Site icon IMLebanon

تونس على وقع الاحتجاجات ضد قانون المصالحة الاقتصادي

Tunisian-Parliament
سارة ميرش/ وفاق بنكيران

دعت القوى المعارضة لمشروع قانون المصالحة الاقتصادي إلى مظاهرات واسعة السبت المقبل، لكن الداخلية التونسية رفضت منح التصريح بذلك بسبب ما وصفته ب “الوضع الأمني للبلاد”، فيما تزداد حدة الأصوات المطالبة بضرورة المحاسبة.

“لا لن أسامح”، شعار يرفعه متظاهرون أمام مبنى المسرح البلدي في تونس، وهم محاطون بقوات الأمن. ومنذ أن تقدمت الحكومة التونسية بمشروع قانون المصالحة الاقتصادي، تشهد العاصمة تظاهرات مناوئة لمشروع القانون،سريعا ما يقوم رجال الأمن بتفرقتها عبر استخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع، في إطار قانون الطوارئ الذي تم اعتماده بعد هجمات متحف باردو ومنتجع سوسة، والذي توظفه الدولة لملاحقة مناهضي قانون المصالحة.
المحاسبة قبل المصالحة هو المطلب الأساسي للمتظاهرين، ويقصد هنا محاسبة الفاسدين والمفسدين من بين الموظفين الحكوميين والقضاة ورجال الأعمال والمتهربين من الضرائب في عهد النظام السابق. بيد أن المصالحة التي دعا إليها رئيس الجمهورية باجي قايد السبسي تعكس النقيض تماما. فمشروع القانون يقضي بالسماح للعديد من رجال الأعمال المتهمين بالفساد بإعادة الأموال المنهوبة إضافة إلى خمسة بالمائة من قيمتها سنويا مقابل إسقاط جميع التهم عنهم وفتح أبواب الاستثمار أمامهم. ومن خلال هذا الإجراء، تهدف الدولة إلى إنعاش الاقتصاد التونسي الذي يعاني من عجز مالي كبير بالنظر إلى تقلص مواردها وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى حوالي 0.5 بالمائة وفقا لتوقعات العام الحالي، بينما أشارت بعض التصريحات الرسمية إلى إمكانية استرجاع خمسة مليارات يورو مجمدة في بنوك خارجية.

قوى معارضة

“هذا القانون هو خطوة إلى الوراء نحو نظام المافيا القديم”، تقول المتظاهرة شيماء. كذلك أحمد صديق النائب عن “الجبهة الشعبية” الذي التحق بصفوف المتظاهرين احتجاجا على ما أسماه ب”عودة الفاسدين”، ومحذرا من “عودة الحرس القديم ومن ضياع استحقاقات الثورة”. كما يشير صديق إلى ما يعتبره تناقضا بين القانون ومقتضيات الدستور.
من جهته يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل ذو النفوذ القوي في تونس مشروع القانون مؤكدا أنه يتعين محاسبة المتهمين بالفساد واحترام مسار العدالة الانتقالية.

ووفقا للدستور المعتمد منذ 2014، فإن هيئة الحقيقة والكرامة هي الجهة المسؤولة للنظر في قضايا الفساد المالية. لكن في عامها الأول، لم يصدر عن الهيئة أي إجراء فعلي، مع أنها استلمت آلاف الشكايات من المواطنين، ولم تحدد أي موعد لجلسة استماع علنية، كما سبق أن وعدت بذلك، كما لم تتقدم بطلب إلى القضاء للنظر في قضية ما. وتواجه هذه الهيئة عدة عراقيل خارجية وداخلية جعلت ستة من أعضائها الخمسة عشر يستقيلون أو أنهم أقيلوا من مهامهم ، احتجاجا على سياسية رئيستها سهام بن سدرين.

إجراء “غير دستوري”

سهام بن سدرين بدورها، تخشى سحب نصف الملفات المقدمة من هيئة الحقيقة والكرامة إن تمت المصادقة على مشروع المصالحة الاقتصادية. وتقول بن سدرين إن دور الهيئة “سيتحول حينها إلى حائط بكاء، يزوره الناس للشكوى فقط ثم يعودون إلى منازلهم”. وشددت بن سدرين في أكثر من مناسبة على عدم دستورية مشروع القرار، مؤكدة أن صلاحية “محاسبة” المتورطين في الفساد المالي وإجراء “مصالحة” معهم يجب أن تكون حسرا على لجنة “التحكيم والمصالحة” وهي إحدى لجان الهيئة. كما حذرت ملاحظة أن مشروع القانون الذي قدمه الرئيس التونسي “تطغى عليه الرغبة في تبييض الفساد، والعمل على الإفلات من العقاب، كما لا يضمن ذلك عدم تكرار جرائم الفساد، بل يشجع عليها”.
أيضا تنظر سلسبيل قبيلي، أستاذة القانون الدستوري بجامعة تونس، بريبة إلى مشروع القانون الذي “صيغ عن ممثلي الوزارات دون إشراك لجنة محايدة قادرة على النظر في القضايا الإقتصادية”. وحسب قبيلي فإنه من الضروري إعفاء هيئة الحقيقة والكرامة من النظر في القضايا الاقتصادية حتى يتم معالجتها بسرعة. وفي هذا الإطار تشدد قبيلي على “ضرورة معالجة الأمور حسب مقتضيات الحاجة العامة، حتى نتقدم إلى الأمام”.
بعد أن دعت القوى المعارضة لمشروع قانون المصالحة إلى تظاهرة كبرى على الصعيد الوطني يوم السبت القادم، رفضت الداخلية التونسية ترخيصها بسبب ما وصفته بالظروف الأمنية العصيبة التي تمر منها البلاد، ومحذرة في الوقت ذاته من خطورة أن يستغل الإرهابيون الاحتجاجات السلمية لتمرير الأسلحة، كما جاء على لسان المستشار المكلف بالشؤون القانونية والعلاقة مع الإعلام بوزارة الداخلية وليد الوقيني في تصريح لقناة نسمة التونسية يوم الاثنين الماضي. ويرجح المراقبون أن يحصل هذا القانون على مصادقة البرلمان بسهولة ، حيث يشكل حزب نداء تونس الحاكم غالبيته، وهو الحزب الذي توجه إليه اتهامات بضم رموز نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.