنّ الحمل ليس سهلاً دائماً، ويترافق أحياناً مع مشكلات تعوقه وتمنعه. فهل تستسلم المرأة للمعوقات البيولوجية؟ أم تلجأ إلى وسيلة بديلة؟ وماذا لو استأجرت رحم امرأة أخرى؟

تحلم المرأة بالانجاب يوماً ما وبمعرفة طعم الأمومة، ذلك الشعور أو تلك “الغريزة” التي يتغنّى بها الشعراء والأدباء ولا يعرف معناها الحقيقي سوى مَن يختبرها. ولكن يواجه بعض الأزواج صعوبة حقيقية في الانجاب، غالباً ما تكون بيولوجية المصدر.

وإزاءَ هذه المشكلة يكون الأهل أمام خيارَين رئيسَين، فإمّا يتبنّون طفلاً أو يلجأون إلى التقنية البديلة وهي تخصيب البويضة. ولكن ماذا لو لم تنجح تلك التقنية؟ هل يكون “استئجار” رحم امرأة أخرى الحلّ البديل؟ وما هي انعكاساته النفسية على الإمرأتين والطفل؟

وكالات تأجير الرحم

إنّ ظاهرة تأجير أرحام النساء شائعة كثيراً في الولايات المتّحدة الأميركية، وقد افتُتِحَت وكالاتٌ كثيرة تُعنى بهذه “التجارة”، أيْ الحصول على طفل عبر رحم امرأة أخرى.

وتبلغ كلفة هذه الخدمة حوالي 150 ألف دولار. يُذكر أنّ أكثر مَن يُقبِلون على الوكالات الأميركية لتأجير رحم النساء، كوكالة “ويست كوست لتأجير الأرحام” في كاليفورنيا، هم الأجانب وتحديداً الصينيون الذين تجاوزت نسبتهم الاربعين في المئة، وأقبلوا على هذه التجارة منذ زهاء 4 أعوام.

تحت الطاولة

ولكن هل وصلت هذه الظاهرة إلى مجتمعنا اللبناني؟ “على رغم أنها شائعة كثيراً في الولايات المتّحدة الأميركية وأوروبا، إلّا أنّ “تجارة” تأجير رحم النساء لم تصل إلى لبنان، أو أقلّه تتمّ ممارستها تحت الطاولة”، حسب ما أوضح مصدر طبيّ فضّل عدم الكشف عن إسمه، مؤكّداً في حديثه لـ”الجمهورية” أنّ “المجتمع اللبناني لا يتقبّل كثيراً هذه الفكرة”، نافياً في الوقت نفسه عدم وجودها في لبنان.

غيرة… ومساس بالأنوثة

وعن الأشخاص الذين يلجأون إلى تقنية الحمل هذه، المعروفة أوروبياً بـLa femme porteuse؟ أجابت المتخصّصة في لغة البرمجة النورولوجية للإنسان، ليزا بوياجيان هاشم، أنّ هؤلاء النساء هنّ “المصرّات على الانجاب حتى لو لم تكن المرأة هي التي ستنجب طفلها مباشرةً من رحمها الخاصّ، واللواتي لا يتقبّلن أبداً فكرة عدم تربية أطفالهن”.

وأوضحت في حديثها لـ”الجمهورية” أنّ “حلم الانجاب وتربية الأطفال قد يخفي في طياته وفي اللاوعي شعوراً بالغيرة، أيْ غيرة المرأة من أخرى أنجبت بطريقة طبيعية وتربّي أطفالها”، موضحةً أنّ “هذا الشعور يخلق نوعاً من المنافسة اللاواعية بين شخصين عموماً وامرأتين خصوصاً، إذ إنّ عدم القدرة على الإنجاب تمسّ أنوثة المرأة في الصميم”.

رابط أقوى من الدمّ

ولكن، هل يوفّر استئجار رحم امرأة أخرى شعوراً بديلاً عن شعور الأمومة؟

“يبقى الجواب رهن الوقت الذي تريد فيه المرأة معرفة طعم الأمومة، ففي أشهر الحبل التسعة لن تعرف هذا الشعور أبداً ولن يولد هذا الرابط بينها وبين طفلها الذي حملت به امرأة أخرى”، أجابت بوياجيان هاشم، موضحةً أنّه “بعد الولادة، ستعرف المرأة طعم الأمومة، خصوصاً أنّ التربية تخلق ارتباطاً نفسيّاً بين الأم وطفلها قد يكون أقوى من رابط الدمّ، خصوصاً أنّ التربية تؤثّر في لاوعي الطفل وتزرع في نفسه القيَم والمبادئ الاجتماعية التي تنير دربه”.

