كتب رضوان عقيل في صحيفة “النهار”:
أظهرت الجلسة الاولى من الحوار بين رؤساء الكتل وممثلي الطوائف في ساحة النجمة انها اشبه بربط نزاع مفتوح الى حين التوصل الى تسوية ما، لعدم تمكنهم، اقله في القريب العاجل، من معالجة البند الاول على جدول الأعمال وهو انتخاب رئيس للجمهورية. ويعرف رئيس مجلس النواب نبيه بري صعوبة خوض السباق في مباراة الرئاسة والوصول الى خواتيم الانتخاب، وقت لن ينقطع عن المحاولة في الجلسة الثانية الاربعاء المقبل حتى لو انعقدت عشرات الجلسات لهذا الهدف الذي يجمع عليه المتحاورون وان من منطلقات مختلفة. ولم تؤشر مداخلات الجلسة الاولى الى حصول خروق في “صخرة الانتخابات الرئاسية” اذ بقي كل فريق على رأيه. وبعد الادلاء بالمواقف المعروفة من الاستحقاق، يلاحظ ان رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط كان من اكثر المشاركين صراحة في قول كلمته حيال هذا الملف الشائك. فهو لم يتوان عن الاعلان في الجلسة الاخيرة ان لا مؤشرات في الافق توحي باجراء الانتخابات في هذا التوقيت. واطلق على طريقته البرقية والمختصرة جملة من نوع “في انتظار اشارة الاصبع من الخارج لاتمام هذا الاستحقاق”. ولا يمنع موقفه هذا من اندفاعه نحو الحوار والاستمرار بهذه التجربة مرة اخرى تحت مظلة بري الذي لا يقصر في مجالسه عن الاشادة بصديقه القديم ووصفه بـ “الزعيم الحقيقي”. ولا يقصر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في إغداق المديح على بري وسط سعيهما مع الآخرين لانتخاب رئيس الجمهورية.
وعلى رغم المناخات التفاؤلية التي يبثها الرجلان، يتلخص لسان حال جنبلاط على الشكل الاتي:” لا تتعبوا انفسكم، ملف الرئاسة ليس عندنا”.
وبعد اعلان “تيار المستقبل” الذي يملك اكبر كتلة في البرلمان تشديده في الدرجة الاولى على انتخاب رئيس للبلاد ورفضه التوجه الى اجراء الانتخابات النيابية، فضلاً عن عدم سيره بانتخاب رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون، تبقى اللوحة الرئاسية عند “التيار الازرق” على حالها. وردد الرئيس فؤاد السنيورة اكثر من مرة ان فريقه لا يريد عون رئيساً ولا حتى ايصال صهره العميد شامل روكز إلى رأس قيادة الجيش.
وفي ظل هذه المراوحة التيِ يعيشها الافرقاء، يعمل عون على اجتراح حلول للخروج من المأزق، اذا لم يتم التوصل الى قانون انتخاب لاطلاق مجلس جديد يختار الرئيس المقبل، ظناً منه انه سيحقق نتائج افضل في الشارع المسيحي ويرفع عدد نوابه ليثبت مرة اخرى انه الزعيم الاول في الشارع المسيحي. وعند انسداد تطبيق طرحه يعود الى الدعوة لاجراء الانتخابات الرئاسية من الشعب مباشرة، وهذا ما كرره على طاولة الحوار، وفي حال حصول هذا التعديل الدستوري، يكون بحسب كثير من اللبنانيين قمة التطوير للنظام السياسي الذي يسمح لهم بانتخاب رئيسهم بدل ترك مهمة اختيار الاسم واسقاطه من الخارج على رؤوسهم على الطريقة المعمول بها من العام 1943 الى انتخاب الرئيس ميشال سليمان بعد مؤتمر الدوحة.
ويبقى سيناريو انتخاب الرئيس من الشعب دونه عقبات وبعيداً من التحقيق لاعتبارات طائفية حتى لو تم الابقاء على الصلاحيات نفسها التي يملكها رئيسا مجلس النواب والحكومة. ويعتقد مراقبون ان التبديل في قاعدة الانتخاب وتغييرها لن يجريا بهذه السهولة لعدم توافر “معطيات انقلابية” في موازين القوى المحلية تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية من الشعب مباشرة وسحب هذه المهمة من ممثليهم في الندوة البرلمانية، التي تحتاج في حال تطبيقها الى “مساعدة من صديق في الخارج”، لانها تغير وجه الطائف والدستور.
وثمة ملاحظات وتساؤلات تطرح على عون في حال تحقيق خياره: هل يصل الى سدة الرئاسة اذا تم السير في تعديل طريقة الانتخاب، ولا سيما انه طلب في البداية حصر الانتخابات بين الناخبين المسيحيين للمفاضلة بين من يحتل المرتبتين الاولى والثانية تمهيدا لمشاركة سائر اللبنانيين في الدورة الثانية وحصرها بمرشحين؟ ويظهر هنا ان الناخب المسلم تحول درجة ثانية في هذه العملية، إلا انه عاد وتراجع عن هذه النقطة وطالب باشراك الجميع في الانتخابات بدءاً من الدورة الاولى.
وفي المقابل ثمة من يطرح على عون اسئلة مثل:
– هل ينجح في الرئاسة من الشعب؟
– هل يضمن الحصول على النسبة الاكبر من اصوات المسيحيين، لأن منافسيه، على اختلاف مشاربهم، سيتجمعون ضده منعا لتحقيق حلمه وايصاله بهذه الطريقة الى القصر الجمهوري.
– من يضمن لعون انه سيحصل على النسبة الساحقة من اصوات الطائفة الشيعية على رغم تحالفه مع “حزب الله” في ظل العلاقات الفاترة بينه وبين حركة “أمل”؟
– يعرف عون جيداً ان الشريحة الكبرى من ابناء الطائفة السنية لن تمنحه اصواتها، لأن ممثلها الاول “تيار المستقبل” باق على موقفه المعروف من عون، والامر نفسه ينسحب على الطائفة الدرزية التي يمثل جنبلاط اكثريتها.
ولا تمنع هذه الاسئلة عون من الاستمرار في طرح السيناريو الانتخابي الشعبي الذي لا ينفك عن تقديمه، لان الانتخابات في اكثر بلدان العالم اذا كانت من الشعب لا تحسم من الدورة الاولى، بل تنحصر بمن يحتل المركزين الاول والثاني ليتأهلا للدورة الثانية، الامر الذي يكفل لعون الوصول اليها بحسب المعطيات الموجودة لديه.
مرة اخرى يعود قرار الحسم في لبنان الى تأثيرات مناخات الخارج والعواصم التي ترسم سياساته في المحطات الفاصلة من الاستقلال الى اليوم.