كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
4 أيّام فقط، وسيكون أحمد الأسير أمام هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة التي عقدت عشرات الجلسات من دونه. في السابق، كان هو «نجمها الغائب» الذي ظهر حينما دقّت ساعة صدور الأحكام بحق الموقوفين والمخلى سبيلهم في ملفّ أحداث عبرا.
توقّف الملفّ، وصارح رئيس «العسكريّة» العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم الحاضرين في الجلسة السابقة أنه لم يعد بيده حيلة للإسراع في الجلسات بعد إلقاء القبض على «الشخصيّة المحوريّة في هذه القضيّة».
الثلاثاء، ستخرج صورة الأسير من كونها حكراً على قضاة التحقيق العسكري والضباط في مخابرات الجيش والأمن العام الذين ألقوا القبض عليه أو حققوا معه. ولن تبقى أيضاً صورة ثابتة لرجلٍ متخفٍ يحمل حقيبة داخل مطار بيروت، وإنّما سيكون بإمكان كلّ من يتاح له الدخول إلى الجلسة، من هيئة «العسكريّة» والمحامين والصحافيين والمدعى عليهم في القضيّة، فرصة ذهبيّة للتمعّن بمعالم وجه الشيخ المتواري عن الأنظار منذ عامين.
وبرغم منع إدخال كاميرا أو هاتف أو مسجّل صوتي إلى داخل المحكمة، إلّا أنّ الحديث عن الصورة المنقولة من الداخل وكلّ كلمة ينطق بها الأسير ستكون هي الحدث بحدّ ذاته، إذ إنّ إمام «مسجد بلال بن رباح» السابق قرّر أن يتخلى عن البنطلون والـ «تي شيرت» اللذين اعتاد ارتداءهما منذ هروبه وحتى إلقاء القبض عليه، ليعود ويرتدي لباسه الشرعي بعد أن أبدى رغبته بذلك من دون أن تعارض المحكمة ذلك.
وبالتالي، لن يذهب شراء العباءات البيضاء الجديدة، التي بقيت معلّقة في خزانة مفتوحة الأبواب عند ردهة منزله في عبرا بعد فراره، سدىً. بل سيعمد «الشيخ» إلى ارتداء إحداها في جلسة الأسبوع المقبل بعد تفتيشها تفتيشاً دقيقاً من قبل القوى الأمنيّة داخل «العسكريّة».
سيحاول أحمد الأسير أن يظهر كما اعتاده تلامذته الذين يقفون اليوم خلف القضبان أو على المقاعد المخصّصة للمخلى سبيلهم، بعباءته وذقنه التي عاد ليرخيها ـ على قدر ما يسمح له الوقت ـ بعد عامين من التخفّي.
من هم محامو الأسير؟
ولأنّ صورة الأسير وكلامه المقتضب سيكونان الأبرز في هذه الجلسة، إلا أن ذلك لن يمنع أن تكون هويّة وكلاء الدفاع عنه هي على المستوى نفسه من الأهميّة. فعائلة الرجل المؤلفة من والده ووالدته وزوجته، استطاعوا توكيل ثلاثة محامين عنه بعد أن اجتمعوا بهم خلال الأيّام السابقة واتفقوا معهم على التفاصيل.
وعليه، سيحضر عنه أمام قوس المحكمة الثلاثاء: المحامي عبد البديع عاكوم، وهو كان مقرباً منه ومحاميه الأصيل منذ ما قبل أحداث عبرا، وسبق أن حضر معه جلسات الاستجواب الاستنطاقي عند قضاة التحقيق في «العسكريّة». وهو «الأستاذ» نفسه الذي كانت مرافعته عن أحد موقوفي عبرا في جلسة سابقة (قبل توقيف الأسير) أقرب إلى مرافعة عن نهج الأسير، حتى استوقفه العميد ابراهيم بالقول: «ألا تريد أن تترافع عن موكّلك؟».
