Site icon IMLebanon

تحرُّكات الأسواق ورفع أسعار الفوائد

wall-street
بروفسور غريتا صعب
سجّلت وول ستريت أسوأ شهر لها منذ العام ٢٠١٢ بعد تعليقات مسؤولين كبار في مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووسط مخاوف المستثمرين من احتمال رفع أسعار الفوائد الاميركية في منتصف أيلول الحالي.
جاءت تصريحات نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي ستانلي فيشير شبه مؤكدة على احتمال رفع اسعار الفوائد وسط مؤشرات ايجابية للاقتصاد الاميركي. ورغم ما يجري في الصين وغيرها من الاقتصادات التي تعتبر ولغايته متعثّرة، الّا انّ ذلك، ودائماً حسب فيشر، لا يشكّل سبباً مهماً لعدم رفع هذه الاسعار. لقد ساعدت الفوائد القريبة من الصفر الى حد بعيد سوق الأسهم في تحقيق مكاسب قد تتبدّد اذا ما بدأت اسعار الفوائد بالارتفاع.

لذلك لم يعد من المستبعد ان يتحقق رَفع الفوائد في اجتماع ١٦-١٧ أيلول للفيدرالي. وقد يكون المؤشر الشهري عن تقدير الوظائف هو آخر المؤشرات التي سوف تقدر هذه الخطوة وقد جاءت إيجابية. لذلك ينظر المستثمرون بقلق الى ما سيحدث في منتصف الشهر المقبل وما سوف تكون عليه معدلات الزيادة هذه.

هذه الخطوة ستكون الاولى منذ العام ٢٠٠٨ والتي دفعت بأسعار الاسهم صعوداً. وكلام فيشر واقعي رغم انه لم يكن نهائياً حول قرار رفع أسعار الفوائد، إنما المؤشرات الاقتصادية تُثبت كلامه، لا سيما وضعية الأسَر المعيشية بعد سبع سنوات على الأزمة وازدهار سوق العمل وتراجع نسَب البطالة الى مستويات تاريخية قاربت ٥,١ بالمئة، وتوقعات زيادة الاجور وارتفاع نسب التضخم والتي بقيت متدنية لأسباب باتت معروفة مثل انخفاض اسعار النفط وارتفاع الدولار، وهذه اسباب قد تتراجع مرحلياً.

ويبدو أنّ وول ستريت ما زالت على اقتناع بأنّ اسعار الفوائد سوف ترتفع في ايلول، هذه القناعة تَتشاطرها مع الاستراتيجيين والاقتصاديين بينما يركّز المضاربون على موعد لاحق، قد يكون بداية العام ٢٠١٦. ولا بد من القول انّ عدم اليقين هذا هو عدوّ السوق الاول، لذلك يعتبر الفيدرالي الاميركي اليوم العدوّ الأكبر للمستثمرين والمضاربين ووول ستريت بالتحديد.

واذا سَلّمنا جدلاً انّ اسعار الفوائد سوف ترتفع في ايلول، يبقى القول إنّ آراء الاقتصاديين تتعارض حول فوائد هذا الارتفاع اذ انه وحسب لاري سامز، وزير الخزانة الاميركية السابق، انّ ايّ ارتفاع لهذه الاسعار قريباً يعتبر خطأ فادحاً ويهدد فرَص ارتفاع نسب التضخم لتصِل الى ٢ بالمئة، كذلك يهدّد نسَب العمالة ويؤثر سلباً عليها.

انّ ايّ ارتفاع لأسعار الفوائد سوف يؤثر سلباً على الاستثمار، ما يعني تراجعه وبالتالي تراجع نسب العمالة. كذلك، إنّ ارتفاع اسعار الفوائد سوف يؤدي حكماً الى زيادة قيمة الدولار ما يجعل المنتجين الاميركيين اقلّ قدرة على المنافسة ويشكّل ضغطاً على اقتصادات شركاء اميركا التجاريين، دائماً حسب سامرز. لذلك ينبغي النظر بجدية الى تحركات الفيدرالي المنتظرة، لا سيما انّ التجار والمستثمرين يراهنون

ومنذ أشهر على انّ الفيدرالي سوف يرفع اسعار الفوائد في ايلول. ولكن وحسب بعضهم قد يكون شهر ايلول قريباً جداً إنما ذلك لا يعني انه لن تكون هنالك رفع اسعار فوائد لهذه السنة ونسبة التحرّك هذه قد تزيد مع اجتماع كانون الاول المقبل، هذا مع العلم انّ توقيت المؤتمرات الصحفية للفيدرالي قد لا تكون مرتبطة زمنياً بقرارات رفع معدلات الفوائد (مع الأخذ بعين الاعتبار كلام جانيت يلين الواضح في هذا الخصوص وتحركات الفيدرالي على مدى السنين).

