IMLebanon

تحذير من مخطط “تثبيت النازحين” في لبنان

refugees-1

 

 

كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:

يتسلّل موضوع “توطين” النازحين السوريين بخفّة لتغيير الواقع الديموغرافي والسكاني للبنان في الوقت الذي تشهد فيه شوارعه وساحاته تظاهرات شعبية معارضة لبقاء حكومة الرئيس تمّام سلام. وتقوم هذه الأخيرة على أساس محاربة الفساد وانتخاب مجلس نيابي جديد يُمثّل الشعب تمثيلاً فعلياً، ويأتي بالرئيس المنشود للجمهورية، فضلاً عن حلّ أزمة النفايات وسواها من الملفات المعيشية واليومية الملحّة التي لم تجد بعد طريقها الصحيح للحلول الجذرية.

وتحذّر أوساط سياسية بارزة من موضوع “تثبيت النازحين السوريين في لبنان” الذي بات عنواناً جديّاً يتمّ تداوله في عدة لقاءات ومناقشات مسؤولين إقليميين ودوليين. ويتمّ اعتماد عبارة “تثبيت” بدلاً من “توطين” بهدف تخفيف وطأة العبارة الثانية، ولأنّ الدستور اللبناني نصّ في مقدّمته على ثلاث لاءات: “لا للتقسيم لا للتجزئة لا للتوطين”، ولا يمكن لأحد، في الداخل أو الخارج، تجاوز هذه اللاءات. إلاّ أنّه لم يأت على عبارة “لا لتثبيت” النازحين أو اللاجئين فيه، ما يُشجّع الدول الإقليمية التي لديها حلفاء في هذا البلد على طرح اقتراح كهذا يخدم مصالحها في المنطقة دون أي مصلحة أخرى.

دول أوروبية عديدة تُقحم نفسها في هذه الأزمة التي يعاني منها البلد منذ سنوات مع بدء الحرب في سوريا، على رأسها فرنسا، على ما أشارت الأوساط نفسها، ليس بهدف حلّ تداعيات الأزمة السورية على دول الجوار ومنها لبنان، وتخفيف الأعباء الثقيلة التي يتكبّدها لاستضافته مليوناً و800 ألف نازح سوري، إنّما خدمة للأجندة الأميركية التي تُطبّق في دول الشرق الأوسط ما تريده الدول الخليجية وأبرزها السعودية وقطر. فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيزور لبنان ليثبّت النازحين في بلدنا، لكي لا يذهبوا الى بلاده ولا الى أي دولة أوروبية أخرى بعد أن رفضت عدة دول استقبال المزيد من المهاجرين غير الشرعيين مثل المجر والنمسا وثلاثة أقاليم في شمال إيطاليا وسواها. ولعلّ أكثر ما تريده هذه الدول هو أن تصبح الغالبية السكّانية في لبنان من الطائفة السنية، لتتمكّن من أن تصبح الكلمة الفاعلة فيه لها، ولكي يتحوّل هذا البلد، كسائر الدول العربية، محكوماً من الطائفة الإسلامية السنيّة.

ولا يمكن للدول الخليجية تحقيق هذه المسألة في لبنان، من خلال الاعتماد على ولادات اللبنانيين من الطائفة السنيّة، لأنّ الأعداد تبقى غير كافية مقارنة مع ولادات الطائفة الشيعية الناشطة في هذا المجال. ولهذا أوعزت منذ سنوات لحلفائها اللبنانيين بتوطين 200 ألف سنّي من عرب وادي خالد وعرب الحدود بهدف زيادة أعداد الطائفة في لبنان. وتريد اليوم بالتالي “توطين” السوريين من السنّة في هذا البلد لكي يبقى مخطّطها هذا قائماً.