وإذا كانت وكالة المحامي الثاني محمّد صبلوح أمين سر «اتحاد الحقوقيين المسلمين» والمتابع لقضايا الموقوفين الإسلاميين (فتح الإسلام) منذ العام 2007 وعضو لجنة المحامين عنهم، والمقرّب من «الجماعة الإسلاميّة»، متوقّعة نوعاً ما، فإنّ المستغرب هو هويّة المحامي الثالث.
يبدو واضحاً أنّ عائلة «الشيخ» أو المقربين منه يحاولون الضرب بحجر واحد أكثر من عصفور بتوكيل أنطوان نعمة، الذي سيرأس بنفسه هيئة الدفاع عن الموقوف.
ولا تخفي مصادر الدفاع عن الأسير أن أهميّة توكيل نعمة، تأتي من كونه «مسيحياً، إذ إننا نريد تكوين قوّة دفاعية ومحامين عن الأسير من كلّ الطوائف، إلا أن هذا لا يلغي أن نعمة توكّل عن الملّف عن قناعة ومبدأ!».
وعن سبب عدم ترؤس عاكوم لهيئة الدفاع باعتباره محامي الأسير منذ سنوات والمطلّع على إفاداته الاستنطاقيّة بصورة مباشرة، تلفت المصادر الانتباه إلى أنّ «نعمة أكبر منّا سناً وأقدم منّا!».
ولكن كيف ستكون جلسة الثلاثاء؟
من المرجّح أنّ تفتح أبواب قاعة المحاكمات متأخرة عن عادتها، وذلك بسبب الإجراءات الأمنيّة المشدّدة، بحيث سيتمّ استدعاء عدد أكبر من ضباط وعسكريي الشرطة العسكريّة إلى داخل القاعة، على أن تتعزز هذه الإجراءات بعدد كبير أيضاً من العسكريين داخل المحكمة وخارجها قبل سوق الموقوفين وأثناء انعقاد الجلسة.
وستكون العيون الأمنيّة مفتوحة جيداً على الأسير وزميله نعيم عباس (المدعى عليه في أحداث عبرا)، الذي عادة ما يجلس على مقعد يقع في طرف منتصف القاعة محاطاً طوال الجلسة بضباط وأكثر من عشرين عسكرياً مخصصين لمراقبته.
وعلى جاري العادة، لن تغيب الابتسامة عن وجه «الإرهابي المهرّج»، وربّما لن يتردّد برمي السلام على الأسير إذا ما تقابلا للحظة داخل القاعة أو يكاد ـ لو تسنح له الفرصة ـ يردد: «نحن السابقون وأنتم اللاحقون» بابتسامته الساخرة.
ولن يدخل المحامون والصحافيون إلى داخل القاعة، إلّا بعد أن يأخذ الأسير وعباس المكانين المخصّصين لهما محاطين بالضباط والعسكريين وبعيدين نسبياً عن المدعى عليهم الآخرين: بعض الموقوفين في القفص وبعضهم الآخر على المقاعد الأماميّة، أما المخلى سبيلهم فيجلسون على يسارهم.
ثم ستدخل هيئة المحكمة المؤلفة من رئيسها العميد ابراهيم والنيابة العامة ممثلة بالقاضي هاني الحجّار (الحاضر الدائم في جلسات عبرا) والقاضي المدني والضباط الآخرين، على أن يليهم المحامون والصحافيون.
الجلسة إلى التأجيل المحتّم
وكالعادة، سيتلو ابراهيم أسماء المدعى عليهم ثم المحامين الحاضرين عنهم، ليستدعي بعد ذلك «المدعى عليه الملك» في هذه القضيّة. سيقف الأسير على المنصة أمام قوس المحكمة وإلى يمينه سيقف وكلاء الدفاع عنه.
