كتب محمد نمر في صحيفة “النهار”:
“أيلول طرفه بالشتي مبلول” ومصلحة الأرصاد الجوية تتوقع سقوط أمطار غزيرة نهاية هذا الشهر، ولا تزال النفايات مكدسة في مكبات عشوائية تنتظر تنفيذ خطة وزير الزراعة أكرم شهيب التي بدأ استهدافها قبل كشف تفاصيلها، خصوصاً في الناعمة حيث رفض الأهالي فتح المطمر “ساعة واحدة”، بعدما تقرر تدارك الأزمة قبل سقوط الأمطار بفتح المطمر سبعة ايام تنقل إليها نفايات بيروت المكدسة منذ 17 تموز الماضي أي أكثر من 120 ألف طن.
ولا تزال الأسئلة تتوالى عن الخطة، هل هناك من أراد ولادتها ميتة، خصوصاً أن أهالي عكار ومجدل عنجر اعترضوا على اقامة المطامر، وجهات سياسية كـ”التيار الوطني الحر” اعترضت على الخطة، فكيف سيكون حال جمهوريتنا اذا سقطت الأمطار الغزيرة على النفايات المكدسة؟
وزارة الأشغال تستعد
بالطبع “غول” الأمطار ليس حجة للذهاب نحو حلول ناقصة، فهناك واجب على الوزارات المعنية القيام به، ومنها وزارة الاشغال، فالمتوقع أن يدق وزير الاشغال غازي زعيتر ناقوس الخطر في مؤتمر صحافي يعقده ظهر الاثنين المقبل في الوزارة، وقد يتزامن مع سقوط أمطار خفيفة موحلة غير مؤثرة ولا تُحسب ضمن ميزان المتساقطات، وهي أشبه بـ”بخات”. ويوضح المهندس في موقع الأرصاد الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي عبد الرحمن زواوي لـ”النهار” أنه “في حال تدنت درجات الحرارة الاثنين، فهناك احتمال سقوط أمطار خفيفة موحلة لا تحسب عادة”، لافتاً إلى أن “إمكان سقوط أمطار غزيرة خلال الايام العشرة الأخيرة من أيلول، ولكن إلى الآن لم نلمس ذلك في انتظار الاسبوع المقبل”، وحذّر “سائقي السيارات من الانزلاق جراء أمطار الاثنين، لأن الطرق ستكون موحلة”، متوقعاً ألا تؤدي “أمطار الاثنين إلى جرف النفايات، بل ستلونها بالوحول والتراب”. إذاً، لا يزال امامنا اسبوعان حداً أقصى لتدارك أزمة النفايات قبل حصول الكوارث البيئية أو الفيضانات كالتي شهدنا في السنوات السابقة، وبناء على ذلك يحضّر زعيتر ملفه وسيدعو الشركات والادارات المعنية في الملف إلى المؤتمر، ويقول لـ”النهار”: “أواجه مشكلة حقيقية في موضوع النفايات وسأبحث آلية معالجتها، ولن أتخلى عن أي مسؤولية أو مساعدة في ذلك، لكن البلديات والمواطنين يرمون النفايات ويكدسونها على الطرق والأقنية وأنا مسؤول عن تنظيفها، وسأتابع وأراقب عمل الشركات الملزمة بمهمة تنظيف هذه المواقع”.
أين نذهب بالنفايات؟
ويكشف أن الشركات راجعته بهذا الشأن، “وقالت لي إنها مستعدة لإزالة النفايات من الأقنية وستعتبرها من الاوساخ التي تتراكم في المواقع الملتزمة تنظيفها، لكن سؤالها كان: أين نذهب بهذه النفايات؟”، وبالنسبة إلى زعيتر “هنا المشكلة الحقيقية”. ويقول: “النفايات ليست من مسؤوليتي ومن المفترض كحكومة أن نعالج الأمر، ومن واجبات كل الوزارات المعنية أن تتعاون بعضها مع بعض”.
سألنا الوزير هل سيغرق نفق المطار هذه السنة؟ يجيب: “هذه السنة هناك اجراءات متخذة للنفق وكلنا نعرف اسباب المشاكل السابقة”. ويضيف: “والأقنية المائية وغيرها نعمل باستمرار لفتحها وتنظيفها وليس موسمياً”.
