اعتاد اللبنانيون على غبار الرياح الخماسينية، خصوصاً في فصل الربيع، لكن العاصفة الرملية التي تضرب لبنان منذ الإثنين الماضي، لم يعرف اللبنانيون مثيلاً لها منذ وقت طويل، خصوصاً أن كمية الغبار في الهواء، أثرت على الحركة الاقتصادية عموماً وعلى الزراعة خصوصاً، فضلاً عن تأثيراتها الصحية. الحرارة المرتفعة والرمال المنتشرة بكثافة في الهواء أثرتا سلباً على بعض القطاعات السياحية، كالمسابح والاستراحات الشعبية في أكثر من منطقة، على امتداد الشاطىء اللبناني. ففي شاطىء صور الرملي المعروف بحركة رواده الكثيفة على مدار فصل الصيف، كانت الحركة خلال اليومين الأولين للعاصفة معدومة. “لم يدخل أحد الى الاستراحات”، وفق ما يؤكده غسان حدرج صاحب استراحة “ميرامايا” على شاطىء صور. ويشير حدرج في حديث لـ”المدن”، إلى أنّ “المشكلة ليست في عدم ارتياد الناس للبحر فحسب، بل هي أساساً بالكلفة التي تترتب علينا جراء غسل الطاولات والكراسي وترتيب المكان وتنظيفه من الرمال المتكدسة”. ويرجّح حدرج عودة النشاط تدريجياً مع بداية يوم الغد، نظراً لإنحسار العاصفة الرملية. الرمال التي غطّت مجال الرؤية وفاق تأثيرها تأثير الضباب، تخطت معايير منظمة الصحة العالمية، فإبتداء من بعد ظهر يوم الأحد 6/9/2015 وصولاً الى صباح الثلاثاء الماضي، شهدَ الجو “أعلى نسبة تركيز للجزئيات التي يكون قطرها 10 ميكروميترات أو أصغر مئة ضعف من النسب الموصى بها عالمياً”، وفق ما أوردته الشبكة الوطنية لمراقبة نوعية الهواء. وفي بيروت تحديداً، كانت نسبة تركيز هذه الجزئيات “20 ضعفاً للنسب الموصى بها عالمياً”. النسب “المخيفة” التي عرضتها الشبكة، انعكست سلباً على المزارعين، اذ يشير رئيس جمعية المزارعين انطوان حويك لـ “المدن” الى ان الغبار والهواء “يؤثران على الاشجار والثمار، فقد تحترق الاوراق وتفسد الثمار نتيجة تغطية الغبار لمساماتها، وبالتالي تنقطع عملية التنفس لدى الشجرة”. ويعتبر حويك انه في الإمكان تجاوز تأثيرات هذه العاصفة “في حال هطول الامطار مباشرة بعدها، إذ لا امكانية لأصحاب البساتين الكبيرة على غسل الاشجار بالمياه”. أما التعويضات في حال الخسائر، فيضعها حويك في خانة وعود التعويضات السابقة، قائلاً: “لما كان في دولة ما حدا عوّض، اليوم مع غياب المؤسسات الرسمية والتعطيل، ما حدا بيعوّض”. من جهته، يقلّل رئيس الغرفة الدولية للملاحة في مرفأ بيروت ايلي زكور، من خطورة هذه العاصفة على حركة الملاحة، “لأن العاصفة تضرب البر وليس البحر، فلا تأثير على التيارات البحرية وحركة الأمواج”. لكنه في المقابل، يلفت النظر لـ”المدن” الى ان “التأثيرات السلبية تنعكس على حركة تحميل وتنزيل البضائع لأن العمال سيتأثرون لجهة الرؤية والتنفس.. وما الى ذلك”. وتجدر الاشارة – بحسب زكور – الى ان “مرفأ مصر مثلاً، تأثر بهذه العاصفة نظراً لوقوعه في بيئة صحراوية، بينما ما نمر به نحن هو حالة استثنائية لا اكثر، والعاصفة لم تضرب مرفأ بيروت، على عكس مرفأ مصر”. في المقابل، لم تكن التأثيرات الصحية للعاصفة أقل منها على القطاعات الإفتصادية، فبحسب وزارة الصحة، تم تسجيل أكثر من 2660 اصابة بحالات اختناق، اضافة الى وفاة 3 اشخاص. وقد شهدت بعض الشوارع حالات إغماء وسقوط بعض المارة أرضاً، مما شكّل حالة ضياع بين الناس جرّاء عدم معرفة آليات التعامل مع هذه الحالات. إذ يقول شوقي، وهو أحد المواطنين في منطقة البسطة، لـ”المدن” إن “الشارع الممتد من البسطة التحتا الى بشارة الخوري، شهد حالاتي إغماء في يوم واحد، اذ سقطت سيدتان أرضاً، وقد تم إسعاف سيدة عبر ادخالها إلى أحد المحلات المبرّدة وإنعاشها، في حين تم استدعاء الصليب الاحمر لنقل السيدة الاخرى”. العاصفة الرملية غطّت أجواء لبنان، لكنّها كشفت عن غياب استعدادات الوزارات المعنية لمثل هذه الظروف المناخية. وهذا ما اعتاده اللبنانيون إذ كل عام ترتفع صرخة المتضررين من الفيضانات والعواصف، لكن من دون أن يسمعها أحد من المسؤولين، فلا الوزارات لديها خطة طوارىء، ولا التعويضات تسلك طريقها الصحيح.