وعلى ما يبدو إنّ حكّام الفيدرالي في انحاء اميركا وبالمطلق يترددون في أخذ هكذا قرار طالما انّ الاسواق العالمية ما تزال غير مستقرة. امام هذا الواقع يبقى القول انّ عدم اليقين هو سيّد الموقف، ويبقى مؤشر سوق العمل هو الطاغي على المؤشرات الاقتصادية الاميركية، رغم ما يجري عالمياً والمخاوف من الانشقاق بشأن الاقتصاد الصيني. ويبقى من الصعب التحرّك وسط العاصفة المالية العالمية، والتي من المعتقد ان يتمّ تسويتها بينما ينعقد الفيديرالي الاسبوع القادم.

لذلك تبدو الصورة، ولغايته، غير واضحة تماماً، وممّا يزيد في عدم اليقين قلق الاحتياطي الفيدرالي من مخاطر الانكماش. والانكماش يحدث عندما يتوقّع المستهلك انخفاضاً للأسعار في المستقبل فيزيد من ادّخاره في الوقت الحالي، ما يعني انخفاض الناتج والدخول في عملية ركود طويلة الأجل.

لذلك وبالمطلق، قد يكون من غير الصحيح مراقبة نسَب الانكماش بل يكون من الافضل مراقبة معدلات الإدخار، لا سيما اذا ما تجاوز الادخار المستويات الطبيعية، ما يشكّل خطراً على الاقتصاد كون القدرة الشرائية للمستهلك هي اقوى عناصر النمو الاقتصادي.

لذلك، قد يكون من المُبكر معرفة ما سيحدث في احتماع مجلس الاحتياطي الفيديرالي، علماً انه لم يتخذ ايّ قرار بعد ريثما تتكوّن صورة واضحة عمّا سوف يجري في الايام المقبلة القادمة. علماً، وكما سبق وذكرنا، انّ التوقعات الاساسية هي انّ الاقتصاد الاميركي قوي، ما يدعم فكرة زيادة اسعار الفوائد.

أمّا صانعو السياسات المالية والنقدية فلا ينبغي ان يركزوا على زيادة التضخم بل على العكس عليهم التركيز أكثر على زيادة الناتج المحلي الاجمالي بنسبة ٣ بالمئة او اكثر.

ولتحقيق ذلك وجب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي زيادة الاعتمادات، كذلك وجب على الادارة والكونغرس معاً أن يوافقا على خفض معدلات الضرائب المفروضة على الشركات والاستثمار في مشروعات البنية التحتية والسماح بتصدير الغاز والنفط وتمرير اتفاقات تجارة حرة مع آسيا واوروبا وغيرها من السياسات التي تدعم احتياجات الصناعة الزراعية وتلبّيها.

لذلك، إنّ آفاق الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن على الأقل أفضل بكثير ممّا كانت عليه في الاشهر السابقة، وتحديداً في الولايات المتحدة وبريطانيا ولَو بشكل أقلّ في منطقة اليورو التي بدأت تظهر علامات حياة. لذلك، قد تكون أهم الاسئلة في مجال الاقتصاد الكلي: ماذا تعني زيادة اسعار الفوائد القصيرة والطويلة الأجل على المدى الطويل وأهمها عائدات سندات الخزينة الاميركية على فترة العشر سنوات (Ten Years US Treasury Bonds)؟

والسؤال يبقى: ماذا تعني زيادة أسعار الفوائد القصيرة الاجل على اسعار الفوائد الطويلة الاجل؟

مع العلم انه في السنوات العشرين الماضية، والتي رفع فيها مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفوائد منتصف التسعينات وفي أواخرها وكذلك في العام ٢٠٠٠، جاءت الاستجابات مختلفة لأسعار الفوائد الطويلة الاجل. ومن هنا يمكننا ان نستوحي ماذا سيحدث في العام ٢٠١٥ وبعده.

– في أواخر ١٩٩٣ تراجعت فوائد سندات العشر سنوات الى ما دون الـ ٦ بالمئة، وبعدها بسنة أصبحت في حدود ٨ بالمئة.

– بين العامين ١٩٩٩-٢٠٠٠ ارتفعت اسعار الفوائد وارتفعت معها عائدات سندات العشر سنوات.

– بين العامين ٢٠٠٤-٢٠٠٦ ورغم ارتفاع اسعار الفوائد لتبلغ ٥,٢٥ بالمئة لم تتغيّر نسبياً فوائد السندات.

لذلك، لا يمكن وبالمطلق تَنبّؤ تحركات الاسواق نتيجة رفع اسعار الفوائد، وسيناريوهات السنوات الماضية خير دليل على عدم اليقين الذي نحن فيه الآن وما سوف ينتج عن ذلك في عوائد سندات العشر سنوات والمؤشرات الاقتصادية بشكل عام.

انّ عدم اليقين يبقى عدو المستثمر الأول ويحدد خطواته المستقبلية ويُدخلنا في متاهات التكهنات غير الأكيدة.