اثرت العاصفة الرملية التي ضربت لبنان الاسبوع الماضي، بشكل مباشر على الانتاج الزراعي حيث كانت لها تداعياتها السلبية على الاشجار المثمرة والخضار.
في عكار (رسلام منصور)، وما كادت الأمطار الفجائية التي هطلت منذ حوالي الأسبوع ونيف تترك بصماتها الكبرى على المزارعين ملحقة خسائر جمة في زراعة التبغ والتنباك تحديدا- والذي يتركه المزارعون في الحقول من أجل اليباس قبل بدء موسم تسليمه والمحدد في نهاية هذا الشهر – حتى أطلت العاصفة الرملية حاملة معها كل أنواع المضار والمخاطر على المزارعين في كافة أنواعها سواء التفاحيات أم الزراعة الخضرية أو تلك التي تثمر في هذه الايام وتنضج كالتين والعنب. اضافة الى الزراعات البلاستيكية التي غمرتها الرمول فحجبت عنها أشعة الشمس مما ألحق أشد الضرر بها، ذلك أن هذه البيوت تعتمد على درجات حرارة شبه مستقرة ونفاد منظم لأشعة الشمس على مدار اليوم الواحد. واي تبدل قد يطرأ سوف يصيب الزراعات كالبندورة أو اللوبياء والكوسا كما الملفوف والخس والبقدونس وغيرها باليباس أو «التجعد» الذي يؤدي الى التحلل فاليباس ، وهذا ما حصل لدى عدد لا بأس به من المزارعين في سهل عكار.
أما بالنسبة للزراعات المكشوفة، فلوحظ، وفق ما لفت اليه المزارعون الذين قلما شهدوا في حياتهم مثل هذه الظاهرة الطبيعية، أن ترسّب الرمول في المزروعات والثمار أدى الى ضعفها، وبالتالي تلفها، فجاءت هذه الضربة لتزيد في الطين بلة.
وقد ارتفعت أصوات المزارعين في سهل عكار والجرد الذين نكبوا نكبات متوالية خلال شهر واحد، إذ ان العاصفة الرملية، كما يشير المزارع خالد شاهين من بلدة عكار العتيقة (وهو مزارع تفاح في البلدة)، خلفت أضراراً في البساتين. فالغبار يشكل خطراً مدمراً على المحاصيل الزراعية والنباتات، ولوحظ أن كميات الغبار وكثافته عملت على سد المسامات الموجودة في أوراق النباتات وحالت دون اتمام الأوراق عملية اكتساب الضوء ما أُضعف قوتها وانتاجيتها.
الملاخظة الثانية أن هذه العاصفة شكلت مصدراً لجذب كافة أنواع الحشرات المُختلفة، كالعناكب التي تبني بيوتها على أوراق النباتات. اذ ان العناكب ترى في النبتة المغطاة بالغبار مكاناً مميزاً يُساعدها على التمويه والإختباء من الحشرات التي تفوقها حجماً ووزناً، وهذا يعني ايجاد المركب الذي يبيد هذه الحشرات.
رئيس بلدية القليعات محمد ابراهيم أبو ابراهيم، وهو من كبار المزارعين في سهل عكار، قال ان العاصفة الرملية خلفت ضعفاً في النباتات وتحول بعضها الى اللون الصفر، وهذا ادى إلى موت كميات لا بأس بها من المحاصيل الزراعية ، وإلحاق خسائر مادية فادحة في القطاع الزراعي. اضاف «اليوم نحن ننتظر الأمطار ولكن هذه الأمطار سوف تكون محملة بالغبار اضيا، وستحمل معها المزيد من الآفات.. فلن تغسل النباتات بل ستساعد على زيادة الأكسدة او ما يسمى بالمطر الحمضي. وتتميز هذه الأمطار بأنها محملة بالطين أثناء سقوطها وتلقي به على سطح الأرض على شكل خليط طيني من الماء والأتربة أي على المزروعات، وهذا يعني زيادة الفطريات والعنكبوت والتسوس والديدان. وهو امر سيؤدي الى الافراط في استعمال المبيدات لمكافحة الأوبئة هذه وتأثيرها غير مدروس على النباتات، وزيادة في التكلفة، اضافة الى الاسراف في استعمال مياه الري«.
