IMLebanon

“سلام” يعيد ربط السياسة بالملفات الحياتية

tamam-salam

كتبت ريتا شرارة في صحيفة “المستقبل”:

لا يمكن القول، في أولى جلسات حوار 2015 في قاعة المؤتمرات في الطبقة الثالثة من مجلس النواب، أن الفشل عاجل المجتمعين الذين تحلقوا حول طاولة من الخشب تتوسطها باقة من الورود على شاكلة العلم اللبناني بأرزته الخضراء.

فصحيح أن الامين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر هو الذي تلا البيان عن المجتمعين، وأن هذا البيان مقتضب بكلماته الـ42 فقط، مما يطرح غير سؤال عن ماهية الجلسة وتغيب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن القاعة العامة، على جاري عادته عقب جلسات الحوار في العام 2006، الا أن الحقيقة قد تكون في أن الكتل النيابية المشاركة في الجلسة “آثرت” أن يصدر عنها بيان يفسر خلاصة الجلسة بعد الاجماع عليه، وأن لا يتلوه رئيس الجلسة حتى لا يتلون بطابعه السياسي مما يعني أنه باق على مسافة واحدة من الجميع.

بالامس، كان “انطلاق الحوار”، على ما حلا لبري أن يقوله عن الاجتماع، وفيه ترك للاطراف المشاركة كلها أن يقدم كل منها رؤيته في جدول الاعمال الذي اقترحه عليها في الذكرى الـ37 لتغييب الامام السيد موسى الصدر وهو، “حصراً”، على ما قال في حينه: “انتخابات رئاسة الجمهورية، وعمل مجلس النواب، وعمل مجلس الوزراء، وماهية قانون الانتخاب، وماهية قانون استعادة الجنسية، ومشروع اللامركزية الادارية ودعم الجيش اللبناني”.

واستهل الحوار، على ما قيل لـ”المستقبل”، بالنشيد الوطني، ثم كلمة موجزة لبري عن الطاولة التي قال انها “ليست جديدة انما مشابهة للتي سبقتها”، مؤكداً أنها “ستبقى في مكانها على أمل ألا نحتاج اليها في حوارات أخرى”، مضيفاً: “ولكن يمكن أن نحتاجها في اجتماعات وجلسات أخرى لأن هذه القاعة مجهزة وتساعد في اجتماعات أخرى بصيغ مختلفة”. ومن ثم اقتراح أن تبقى المداولات سرية فلا تتسرب الى الاعلام، تماماً كما فعل في حوار 2006 عندما اتفق المشاركون في الجلسة على عدم التسريب، وهو أمر لم يستطيعوا التزامه مما حدا وزير الاعلام يومها غازي العريضي الى أن يعترض في رابع أيام الحوار على التسريب، مطالباً بـ”تجديد التعهد بحفظ المداولات حتى لا نضطر الى التكذيب”. فاذا استطاع المتحاورون المحافظة على تعهدهم، أياماً قليلة، فانهم قرروا هذه المرة ألا يتعهدوا إبقاء الاعلام بعيداً عن أجواء محادثاتهم.

عليه، رسم مشاركون في الجلسة لـ”المستقبل” سيناريو الحوار كالآتي:

– لم تطرح أي كتلة من الكتل النيابية المشاركة في الجلسة أي جديد في الملفات المطروحة أو في تلك من خارج جدول الاعمال. فكل ما سيق فيها مطروح أساساً في الاعلام أو في منابر أخرى. وأصر بري على اعادة الحوار الى النقاط الواردة في الجدول في كل مرة انساب المتحاورون الى أمكنة غير متفق على مناقشتها من مثل سلاح المقاومة. وهنا، كانت مناقشة ثنائية بين رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد على خلفية المقاومة وجدواها وعدمها. وفي هذا السياق، لم يسمع الحاضرون من المتكلمين جديداً، انما “اعادة” طرح المواقف “المعروفة” نفسها من هذا الملف لدى تيار “المستقبل” و”حزب الله” على السواء.