وبعد الأسئلة الروتينيّة، لن يكون أمام الأسير الكثير من الوقت، إذ من المؤكّد أنّ الجلسة ستسير نحو التأجيل المحتم، على اعتبار أنّ وكلاء الدفاع عنه وعن المدعى عليهم الآخرين سيطلبون من الرئاسة الاستمهال للإطلاع على الملف.
وعن سبب هذا التأجيل، وبرغم كون الملف قيد المحاكمة أمام هيئة «العسكريّة» وكان قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء، إلا أنّه في معرض إفادته الاستنطاقية عند مخابرات الجيش والأغنى منها في أول أيّام توقيفه عند الأمن العام، تطرّق الأسير إلى الكثير من التفاصيل عمّا حصل قبيل وأثناء اندلاع أحداث عبرا.
وبالتالي، كان من الضروري ضمّ إفاداته في هذا الشأن إلى الملفّ الذي بات يبلغ عدد صفحاته حوالي الـ1700 (ملفّ عبرا حصراً)، ممّا كان صعباً على وكلاء الدفاع عنه الإطلاع عليه وتمحيصه خلال مدّة لا تتعدّى الأسبوعين. ولذلك سيقوم العميد ابراهيم بتأجيلها إلى أمد ليس ببعيد مع مراعاة أمر الاطلاع على الملفّ الضخم.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن وكلاء الدفاع عن المدعى عليهم الآخرين سيطلبون أيضاً الإطلاع على إفاداته، لمعرفة ما إذا كان قد تحدّث عن أدوار أي من المدعى عليهم الآخرين ومصيرهم، خصوصاً أن المعلومات تؤكّد أن الأسير اعترف بأدوار أساسيّة لثلاثة أشخاص من المدعى عليهم ولم تكن معروفة من ذي قبل.
ويتخوّف بعض المتابعين من أن يقوم بعض المخلى سبيلهم من التغيب عن الجلسات اللاحقة، بسبب خشيتهم بأن يكون «شيخهم» قد أقرّ بأي دور لهم. وبرغم ذلك، فإن هؤلاء لن يستطيعوا إيقاف المحاكمة على اعتبار أن رئيس المحكمة سيعمد إلى محاكمتهم غيابياً.
هل تخرج الجلسة عن هدوئها؟
لا يعرف حتى اليوم ما إذا كان الأسير بوارد النطق بأي حرف خارج الأسئلة الروتينية. ومع ذلك، يخشى الأمنيون في «العسكريّة» أي «دعسة ناقصة»، لا سيّما أن القاعة ستعجّ بالحاضرين من محامين وصحافيين يتعدّون الـ50 شخصاً. ويتخوّفون من إحداث أي أعمال شغب أثناء الجلسة، خصوصاً من أولئك المخلى سبيلهم المرتاحين على وضعهم أكثر من غيرهم.
يتخيّل الأمنيون ماذا سيحصل لو ردّد أحد المدعى عليهم اثناء مثول الأسير أمام الهيئة، كلمة «الله أكبر» ليتبعه العديد من زملائه؟ وكيف سيكون الوضع لو حاول العسكريون إعادة الهدوء إلى الجلسة؟ وهل سيحصل تدافع أو أكثر من ذلك أثناء الجلسة، لا سيّما أن عدد المدعى عليهم الذي سيكون خارج القضبان يتعدى الـ40 مدعى عليه من أصل حوالي 65 مدعى عليهم يحضرون، ما عدا الفارين من وجه العدالة والذين أضحوا أقلّ من 15 شخصا.
كلّ هذه الأسئلة يضعها الأمنيون في حساباتهم، مؤكدين اطمئنانهم لما سيحدث، لا سيّما في ظلّ قرار حازم من العميد ابراهيم بالسيطرة على الوضع والتحضير للجلسة بتفاصيلها ومن ألفها إلى يائها ككيفيّة دخول وخروج المحامين والصحافيين والمخلى سبيلهم وسوق الموقوفين صباحاً وأمكنة الجلوس وعملية التفتيش الدقيقة، لمنع أي شائبة.