Site icon IMLebanon

“عون” و”حرب” تساجلا و”السنيورة” حدّد الأولويات

dialogue

كتبت منال شعيا في صحيفة “النهار”:

كانت جلسة الحوار، المفترض ان يكون وطنيا اشبه بحوار بين سياسيين يحاولون تصفية الحسابات في ما بينهم، مبعدين الصحافيين عنهم تماما كما ابعدوا عنهم الحراك الشبابي.

اقفلت ساحة النجمة تماما أمس واحكمت الخطة الامنية قبضتها جيدا. وبكل بساطة، بات على الصحافيين المزودين اصلا بطاقة خاصة لتغطية الحوار، سلوك “جل”، بكل عدّته، من رمول وبحص وشوك، خلف مبنى جريدة “النهار”، للنفاذ الى الطريق البحرية بالقرب من “البيال”. ومن هناك صعودا الى شارع اللنبي، حيث المنفذ الوحيد الذي تفتح “اسلاكه” امام الصحافيين وحدهم للمرور الى مجلس النواب.

ومن هناك “مسلسل” جديد امام “القمع الاعلامي”. اجلس الصحافيون في قاعة المكتبة العامة، فيما المتحاورون تحاوروا في المبنى الاخر، وتحديدا في قاعة واسعة من الطبقة الثالثة داخل المبنى الاساسي للمجلس. بين حين وآخر كان يسمح لمندوبي وسائل الاعلام المرئية ببث رسائلهم، أو من الخارج واما من المبنى الاساسي. وبعد ذلك اوقف الصحافيون نحو ساعة في الخارج، وسط الاختناق والحرارة المرتفعة، استعدادا لوصول الرئيس تمام سلام كي يعلن انعقاد جلسة مجلس الوزراء مساء.

وكي تكتمل مشهدية التشدد طلب بعد ساعتين من الجلوس داخل المكتبة، ليدخل القاعة العامة وانتظار اكثر من نصف ساعة، دخول رئيس مجلس النواب نبيه بري ليلقي كلمته. هكذا اشيع من ساعات ما قبل الظهر، وجهزّت الاجواء للكلام المنتظر، فكانت المفاجأة ان اطلّ الامين العام للمجلس عدنان ضاهر ليتلو بيانا من ثلاثة اسطر فقط، يشير الى ان “المجتمعين ركزوا على ملف الرئاسة والخطوات المطلوبة في السياق”، معلنا تأجيل الجلسة الى الاربعاء المقبل 16 ايلول.

في الاثناء، تسمر الاعلاميون في الداخل، معتقدين انهم سيحصلون على صيد ثمين عبر كلام بري، فكان ان “هرّب” المتحاورون من الباب الاساسي للمجلس، بعيدا من الصحافة.

لربما كان رئيس الكتائب النائب سامي الجميل محقا في طلبه ان تكون الجلسة علنية، فلو كانت النية صافية للتوصل الى الحل، لما كان كل هذا “الخوف” من الاعلام وهذه التدابير الاكثر من صارمة.

مداخلات ولا تقدّم

في المحصلّة، جلس 16 متحاورا حول الطاولة المستديرة الكبيرة، التي صنعت خصيصا للحوار بنسخته الجديدة، وخلف كل محاور رئيسي جلس معاونه: حضر الرئيس بري مع الوزير علي حسن خليل. سلام مع الوزير رشيد درباس، رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون مع الوزير جبران باسيل. الرئيس فؤاد السنيورة مع النائب عاطف مجدلاني. الرئيس نجيب ميقاتي مع النائب احمد كرامي. رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط مع النائب غازي العريضي. الوزير بطرس حرب مع النائب السابق جواد بولس. النائب طلال ارسلان مع السيد حسين حماده. النائب اسعد حردان مع الوزير السابق علي قانصو. نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري مع النائب روبير فاضل. رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد مع النائب علي فياض. النائب ميشال المر. رئيس حزب الطاشناق النائب اغوب بقرادونيان مع الوزير ارتيور نظريان. النائب ميشال فرعون مع السيد الياس أبو حلا. رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل مع النائب ايلي ماروني. رئيس تيار “المرده” النائب سليمان فرنجيه مع الوزير السابق يوسف سعادة.

