وسعت الولايات المتحدة الأميركية من عقوباتها الاقتصادية على روسيا، لتضاف إلى سلسلة العقوبات الغربية التي بدأتها بالاشتراك مع أوروبا بعد تفاقم الأزمة الأوكرانية. واستهدفت العقوبات الأخيرة قطاع التصنيع العسكري، في حين توعدت موسكو بالرد بالطريقة التي تراها مناسبة.
فقد أعلنت واشنطن مؤخرا أنها أدرجت عددا من شركات التصنيع العسكري الروسية على قائمتها السوداء، متهمة إياها بانتهاك قانون عدم الانتشار الأميركي الذي يحظر تصدير السلع والتقنيات التي يمكن استخدامها في تصنيع أسلحة الدمار الشامل لكل من إيران وسوريا وكوريا الشمالية.
وشملت العقوبات الأميركية خمس شركات روسية أبرزها شركة “روس أوبورون إكسبورت” الحكومية، وهي الشركة الوحيدة المخولة بتصدير الأسلحة الروسية، وشركة “ميغ” المتخصصة في صناعة الطائرات المقاتلة. وتمنع العقوبات الوزارات والمؤسسات الحكومية الأميركية من توقيع أية عقود مع الشركات المذكورة.
ويأتي القرار الأميركي متزامنا مع قرار أوروبي يقضي بتمديد العقوبات المفروضة على موسكو حتى منتصف مارس/آذار 2016.
الرد الروسي
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها إن النهج الأميركي الحالي ينسف الأسس التي يمكن الاستناد إليها لإعادة تطبيع العلاقات، وأكدت أنها سترد ولكن ليس بالضرورة أن يكون الرد مماثلا.
يقول رئيس المركز الروسي للدراسات والتحليلات السياسية ألكساندر غوسيف “إذا قرر الغرب استهداف قطاع التصنيع العسكري، فإن الرد الروسي قد يشمل جوانب أخرى، فهناك العديد من أوجه التعاون التي تحرص واشنطن على بقائها”.
وأوضح غوسيف أن من الممكن لموسكو مثلا أن تتوقف عن تزويد واشنطن بمحركات الصواريخ اللازمة لصناعة الصواريخ المجنحة، أو تعليق التعاون الفضائي معها والتوقف عن إرسال رواد الفضاء الأميركيين إلى المحطة الفضائية الدولية بمركبات فضاء روسية.
وعلى الصعيد التجاري، يمكن لرد موسكو أن يحد من حضور الشركات الأميركية على الأراضي الروسية، أو أن يحظر مرور الطائرات المدنية في أجوائها، وهناك قائمة طويلة من الإجراءات الأخرى الممكن اتخاذها.
وأضاف المتحدث أن روسيا لا ترغب بالتصعيد، وقد ظلت طيلة الفترة الماضية مكتفية بالحظر الذي فرضته على استيراد المواد الغذائية من عدد من الدول الغربية، وهو ما كبد الاقتصاد الأوروبي خسائر تقدر بنحو 220 مليار دولار في عام واحد.
استخلاص العبر
وأضاف غوسيف أنه لا شك بأن التعرض للعقوبات أمر سيئ، لكنه في الوقت نفسه يعطي دافعا لإجراء مراجعات داخلية، ووضع حد لحالة الاسترخاء.
وأضاف أن العقوبات ألحقت ضررا بالاقتصاد الروسي لكنه ليس قاتلا، وهذه المحنة ليست الأشد بالنسبة لروسيا، و”المهم عدم نسيان هذه المرحلة عندما يطالبنا الغرب بإعادة علاقات الصداقة”.
وبدأت العقوبات الغربية ضد روسيا العام الماضي باستهداف أشخاص ومؤسسات ذات صلة بالأزمة الأوكرانية، ثم أخذت تتسع لتشمل قطاعات اقتصادية حساسة كالنفط والمصارف وأخيرا التصنيع الحربي، ومع استمرار العقوبات تتزايد الأضرار على الاقتصاد وعلى المزاج العام بسبب تراجع دخل المواطنين وقدراتهم الشرائية.
مصلحة أميركية
يقول رئيس مركز التحليل النظامي واستقراء المستقبل روستيسلاف إيشينكو إن هناك قائمة طويلة من الخروق الأميركية في الاتفاقيات التي وقعتها مع روسيا بشأن الحد من انتشار السلاح النووي وغير النووي، والرقابة على التسلح.
وقال إيشينكو إن الشركات المشمولة بالعقوبات لا علاقة لها بالسياسة الخارجية الروسية، ما يعني أنها عقوبات مقصودة من أجل إضعاف الصناعات الدفاعية الروسية كونها منافسة قوية لمثيلاتها الأميركية.
وأضاف أن الضغوط التي يمارسها الغرب لها تبعات سلبية على روسيا وعلى خصومها على حد سواء -وبالأخص أوروبا- في حين أن واشنطن هي الرابح الوحيد في هذه المعادلة نظرا لأن التبادل التجاري بين روسيا والولايات المتحدة لا يتجاوز ثلاثين مليار دولار، وهذا رقم ضئيل بالمقارنة مع حجم التبادل الروسي مع الاتحاد الأوروبي.
ويخلص إيشينكو إلى أن استمرار الأوضاع بهذه الطريقة يضعف الاقتصادين الروسي والأوروبي، وهذا ما تريده واشنطن.
ويرى المتحدث أن العقوبات ستترك دون شك انعكاسات على قطاع التصنيع العسكري في روسيا، ولكنها انعكاسات مؤقتة يمكن تجاوزها بإيجاد مصادر بديلة، أو بالتحول إلى التصنيع المحلي وقد بدأ ذلك بالفعل، ولكن تبقى هناك تقنيات معقدة قد يستغرق إيجاد بدائل عنها وقتا أطول.