وقال ابو ابراهيم «اليوم يلمس المزارعون تلك الآثار السلبية على مزروعاتهم ويعانون انخفاض المردود الإقتصادي والحاجة للمزيد من الإستهلاك الذاتي من أجل الصمود والثبات، مما يترك آثاراً من الإحباط، وبالتالي الهرب من العمل في الزراعة. إذ باتت القدرة على الصمود في هذه الظروف أمراً شبه مستحيل. فبعد أزمة اقفال الحدود، وما تلاها من أزمة شاحنات ونقل الانتاج، حلت علينا العواصف الحارة والباردة والمطرية وألحقت بنا الخسائر تل الخسائر، كل ذلك والانتاج الزراعي يعاني انتكاسات عدة، فكيف نُسأل عن أحوالنا«.
ورأى أن الاجراء الأفضل لتجنب الآفات الزراعية الناتجة عن العواصف الرملية والغبار هو إغلاق البيوت البلاستيكية المُستخدمة في الزراعة وغسل النباتات بعد العواصف الرملية من خلال رشها بالماء، إضافة إلى استخدام أنواع المبيدات الحشرية المناسبة والمُصرح بها من قِبل وزارة الزراعة.
في شتورة
اما في شتورة («المستقبل»)، ورغم انحسار عاصفة الغبار التي ضربت البقاع منذ اسبوع تقريبا، الا ان الاضرار المباشرة وغير المباشرة على القطاع الزراعي كانت كبيرة واصابت مقتلا بعضا ثمار الموسم الجاري على اختلافها.
ولعل أبرز أنواع الفاكهة التي أصيبت بنسبة عالية جدا ثمار هي التين والعنب، يليها التفاح والدراق وبعض انواع الخوخ والأجاص. وحال الخضر لم تكن بافضل لاسيما البندورة والخيار والخس وغيرها.
ويحدد المزارع جورج شديد اسباب تمركز الاضرار في ثمار التين والعنب والدراق بثلاثة عوامل: الاول «حساسية» الثمار المذكورة بالعوامل التقليدية للطقس، والثاني بلوغ الثمار مرحلة متقدمة من النضوج ما يجعلها سريعة التلف عند تعرضها لأي عوامل طبيعية قاسية، والثالث تعذر استخدام اي نوع من الادوية أو انواع الحماية في ظل الظروف التي مرت.
وقد تفاوت حجم الاضرار بين مزارع وآخر، كل بحسب حيازته. ويبدو ان المشكلة ستكون اصعب عند المباشرة بجني الموسم أو ما تبقى منه. وفي هذا الاطار، يقول المزراع احمد مرعي «نواجه مشكلات كثيرة مع انحسار العاصفة. فجني ثمار التين ليس بالامر السهل. لقد تلف قسم كبير منه، وعملية غسلة مستحيلة وغير مستحبة، لذلك علينا نزع (( حملان)) التين باكمله ورميه , بانتظار نضوج ثمار اخرى خاصة وان الموسم شارف على نهايته .اما العنب فعملية قطافه ستكون متعبة للعمال لانهم سيعملون في بحر من الغبار.. لن تكون النتائج مرضية اطلاقا«.
ويأمل عدد من المزارعين بمطر ناعم لايام عدة يفيد بازالة طبقة الغبار بشكل طبيعي من دون تدخل بشري أو آلي، عله يسهم في انقاذ بعض من موسم العنب والتفاح والدراق.
الامر يختلف بالنسبة للخضر، يقول محمد المعلم (مزارع) «في ما يتعلق بالخضر المنتجة في البيوت البلاستيكية، فانها لم تتاثر كتلك الشمسية. والاخيرة، نواجه صعوبة في قطافها، حيث نعمل في ظروف غير صحية ومتعبة للعمال. كما اننا نبذل جهدا ووقتا اضافيين في تنظيف الخضر يدويا من دون استخدام المياه«. باختصار، يختم المعلم، «الطبيعة كانت قاسية معنا هذا الموسم، صقيع مع بداياته، وحريق وغبار في خواتيمه«.