بداية، وقف الجميع للنشيد الوطني، ثم تحدث بري مشيراً الى أن “هذه الطاولة ستبقى، ولكن نأمل في ألا نحتاج الى حوار ثان”. وقال: “نجتمع لنحاول وضع حلول عادلة ومخارج صحيحة، والأمر يحتاج الى توحيد المواقف وليس الى حوار الطرشان. أناشدكم، بل إن الوطن يناشدكم الاتفاق، متمنياً الا يكون فات الوقت، وأن نتمكن من رسم خريطة طريق لعبور الاستحقاق الرئاسي واطلاق عمل التشريع لوضع القوانين الرئيسية التي ترسم صورة لبنان غداً، واخراج السلطة التنفيذية من واقع التفكك وتنشيط أدوارها، والمطلوب ان نصنع لبنان الموحد”.

بعده تحدث الرئيس سلام عن أزمة النفايات، مصراً على تفعيل عمل الحكومة للخروج من الأزمات.

ومن المداخلات البارزة والطويلة، كانت كلمة الرئيس السنيورة الذي حدد لها نقاط عدة، منطلقاً من ان “وجود رئيس للجمهورية يشكل حجر الرُحَى في انتظام عمل كل المؤسسات، وبسبب الشغور الرئاسي تعطلت الدولة ومؤسساتها أو أصابها الشلل”.

وقال: “ما نستخلصه أن الدولة لا تستقيم أمورها ومؤسساتها إلا بانتخاب رئيس للبلاد. وهو يشكل المفتاح الرئيس لمعالجة معظم المشكلات. ويفسح انتخاب الرئيس في المجال أمام تشكيل حكومة وطنية حقيقية تحظى بثقة المجلس، وتأخذ على عاتقها إقرار قانون جديد للانتخابات”.

وتطرق الى عناوين عدة سياسياً واجتماعياً، مبرزاً الأولويات كالآتي: “رئاسة، حكومة، قانون انتخابات، انتخابات”. واذ لفت الى أن “الشغور الرئاسي الذي مضى عليه أكثر من ستة عشر شهراً، ساهم في التراجع المتعاظم لدور الدولة وأدائها وهيبتها، أثار “جملة من الاحباطات والتطورات الداخلية والتقاعس والتأجيل وعدم المبادرة عن معالجة أزمات متعددة تتعلق بحياة المواطنين والخدمات العامة”.

وقال إن “حل مشكلة النفايات ليس مستحيلاً إذا توافرت الارادة، وهو لا يمكن ان يحصل إلا اذا تشارك الجميع في حمل وزر الحل وايجاد المطامر تمهيداً للحل الطويل الأمد. الحل يجب أن يكون وطنياً وتشاركياً”. وعاد السنيورة الى اتفاق الطائف، مطالباً “باعادة الاعتبار اليه والتمسك بانتخاب رئيس، كأولوية في مقابل مطالبة البعض بانتخابات نيابية قبل انتخابات الرئاسة، وهذا اقتراح يحمل معه الاخطار”.

وبعدما تكلم على ظروف الحوار الاقليمية وأزمة اللجوء السوري، أكد أن “انتخاب رئيس للجمهورية بات ضرورة وطنية تتجاوز مصلحة هذه الطائفة أو تلك”.

وقال الرئيس ميقاتي “إن هذه الطاولة هي المكان الطبيعي للتفكير معاً، والحفاظ على دور مؤسسات الدولة. لم يعد لدينا سوى خيار واحد هو الخروج بحلول تنبع من رغبات شعبنا، على ما أشارت اليه الدعوة التي تلقيناها الى الحوار، والأهم ان نلتزم معاً تطبيق الحلول”.

بين عون وحرب

ثلاث ساعات، قلّب خلالها المتحاورون اوراقهم، كل حسب خطته.

