Site icon IMLebanon

فوز باسيل السهل برئاسة “التيار”… آخر “الهدايا المجانية”!

gebran bassil 7

رغم ان وزير الخارجية جبران باسيل سيصبح رسمياً في العشرين من سبتمبر رئيسا لـ “التيار الوطني الحر”، الا ان التظاهرة الأخيرة التي قام بها التيار في 4 الجاري في “ساحة الشهداء” فرضت مراجعة لوضعه الذي انطلق في التسعينات بعد خروج العماد ميشال عون الى المنفى في باريس، قبل ان يتحوّل بعد نحو عقدين ونصف الى حزب سياسي برئيس شبه معين هو باسيل، وبرئيس فخري هو عون.

ومما لا شك فيه ان انطلاقة التيار بـ “وجهه الباسيلي” الجديد من “ساحة الشهداء” طرح اطاراً جديداً للتيار على قاعدة ان مجموعة من الكوادر الشبابية التي أعدّت للتظاهرة الحاشدة، عملت بإمرة باسيل (صهر عون) وبرعايته ومتابعته الدقيقة من أجل إنجاح الحشد الشعبي. وهو بحسب المنظمين استمرّ على تواصل هاتفي ومباشر معهم من الرابية (حيث دارة عون) ومن وزارة الخارجية لمتابعة كل التحضيرات التي سبقت يوم الجمعة.

خرج باسيل من معركة حامية على رئاسة “التيار” ولو لم تجرِ الانتخابات، بأرباح أهمها منصب الرئاسة، لكنه خرج ايضاً بخسائر داخلية. فهو أدرك بجولاته الانتخابية على مدى أشهر وبالاستطلاعات التي جرت تَزامُناً مع تسلّمه الرئاسة، ان وضعه الداخلي لا يزال متعثراً وانه يحتاج الى جهد مضاعف بعد فوزه بالرئاسة من اجل لملمة القواعد التي لم تسترح الى رئاسته بالتزكية بدل إجراء الانتخابات في تيارٍ يدعو في كل أدبياته الى إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية.

ولهذا السبب كان باسيل أمام تحدٍ أساسي بإثبات قدرته على الحشد العوني ولكن بتوجيهاته هو، في حين كان “التيار” امام تحد من نوع آخر وهو “مواجهة” التظاهرة الشعبية التي أقامتها المجموعات الشعبية ضد الفساد والتي حشدت هي ايضاً آلاف اللبنانيين الناقمين على أداء السلطة الحالية.

ومن الواضح ان باسيل، الذي تمكّن من “قوْلبة” الكثير من الشخصيات الأساسية التقليدية في التيار والتي كانت تناصبه العداء لسنوات عدة، نجح عبر امتحان تظاهرة “ساحة الشهداء” في تحقيق انطلاقة جيدة تُحسب له وذلك بعد ايام قليلة على تنصيبه رئيساً للتيار. لكن من المبالغة القول ان باسيل هو الذي تمكّن من جمْع هذا الحشد الذي قُدر عدد المشاركين فيه بين 20 و30 الفاً. فالعونيون لا يزالون يأتمرون بعون نفسه، وأيّ دعوة يطلقها “الجنرال” تلبى فوراً ولا سيما في اوساط المنتسبين الرسميين الذي شاركوا بنسبة 90 في المئة اضافة الى المناصرين والعائلات. علماً ان الكثير من المشاركين ممن حضروا الى الساحة، ومنهم مسؤولون ميدانيون، كانوا قاطعوا اجتماعات مناطقية عقدها باسيل قبل موعد انتخابات التيار.

لبى العونيون نداء العماد عون بغض النظر عن رئاسة باسيل للتظاهرة وكلمته الرسمية التي لم تُواجَه بحسب المشاركين العونيين بالحماسة التي قوبلت بها كلمة “الجنرال”.

ويعزو مسؤولون عونيون سبب الحشد الى امريْن: اولاً دعوة الجنرال بنفسه الى التظاهر، وثانياً استفزاز تظاهرة “طلعت ريحتكم” واتهامهم عون من ضمن الشخصيات السياسية بالفساد.

وبحسب العونيين، فان “الجنرال” حمل لواء محاربة الفساد منذ دخوله الى الحكومات المتتالية والى البرلمان، وحمل تكتله اسم “الاصلاح والتغيير” ولم يخلُ بيان له من التنديد بالفساد. وتالياً فان اتهامه بأنه من الشخصيات السياسية التي عاثت فساداً في لبنان شكّل بالنسبة الى مناصريه رافعة اساسية في النزول الى “ساحة الشهداء” والمطالبة بـ “التغيير والاصلاح” عبر الانتخابات.

