خرجت أزمة مستشفى البترون الى العلن، مع اقتراب موعد انفصالها عن “حضن” الضمان الإجتماعي الى رحاب “اللا إدارة”. فبعد مرور نحو 44 عاماً على إدارة الضمان لها، قرر الأخير التوقف عن ممارسة دور المُشغّل للمستشفى المذكور وعدم تمديد العقد الذي يربطه به.
مستشفى إميل بيطار أو ما يُعرف بمستشفى البترون، استثمره الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي من وزارة الصحة العامة في العام 1971، وأراده نموذجاً يعمّم على كل المناطق اللبنانية في تلك المرحلة. وبالرغم من أن المستشفى لم يحظ يوماً باستقرار مالي، فقد عمد الضمان الإجتماعي الى تمديد العقد معه في العام 2000 ولمدة 15 عاماً تنتهي نهاية العام الجاري.
ومع قرب انتهاء مدة العقد المُبرم بين مستشفى البترون والضمان الإجتماعي، قرّر الأخير فسخه نهائياً وعدم تجديده، داعياً وزارة الصحة العامة الى استعادته، إلا أن صمت الوزارة حتى اللحظة وإصرار إدارة الضمان على عدم تجديد العقد، أحاطا مصير المستشفى بضبابية لم ينج منها العاملون فيه، الذين لا يقل عددهم عن 230 شخصاً ينقسمون بين 160 موظفاً و70 طبيباً.
غياب الموقف الرسمي للوزارة لا يعني ترك الأمور على سجيّتها، فالوزير أبو فاعور بحسب مستشاره ياسر ذبيان، تقدّم الى مجلس الوزراء بطلب إصدار مرسوم يجيز للوزارة استرجاع إدارة المستشفى وتشغيله بعد انتهاء عقد الضمان، أي مطلع العام المقبل، ويؤكد ذبيان لـ “المدن” بأن “الوزارة لن تترك المستشفى يواجه الإغلاق مهما كلّف الأمر”. لكن السؤال يبقى حول مصير المستشفى في حال لم يتمكن مجلس الوزراء من إصدار المرسوم قبل نهاية العام الجاري، وهو احتمال وارد نظراً الى عرقلة كافة القرارات بسبب الأزمة السياسية الراهنة.
إدارة المستشفى والعاملون فيه يعلمون أن للضمان الحق في تجديد العقد أو فسخه لكنهم يعترضون على قرار الفسخ إنطلاقاً من مخاوف بعدم إقدام أي جهة أخرى على تشغيل المستشفى وبالتالي أن يكون مصيره التوقف بالكامل. تلك المخاوف دفعتهم الى الإعتصام اليوم في باحة المستشفى رافعين عبارة “لا” باللون الأحمر فوق لافتة حملت نص “طلب فسخ العقد” الذي تسلموه من إدارة صندوق الضمان الاجتماعي، كما رفعوا لافتة كُتب عليها “حقنا في الإستمرارية مقدس، لن نسمح لأحد بانتزاعه”.
اعتراض العاملين في المستشفى لاقى تأييد العديد من الفاعليات السياسية لاسيما البترونية منها، باعتبار أن المستشفى حاجة وضرورة في المنطقة، لكن التصويب باتجاه الضمان الإجتماعي انحصر بنقابة عمال ومستخدمي المستشفى، ولم ينسحب على مواقف السياسيين ومن بينهم وزير العمل سجعان قزي، الذي دعا وزارة الصحة العامة الى إعادة المستشفى الى كنفها والحفاظ على استمراريته.
أما المعتصمون اليوم في باحة المستشفى فقد أصروا على رفضهم قرار الضمان فسخ العقد، في محاولة منهم، بحسب ما قاله مصدر مطلع لـ”المدن”، لممارسة ضغوط على إدارة الضمان في سبيل تجديد العقد واسترجاع المستشفى تفادياً لاحتمال إقدام وزارة الصحة العامة على تلزيمه لشركة خاصة، وهو ما يشكّل الهاجس الأكبر لديهم. وفي حال قررت الوزارة إدارته كمستشفى حكومي فلن يكون حاله أفضل من حال بقية المستشفيات الحكومية.
ومهما كان مصير إدارة المستشفى فإن مبررات هواجس العاملين تنتفي عند الحديث عن تطبيق المادة 60 من قانون العمل، والتي تنص على انه “اذا طرأ تغيير في حالة رب العمل من الوجهة القانونية بسبب ارث او بيع او إرغام او ما الى ذلك في شكل المؤسسة او تحويلها الى شركة فإن جميع عقود العمل التي تكون جارية يوم حدوث التغيير تبقى قائمة بين رب العمل الجديد وأجراء المؤسسة”. هذا ما طمأن به المدير العام للضمان الإجتماعي الدكتور محمد كركي كوادر المستشفى. وقد اختصر في حديثه إلى “المدن” قرار الضمان فسخ العقد مع المستشفى بعبارة “نحن نطبق القانون لا أكثر”.
فعقد الإستثمار الذي يربط الضمان بالمستشفى ينتهي في 31-12-2015، “ولن يتم تجديده” وبحسب كركي، فإن الضمان غير مؤهل، وغير مخصّص لإدارة المستشفيات، عازياً سبب توليه إدارة المستشفى عام 1971 الى غياب المستشفيات الحكومية آنذاك، “أما اليوم فمن غير الجائز استمرار الضمان بتكبد الخسائر في المستشفى على حساب حقوق المضمونين الذين يشكلون أولوية بالنسبة الى عمل الضمان”.