عواقب نهر الغدير
وأكثر ما نبه إليه زعيتر حال نهر الغدير في حي السلم، الذي فاض سابقاً ووصلت مياهه إلى المنازل. يقول: “سأطرح كل الملفات على الطاولة الاثنين، بما فيها ملف نهر الغدير، حيث يمد مجلس الانماء والاعمار قساطل للصرف الصحي تمنعنا من تنظيف النهر وتعرقل عمل المتعهد. هذا النهر يتطلب معالجة جذرية”، منبهاً إلى أن “تراكم النفايات هناك تسبب بمشكلة كبيرة ولا بد أن تأخذ الحكومة قرارها بمعالجة الأزمات هذه بالتنسيق مع الوزارات والادارات المعنية”.
ماذا لو أمطرت بغزارة؟
وماذا إذا وقعت الواقعة وشهدنا أمطاراً غزيرة قبل ازالة النفايات؟ سؤال طرحناه على مدير أبحاث تغيّر المناخ والبيئة في البلدان العربيّة في “مؤسسة عصام فارس” الدكتور نديم فرج الله فلفت إلى أن “جبال النفايات ليست رطبة أو مبللة، وإذا سقطت عليها المياه فسيزيد ثقلها وبالتالي ستنجرف إلى الطرق أو مجاري المياه أو تتوسع مساحتها، وآثارها مزعجة على المواطنين”.
أما إذا كانت الأمطار غزيرة وكانت النفايات مكدسة في مجرى مياه، فإن ذلك وفق فرج الله سيؤدي إلى جرف النفايات نحو البحر، ويضيف: “سيتلوث البحر وتطوف على وجهه النفايات وسيصعب جمعها”. وستكون الاسماك والثروة البحرية الأكثر تضرراً، ويشير فرج الله إلى أن “السلاحف ستأتي إلى الشاطئ للإباضة وإذا كانت امامها أكياس بلاستيك فستظنها طعاماً وستخنقها، كذلك الامر بالنسبة إلى الدلافين والاسماك، أما النفايات العضوية فستأكلها وليس من أي ضرر عليها”.
ووصول النفايات إلى البحر سيجهزها لرحلات مع التيار البحري، ويوضح فرج الله أن “غالبية بلدان الجوار تتذمر من وصول نفاياتنا إلى شواطئها، فالتيار سيدفع النفايات نحو محمية جزر النخيل البيئية وشواطئ سوريا وتركيا وقد تصل إلى اليونان، فضلاً عن تلوث شواطئنا”.
تلوث التربة والمياه الجوفية
أما من ناحية الأضرار الكيميائية والبيولوجية، فيشير إلى أن “بقاء النفايات مكانها مدة طويلة من دون معالجة يعني تحللها، التحلل تزداد سرعته اذا كانت النفايات مكشوفة ومعرضة للهواء اما إذا كانت مكبّسة فسيكون بطيئاً. وبالتالي سنشهد خروج رواسبها المائية (الزوم)، وفي ظل الامطار الغزيرة ستصل هذه المياه إلى البحر، فإذا كانت النفايات عضوية ستؤدي مياهها الوسخة إلى تخفيف كمية الاوكسجين في المياه وبالتالي ابتعاد الاسماك عن شواطئنا، أما إذا كانت النفايات تحوي بطاريات وحديداً فإن مياهها ستتحول مواد مسرطنة، ولكن ليس على المدى القريب بل بعد أشهر وسنوات”.
المياه الجوفية لن تتأثر بسرعة، فمياه النفايات ورواسبها ستصل إلى التربة أولاً وتلوثها، ويقول فرج الله: “النفايات الموجودة على أطراف الوديان والجبال ستمر سنوات ربما قبل وصول “زومها” إلى المياه الجوفية لكن ستلوث التربة في محيطها، خصوصاً في ظل وجود المبيدات على النفايات المكدسة”، وفرج الله متفائل في شأن النفايات الطبية الخاصة بالمستشفيات ويقول: “أعتقد أنها تضبط امورها، لكن إذا كانت ترمي نفاياتنا مع المواطنين وفي المكبات العشوائية فالله ينجينا”.