ولم ترحّب المتخصّصة في لغة البرمجة النورولوجية للانسان بفكرة أن تكون الامرأتان قريبتين: “لانّ هذا الأمر يخلق نوعاً من الغيرة والمنافسة بينهما، خصوصاً أنّ المرأة التي حبلت بالطفل ستشعر دائماً بالارتباط بالطفل الذي حبلت به وهذا ما يخيف أمّه”.

عدم التخلّي عن الطفل

وعن رأيها في ما يخصّ متابعة الأمّ لمراحل حمل المرأة الأخرى التي حبلت بطفلها؟ قالت بوياجيان هاشم: “من الضروري أن تتابع الأمّ غير البيولوجية مراحل حبل الأمّ البيولوجية وترافقها في زيارتها إلى الطبيب النسائي لتواكب نموّ الطفل، وليخلق نوعاً من العلاقة والارتباط بين الامرأتين”، مؤكّدةً أنّ “ما من قاعدة عامّة في هذا الشأن، بل يبقى الأمر رهن اعتبارات كلّ حال على حدة وشخصيّة كلّ امرأة”.

 

ومن مساوئ تأجير الرحم وخطورته ذكرت: “عندما يصل الحبل إلى مراحله الأخيرة وتكون الأمّ البيولوجية قد تعلّقت بالطفل الذي تحمله، فلا تتخلّى عنه خصوصاً أنها تشعر بقوّة الارتباط الذي يجمعهما”.

…والوقع كالاجهاض

ووَقْع رفض الأمّ البيولوجية بالتخلّي عن طفلها، يكون صعباً على الأمّ غير البيولوجية ومؤلماً كوقع الاجهاض عليها، “إذ تكون قد انتظرته طوال 9 أشهر وواكبت مراحل نموّه وعايشت كلّ المشاعر والأحاسيس التي تشعر بها المرأة في حملها، واستعدّت نفسيّاً لولادته لتجد فجأة أنّها فقدته فتعيش الحداد الذي تشعر به الأمّ التي فقدت جنينها”.

كذلك، على المرأة التي حبلت بطفل امرأة أخرى أن تُتابع نفسيّاً لتتقبل فكرة انسلاخها عن الطفل الذي حبلت به في أحشائها، “فالمشاعر التي تربط المرأة بجنينها تكون قويّة وتخلق نوعاً من الرابط، تنتج عنه صعوبة بالغة في الانسلاخ عن الطفل، ومن هنا ضرورة الاستعداد النفسي لهذه المرحلة الصعبة، أيْ مرحلة ما بعد التخلّي عن الطفل والتي لا تعي المرأة خطورتها إلّا بعد عيشها”.

انسلاخ… وفراغ

وتطرّقت بوياجيان هاشم إلى تأثير هذا النوع من الحمل في لاوعي الطفل، مؤكّدةً أنّ “الطفل يحتاج بعد ولادته إلى المرأة التي حبلت به والمرأة التي تربّيه، وبالتالي فإنه سيتأثر نفسيّاً بطريقة سلبية إذا أُلغي دور إحداهما في حياته، وسيشعر بالفراغ إذا انسلخ عن الأمّ التي حبلت به”.

وختمت حديثها للـ”الجمهورية”، مؤكّدةً أنّ “الطفل ومنذ مراحل تكوّنه في رحم الأمّ، يشعر بطريقة غير واعية بكلّ ما تشعر به الأمّ التي حبلت به وهذا ما يؤثّر في شخصيّته ونموّه لاحقاً”.

ووجدت أنّ “الأهمّ من متابعة الامرأتين نفسيّاً، من الضروري متابعة الطفل لئلّا تتكوّن لديه مشكلات نفسية خطيرة تقود إلى الاكتئاب. ولكن هذا لا يعني أن تفصل الأمّ طفلها عن المرأة التي حبلت به، وإنما مواكبته نفسياً خلال مراحل نموّه تلافياً لأيّ مشكلات”.