كتب رولان خاطر
“حان الوقت ليكون عنّا رئيس مش بس مطلوب.. بل مصرّين عليه لبنانياً.. حتى إذا سوريا.. وحتى إذا مصر.. حتى إذا الفاتيكان.. حتى إذا أميركا كان بدّن ياه.. إذا نحنا هيدا الرئيس ما بناسبنا.. ما بيجي”.
هذه اللغة اشتاق إليها المسيحيون، هذا النمط من السياسيين يتوق إليه اللبنانيون.
مخطئ من يعتقد أن نظرية “القائد” سقطت من القاموس اللبناني، فلبنان الذي يعيش اليوم في أسوأ مراحل الإسفاف الفكري وانعدام الرؤية لحلول الغد، سببه أنه كثر فيه “الزعماء” وقل “القادة”.
أهي سذاجة سياسية و”قُصر” اجتماعي أن يبقى “بشير حيّ فينا”، وأن تبقى مبادئه محفورة في وجدان اللبنانيين.
لا شك، أن الشهادة هي التي تعبّد الطريق إلى القداسة، وهي التي خطّت بمعانيها وعمق قدسيتها أحرف التاريخ اللبناني والفلسفة المسيحية، وهي التي عمّقت جذور الإيمان حتى المواجهة ورفض الخضوع، والذميّة، لكن هذا شيء، وأن يبقى مجتمع، له من التاريخ والمجد والبطولة وحكايات الصمود والمواجهات والمقاومة متعلّقاً بقائده الذي مرّ على استشهاده 33 عاماً، ولا ير خلاصاً إلا به شيء آخر. هو أمر يشير إلى العقم الفكري والثقافي الموجود في المجتمع المسيحي خصوصاً، لعدم قدرته على فرز وإنتاج قادة جدد أمثال بشير الجميل وكميل شمعون وبيار الجميل ورينيه معوّض.. والعيش تحت وصاية “القمعية الاقطاعية” المباشرة أو “المقنعة”.
لا أقول هذا الكلام رفضاً ببقاء بشير حيّ فينا، فبشير “أيقونة” مجتمعنا، واسمه هو أحرف كل مقاومتنا. ولكن السؤال، لماذا نريد بشيراً..
نريد بشيراً لأنّ مجتمعنا كثر فيه “الزعماء” وقلّ فيه “القادة”.
نريد بشيراً لأنّ مجتمعنا بحاجة إلى نقد ذاتي جماعي، يحدّد الأولويات، ويرسم استراتيجيات البقاء، والأهم.. أن يسامح سبعين مرة وسبع مرات لبناء لبنان الجديد.
نريد بشيراً لأننا شعب يعشق لغة الحزم وأحرف الجزم، وينبذ التسويات، ويمقت اللامواقف، ويُقْصي الانتهازيين، ويشرّد المتملقين، ويعزل المنافقين، ويبعد سماسرة الأوطان والبائعين، ويطرد المتسولين والمنتفعين، وينفي كل من باعوا ويبيعون الوطن قبل صياح الديك.
نريد بشيراً يحقّق مصالحة مسيحيّة حقيقيّة، لا تقوم على “إعلان صوري” من هنا، و”نيّات مزيفة” من هناك. مصالحة تطوي صفحة الحرب وتؤسّس لمرحلة لبنان المستقبل.
نريد بشيراً لأنه عندما يطرح الفدرالية نظاماً، لا يتراجع، فتكون لمصلحة لبنان وليس لمصلحة شخصية، استفزازا لهذا الفريق وابتزازا لآخر.
نريد بشيراً، لأنه يحمي المناصفة بسلوكه وانفتاحه على هواجس الآخر، ويحدّد استراتيجية المواجهة امام كل خطر من أي نظام جديد يمكن أن يأتي، فيمنع بعض المسيحيين من دعم الدويلة على حساب الدولة، ويمنع بزوغ نور أي مؤتمر تأسيسي، او أي مؤتمر يهدد الكيان والوجود المسيحي الحرّ في لبنان.
نريد بشيراً، يسخّر ميزان القوى الإقليمية والدولية لمصلحة لبنان، لا أن تبقى الإرادة الداخلية مرهونة لهذه القوى.
نريدا بشيراً، يفرض قبضة الجيش من دون وجود جيش جديد إلى جانبه. يحافظ على هوية لبنان.. لبنانية، وينهي لعبة المتاجرة بمقدسات الوطن.
نريد بشيراً، ينهي الاستعراضات والمظاهر الفارغة والمسرحيات الاستعراضية من قبل طبقة سياسية فاسدة، كادت في الماضي ان تجعل اللبنانيين يتوسلون بلدان العالم لاستقبالهم، واليوم تعيد السيناريو ذاته لتهجير اللبنانيين من بلدهم عبر دولة الفساد، ورؤية فاسدة، وأفكار فاسدة، واداء فاسد.
نريد بشيراً لكي يبقى لبنان بلدا لكل أبنائه، لنستطيع ان نحدّد لماذا وكيف فقدنا تأثيرنا في اللعبة الداخلية، في وقت كنا “قديسي هذا الشرق وشياطينه”.
نريد بشيراً، لأنه وحده يفرض المعادلات ويغيّر السياسات، فينهي الفراغ، ويحمي الجمهورية، وينتخب رئيساً لهذه الجمهورية.. لبناني الانتماء والهوية.
بعد 33 عاماً على رحيله، على المسيحيين أن يجددوا العهد، ولكن عدم البقاء متباكين على الأطلال. في عيد ارتفاع الصليب، قدرنا كمسيحيين ان نحمل صليب الوطن حتى الشهادة، أن نجدد الدور والحضور الفاعل في كل مفصل من مفاصل الحكم في لبنان.
بعد 33 عاماً على رحيله، رجاء، لا تخيّبوا ظنه، هو استشهد مع الكثير من الرفاق ليبقى لبنان، لتبقى المسيحية نورا بهذا الشرق، لا تسقطوها.. عودوا إلى ميشال حايك إذا أضعتم الطريق.
رجاء، بعد 33 عاماً على رحيله، من كل جيل سبق إلى كل جيل سيأتي، غنّوا معاً: “وعد يا لبنان.. نحمل الخبرية.. ونمشي بالساحات.. ونحكيها بغنية.. عن بشير اللي كان.. صوتو ملوى الزمان.. تعصف معو الكرامة وحرية الانسان.. وعد يا لبنان”.