– صحيح أن النفايات ليست بنداً في جدول الاعمال- وربما يكون مستغرباً أن تطرح على هذا النحو في أي حال من الاحوال- غير أنها احتلت الصدارة عندما قرر رئيس مجلس الوزراء تمام سلام وهو يدخل الى المجلس بمعية وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، أن يجس نبض الحاضرين مسبقاً، بالدعوة الى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء تبحث في ملف النفايات، آملاً “البناء على القرار الذي توصلت اليه اللجنة المولجة معالجته برئاسة الوزير أكرم شهيب، لنستطيع الدخول الى الحلول الفورية لتخليص البلد من النفايات، واراحة الناس واشاعة جو من الثقة في البلاد”. وأوضح أن “الدعوة مفتوحة للوزراء كلهم”، متمنياً على “الجميع المشاركة والمساهمة معنا في اعتماد الحلول المطلوبة لهذا الملف”. فكانت هذه المعضلة الحياتية والصحية التي لم تنفك تحرك الشارع حول ساحة النجمة تظاهرات وغضباً، البند الاول الذي تناوله الحاضرون انطلاقاً من كلام للرئيس سلام كرر فيه ما كان صرح به خارج قاعة المؤتمرات.

ففي الجلسة، تحدث سلام عن تردي الاوضاع الحياتية والاقتصادية وعن تأثيرها في السياسة مما ينعكس جموداً في عمل المؤسسات الدستورية وصعوبة في اتخاذ القرارات كمثل ما هو حاصل في ملف النفايات. وبعدما وافقه الجميع على قراءته، دعا المتحاورين الى المشاركة في الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء بغية الخروج من هذا المأزق مما حدا بعض المشاركين الى التوقف عند الترابط الاكيد والمستمر بين الملفين السياسي والاجتماعي. فهم استعادوا ما اقترحه سلام في أوقات سابقة بأن تترك السياسة خارج أبواب مجلس الوزراء الذي يتفرغ لادارة شؤون البلاد العامة فقط. فقالوا ان دعوة سلام الى مجلس وزراء من داخل طاولة للحوار مخصصة لمواكبة المسائل السياسية المعقدة يعني، بالتأكيد، أنه لا يمكن الفصل بين السياسة وتردي الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، وأن الفشل سينتج عن أي محاولة للفصل بينهما. وعن هذا الاقتراح، قيل لـ”المستقبل” ان الكتل النيابية أجمعت على ما كانت ساقته سابقاً من دون أي طروح جديدة، مما أوحى لها بامكان أن يقاطع التيار “الوطني الحر” وكتلة “الوفاء للمقاومة” جلسة الساعة الخامسة عصراً من جهة، وأن شبه الاجماع الذي حصل عليه سلام سيمكنه من المضي قدماً بقرارات عملية في الجلسة من جهة أخرى.

– وبعد النفايات، انتقل البحث الى البند الاول في جدول الاعمال أي رئاسة الجمهورية. وعلمت “المستقبل” أن المداخلات أجمعت، في غالبيتها، على ضرورة انتخاب رئيس “بعيداً من المصالح والانانيات”، وعلى أنه البند الاول الذي يحل الامور العالقة كلها، في وقت أعلن رعد أن “الوفاء للمقاومة” ترشح النائب ميشال عون للرئاسة الاولى: “ليس لدينا أحد غيره ولن نتبنى الاه”، قال للمؤتمرين، وذلك تزامناً مع الترشيح نفسه الذي أطلقه رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” ابراهيم امين السيد من بكركي بعد اجتماعه بالبطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي.

وهنا، انقسم المتحاورون بين من يؤيد اجراء انتخابات نيابية ومن يؤثر ارجاءها الى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وتالياً بين من يرى ضرورة سلوك طريق الدستور لاتمامها ومن يفتش عن آليات جديدة “يجب ابتداعها” لتحقيق هذه الغاية.