عن الكتائب، تحدث طويلاً النائب الجميل، مركزاً على أولوية الرئاسة، وقدم خريطة طريق نحو الحل، تبدأ بانتخابات الرئاسة وتنتهي بانتخابات نيابية صحيحة.

وتكلّم نائب الرئيس مكاري على “ضرورة وضع انتخاب رئيس الجمهورية على رأس بنود جدول الأعمال، لأنها أم المشاكل، وحلّها هو ابو الحلول، فاذا توصلنا إلى اتفاق في شأن انتخابات الرئاسة نوفّر على أنفسنا مناقشة بندين آخرين لأنهما يُحلاّن تلقائياً، هما استعادة عمل المجلس والحكومة”.

وقال: “من غير المنطقي ان يصدق الناس أن حوارنا سينظف البلد من جبال الأزمات فيما هم يعيشون بين تلال النفايات”.

وكان الأبرز سجال بين عون وحرب، فأثناء القاء الوزير حرب كلمته ذكر موقفاً للعماد عون، فما كان من عون الا ان تدخل منفعلا وطالباً من حرب عدم ذكر اسمه، وأضاف: “ما تجيب سيرتي”، فردّ حرب بالانفعال نفسه مؤكداً انه يرد على موقف ولا يتناوله شخصيًّا فأعاد عون الطلب الى حرب عدم ذكر اسمه او تناول مواقفه.

حرفياً هذا ما حصل: قال عون ان مجلس النواب لم يعد شرعياً، ويجب تعديل الدستور لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، فقال حرب: “سمعت أحدهم يقول ان المجلس غير شرعي. اذا كان غير شرعي فكيف سيعدّل له الدستور لاجراء الانتخاب من الشعب؟”.

فرد عون: “لا اقبل ان تعلق على كلامي”. وتابع الحديث في شكل منفعل.

ليرد حرب على عون وقوفاً: “وطِّ صوتك. انا سمعتك ولم اقاطعك وكما سمعتك عليك ان تسمعني”.

وعند احتدام النقاش تدخل بري محاولا احتواء المسألة ورفع الجلسة.

وعلمت “النهار” ان عون قدّم مداخلة قانونية دستورية تحدث فيها عن الشرعية الشعبية، مجددا مطالبته بإنتاج مجلس نواب جديد، وانزعج من الرد على مداخلته، وتوجه الى حرب بالقول: “انا اتكلم في القانون وانت ترد عليّ بالرئاسة والسياسة”. في المقلب الآخر، وصفت اوساط “حزب الله” اجواء الحوار بقولها لـ”النهار” ان “ما شهدناه كان بمثابة بداية طبيعية. الجلسة كانت جدية وهادئة، وشكلت مدخلا الى الحوار من خلال استعادة تظهير مواقف كل فريق”.

وفي مداخلته، قال النائب رعد: “نص دعوة الرئيس بري الى الحوار معبّر بالاشارة الى القهر والحرمان داخلياً، والى التهديدات الخارجية”. وتحدث عن “الخطر الخارجي والتحديات الاجتماعية الملحة والتي تعكس احوال اليأس من الطقم السياسي الذي سبق وحكم البلاد”.

واذ طالب “بتطبيق الدستور بنداً بنداً، وعدم الاستنسابية في التطبيق”، حدّد “خريطة للحل”، قائلاً: “هذه الخريطة موجودة. نحن نحتاج الى رئيس قوي صاحب عقل سيادي وشعبية كبيرة. ولا بد من عقل سيادي ورؤية سيادية للاتفاق على الرئيس، الا ان التجارب السابقة لم تكن مشجعة”.

عند هذا الحد انتهى المشوار الاول من الحوار. وعلى رغم المطالبة بأن تبقى المداخلات سرية، وهذا ما التزمه النائب الجميل، كان توزيع المداخلات الاخرى يتوالى. والسؤال، لماذا عومل الاعلاميون بهذه الطريقة، اذا كانت ثمة المداخلات ستوزع والتسريبات ستغزو الصحف، والاهم هل يكون حوار المجلس افضل حالا من حوار قصر بعبدا الاخير في الـ2014؟