علماً أنّ النازحين السوريين من الطائفة المسيحية هم “أقليّة”، لا يعيشون في الخيم، ولا يستجدون المساعدات من “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين”، ولا يُشكّلون بالتالي أي خطر على المخطط الخليجي- الأميركي، بتوطين أو تثبيت أكثر من مليون نازح سوري سنّي في لبنان. وتضيف الأوساط بأنّه لا يُخفى على أحد أنّ دولاً عربية وغربية عديدة نادت سابقاً، إن في جامعة الدول العربية، أو في الأمم المتحدة، ببقاء اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة لهم بشكل مؤقت، لا سيما في لبنان، في محاولة لتوطين نحو 600 ألف فلسطيني لاجىء فيه مقابل إلغاء الديون المتراكمة على الدولة بمليارات الدولارات، إلاّ أنّ هذه الإقتراحات تمّ رفضها. علماً أنّ ذلك لم ينهِ اللجوء الفلسطيني المؤقت لهؤلاء والمستمر منذ العام 1948 حتى يومنا هذا.

وإذ تحوّل اللجوء الفلسطيني الى وجود خطِر على الداخل اللبناني نظراً لما يُعشعش في المخيمات الفلسطينية المنتشرة على جميع الأراضي اللبنانية، من فارّين من وجه العدالة ومن فصائل مسلّحة، على ما تقول الأوساط، فضلاً عن الشباب المعوزين والمحتاجين والذين يُشكّلون فئة خصبة لتأدية الخدمات المدفوعة، فإنّ مليوناً ونصف مليون نازح سوري لجأوا الى لبنان ليس هرباً من المعارك فقط، بل خوفاً من النظام الذي يعارضونه ويحارب الشباب فيهم ضدّه، لا بدّ وأن يحملوا الإرهاب بعينه الى الداخل اللبناني، وهذا ما هو الأسوأ والأخطر على الأمن والاستقرار في البلاد.

من هنا لا بدّ من تنبّه الحكومة الحالية، كما الشعب المنتفض والمتحرّك، الى خطورة هذا الأمر خصوصاً أنّه بات مدرجاً بوضوح في بعض التقارير الأجنبية التي تعرّف عن لبنان، فتذكر، على ما لفتت، أنّ عدد سكّان لبنان هو 6 ملايين نسمة، بدلاً من 4 ملايين و259 ألف، على ما تشير اليه بعض الإحصاءات الداخلية، كما ويكيبيديا. وهذا الأمر ليس بريئاً، على ما شدّدت، إذ بإضافة عدد النازحين السوريين في لبنان (مليون و800 الف) الى عدد سكّانه الأصليين، يصل مجموع العدد الى نحو 6 ملايين، ما يُفسّر نيّة الدول الغربية بـ “توطين” النازحين فيه.

غير أنّ هذا المخطط لن يحصل، أكّدت الأوساط السياسية نفسها، فالتوطين الفلسطيني الذي استمرّ 67 عاماً يبقى مؤقّتاً لأنّ الدستور اللبناني يرفض أي توطين، ولأنّ الشعب اللبناني ضاق ذرعاً من سياسييه الفاسدين لهذا ينتفض عليهم اليوم، فما الذي سيفعله بعد ذلك بوجود غرباء على أرضه فاق عددهم ثلث عدد سكّانه، يقاسمونه كلّ شيء من لقمة العيش الى السكن، وصولاً الى التربية والتعليم والطبابة والمهن الخ. فبعد الثورات الشعبية على السياسيين، لا بدّ وأن يثور الشعب على كلّ الغرباء على أرضه، ويطلب منهم الرحيل، لأنّه لم يعد يستطيع أن يتحمّل تبعات الاستضافة التي تدوم لسنوات ولا تجرّ على البلاد سوى المزيد من المآسي والجرائم والضيقة المالية والاقتصادية.

وتساءلت الأوساط نفسها لماذا لا تستقبل الدول التي تريد “تثبيت” النازحين في لبنان من الولايات المتحدة، الى فرنسا، وصولاً الى الدول الخليجية عدداً كبيراً من النازحين السوريين في لبنان، بدلاً من وقوفها حائرة أمام كيفية توزيع 350 ألف نازح سوري من الحدود التركية على دول الاتحاد الأوروبي؟