لكن مهما يكن من أمر، فان باسيل عرف كيف يستفيد من هذا الحشد. فمنذ ليلة 27 اغسطس الماضي، اي حين أصبح باسيل رئيساً للتيار، بات كل شيء يصبّ في اتجاه واحد، وهو موقع رئيس التيار، بغض النظر عما اذا كان ما حصل ارتدّ سلباً او ايجاباً على التيار. وهو استفاد من اول فرصة كبيرة بهذا الحجم ليستثمر هذا الحشد، بدليل الحملة الاعلامية المواكِبة للتظاهرة والتي جيّرت كل نجاحها الى رئاسة باسيل رغم انه لم يمض عليه في منصبه سوى ايام معدودة، اضافة الى رسائل الشكر التي وجهها الى المناصرين والى المؤيدين للتيار.

ولكن ماذا بعد التظاهرة؟

لا يزال باسيل يدور في فلك عون، والاجتماع الصباحي ما زال يُعقد في الرابية ويضع اطار التحرك السياسي والأسس التي ينطلق منها باسيل في تعاطيه الشأن السياسي العام. كل ما هو “سياسة”، لا يزال في يد عون دون غيره، اي انه هو مَن يضع الخطط ويتابع ويوافق او يعترض، ويحصر بيده كل التحالفات والاتصالات على مستوى الصف الاول.

لكن باسيل يملك هامش تحرك كبيراً، سواء على مستوى الاتصالات الداخلية او الخارجية بصفته وزيراً للخارجية. وهو الآن يتحرك بصفته رئيساً للتيار الوطني الحر، وهو ما يضع أمامه مسؤوليات حزبية لا يستهان بها، على مستوى تنظيمي داخلي كما على

مستوى الإعداد لمراحل سياسية مقبلة ومنها الانتخابات النيابية.

تنظيمياً، يحاول باسيل الاستعانة مجدداً بـ “الحرس القديم” اي العونيين الذي انطلقوا معه منذ التسعينات في مرحلة غياب عون وفي ظل الوجود السوري. ومن الطبيعي ان يكون لكثير من هذه الأسماء وقع مختلف في الشارع العوني الذي عرفها ابان التظاهرات السابقة. وايّ استثمار يقوم به باسيل في ضمّ هذه الأسماء الى إطاره الحزبي الجديد، الى جانب مجموعة رجال الأعمال التي يحوط نفسه بها، ومنها نائباه في الحزب الوزير السابق نقولا صحناوي ورومل صادر، يصبّ في مصلحة باسيل ايجاباً في الداخل الحزبي، وخصوصاً ان غالبية اعتراضات الحزبيين دارت حول تقديم عون وباسيل مجموعة سياسية من خارج التيار على المحازبين في إدارة شؤون التيار وفي الوزارات والمقاعد النيابية.

يحاول باسيل تثبيت أقدامه في تيارٍ ورثه عبر قرابته لعون، لكنه يريد، كما فعل في الوزارات التي تسلّمها ان يثبت جدارته بهذا المنصب، وبأنه قادر على تفعيل علاقته بجمهور التيار الذي يريد له ان يبقى مستعداً للنزول الى الشارع مرة جديدة.

لم يكن باسيل يتندر او يرفع شعاراً سياسياً فحسب، حين اعلن من “ساحة الشهداء” ان وجهة التيار المرة المقبلة هي القصر الجمهوري في بعبدا. لان النزول الى الشارع في وسط العاصمة استنفذ مهمته ولم يعد يُجدي نفعاً. فالتيار الذي يريد انتخابات نيابية ورئاسية وُجْهته اليوم قصر الشعب، والعونيون بدأوا يعدون العدة هذه المرة للصعود الى بعبدا بدل النزول الى بيروت.

وفي الشأن السياسي، يسعى باسيل الى تعزيز موقعه الذي أصبح ثابتاً في المعادلة السياسية، منذ ان أصبح وزيراً العام 2008 للمرة الاولى في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وهو يطرح نفسه رقماً صعباً في الحوارات السياسية ليبدو متشدداً فيها أكثر من عون.

واذا كان العماد عون يضع خريطة طريق التيار والتكتل، الا ان باسيل ينفذ ايضاً خريطة طريق ترسم مستقبله السياسي مسيحياً ولبنانياً، وهو منذ ان أصبح وزيراً للخارجية، بدأ يقدّم عناوين وشعارات تكسبه حيثية دولية من جهة ومن جهة ثانية حضوراً سياسياً داخلياً سيفرض عليه من الآن وصاعداً تدوير الكثير من الزوايا، لان ما ينتظره استحقاقات كثيرة، لن يستطيع التغلّب عليها من دون تحالفات. علماً انه، وهو المعروف بخصومته “الشخصية” لرئيس البرلمان نبيه بري أعاد تمتين علاقاته مع “حزب الله” ولا سيما بعد وقوف الحزب الى جانب عون في مطالبه داخل الحكومة وخارجها. ومن هنا فان الامتحان الأخير الذي اجتازه باسيل بسهولة للوصول الى رئاسة التيار، لن يتكرر، لان خصومه وايضاً حلفاءه لن يقدّموا له هدايا مجانية كما فعل “الجنرال”.