للحصول على دليل تقريبي جاهز لأثر الدولار على الاقتصاد الأمريكي، ألق نظرة في “جوجل ترندز” على تكرار عناوين الأخبار التي تحتوي مصطلح “الدولار القوي” على مدى الشهور الـ 12 الماضية.
بعد الوصول إلى بعض مستويات ذروة طفيفة في نهاية عام 2014، هناك طفرة كبيرة في نهاية كانون الثاني (يناير)، وحتى طفرة أكبر في منتصف آذار (مارس). من ثم ينخفض بشكل حاد في نيسان (أبريل)، ويتعثر بعد ذلك خلال فصل الصيف.
إن بصمة الدولار على عقلية صناع السياسة الاقتصادية والسياسيين ورجال الأعمال الأمريكيين كبيرة وعميقة. خلال الأوقات التي حدثت فيها تلك الطفرات، بدا أن قوته تعكس قوة الاقتصاد الأمريكي، التي بدورها أثارت الحجة لصالح رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة.
وفي كانون الثاني (يناير) قال وزير الخزانة الأمريكي، جاك ليو: “كنت دائما أقول (…) إن ارتفاع سعر الدولار جيد بالنسبة للولايات المتحدة”.
الدولار الآن ليس قويا كما كان من قبل. لكن في الوقت الذي يجتمع فيه الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل لتحديد موعد رفع أسعار الفائدة، يسيطر الدولار على اهتمامه. وهذا لأن تركيزه تحول من القلق بشأن أثر الدولار القوي على الاقتصاد الأمريكي إلى أثره على بقية العالم.
يبتعد الدولار الآن مسافة لا بأس بها عن المستويات المرتفعة التي حققها خلال طفرات الربع الأول. تلك الارتفاعات التي اقترب فيها الدولار ببطء من التعادل مع اليورو، ربما تمادت بشكل كبير، بحسب ماثيو كوبون، وهو مدير صندوق في كولومبيا ثريدنيدل.
لقد كانت “العاصفة المثالية” للثقة بالاقتصاد الأمريكي، المترافقة مع برنامج التسهيل النقدي من قبل البنك المركزي الأوروبي ـ والناتجة عنه ـ هي التي جعلت الدولار يتجاوز المستوى الذي يمكن معه أن يضع المرء نطاقا لقيمته العادلة.
وأتاحت قوة الدولار الاحتياطي الفيدرالي فرصة للتفكر، والقلق بشأن التأثير على شركات التصدير الأمريكية. وكان موسم أرباح الشركات الأمريكية مليئا بعناوين الأخبار المتعلقة بالأثر السلبي للدولار القوي على شركات مثل نايك، وجونسون آند جونسون، وبروكتر آند جامبل.
وبما أن الدولار الآن أضعف، فإن المنطق يقول إن القلق يجب أن يخف، وبالتالي إفساح المجال أمام الاحتياطي الفيدرالي لرفع الأسعار.
لكن بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي أسباب عدم الرفع تفوقت على الأسباب الموجبة للرفع. السبب الأول هو أن ضعف الدولار ربما يكون علامة على ضعف الاقتصاد الأمريكي، حيث بقي التضخم دون المستوى المستهدف.
والسبب الثاني هو أن الدولار رغم ضعفه الآن، يبقى قويا بما يكفي ليكون له أثر خطير على أجزاء أخرى من العالم، وعلى وجه التحديد الأسواق الناشئة، لأن رأس المال يتدفق مرة أخرى إلى الولايات المتحدة والصين تتحرك نحو خفض قيمة الرنمينبي.
وهذا يقودنا إلى السبب الثالث: كيف يمكن أن يؤثر ضعف الأسواق الناشئة على الولايات المتحدة، مبقيا على تدني مستوى التضخم ومسببا الضرر لأسواق الأسهم؟ يقول ستيفن إنجلاندر، من سيتي جروب: “ينظر الاحتياطي الفيدرالي إلى كيف أن أثر الدولار على بقية أجزاء العالم في نهاية المطاف يمكن أن يعود بالنفع على الولايات المتحدة من خلال الأسواق المالية، أو مباشرة من خلال اقتصاد عالمي أضعف بكثير”.
وعلى رأي بول لامبرت، من شركة إنسايت للاستثمار، فإن مشكلة الاحتياطي الفيدرالي ليست هي أن الاقتصاد الأمريكي أقل قوة مما كان عليه بقدر ما هي أن “الكثير من بقية أجزاء العالم في حالة ضعف بالتأكيد”.
واحد من المؤشرات على هذا هو كيفية تداول الدولار مقابل فئات العملات المختلفة. ففي فصل الربيع كان أداء الدولار قويا، وهي فترة ألقى فيها منافسوه من العملات الأجنبية في مهب الرياح.
لكن في حين عمل على اجتياح عملات الأسواق الناشئة، إلا أنه ضعُف مقابل أقرانه الأثقل وزنا، اليورو والين على وجه التحديد. وهذا يرتبط جزئيا بتعاملات العملات، في الوقت الذي تتفكك فيه تداولات تجارة المناقلة. مع ذلك، يقول كوبون، تبدو السوق أقل استعدادا مما كانت عليه قبل الصيف للاندفاع نحو تداول الدولار.
ويضيف أن هناك المزيد من حركة الأسعار ذات الاتجاهين. “تداول الدولار أصبح ذو طبيعة تكتيكية أكثر – أنه تحرك باتجاه نظرة تركز على من هو الذي سيكون اللاعب الضعيف الهامشي بدلا من اللاعب القوي الهامشي”.
والأمر ليس مجرد أننا لم نعد نسمع عبارة “قوة الدولار” مثلما كنا نسمعها في وقت سابق من هذا العام. لقد كان “التباين الاقتصادي” مشتعلا في وقت مبكر من عام 2015. وبدا واضحا أن بإمكان الولايات المتحدة المضي قدما في دورة التشديد الكاملة، في حين تتخلف بقية العالم، بحسب ما يقول كوبون. لكن قوة الدولار مقابل العالم النامي “عملت فقط على إبراز المشاكل هناك”.
إذا كان هذا الربط – بين الولايات المتحدة وبقية أجزاء العالم، وبين الدولار والعملات الأخرى – يثير مخاوف الاحتياطي الفيدرالي بشكل كبير، فهل سيكون مهتما أيضا باحتمال أن يؤدي رفع الأسعار في الولايات المتحدة إلى زيادة سعر الدولار، وبالتالي إلحاق المزيد من الألم بالأسواق الناشئة؟ ينبغي أن يكون مهتما. كانت بداية دورات رفع الأسعار السابقة تميل إلى دفع الدولار إلى أدنى، لكن هذا لن يحدث هذه المرة، بحسب لامبرت.
أولا، شهدت الدورات السابقة دولا أخرى تحذو حذو الاحتياطي الفيدرالي. أما هذه المرة، فقط بنك إنجلترا في وضع يمكِنه من رفع الأسعار. لذلك، كما يقول لامبرت: “إذا رفع الاحتياطي الفيدرالي الأسعار، فقد يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم”.
من جانب آخر، شهدت الدورات السابقة وجود الدولار في اتجاه هبوطي قوي قبل ارتفاع الأسعار. هذه المرة يتبع الدولار اتجاها صعوديا. اتجاه الدولار قوي “ليس فقط بسبب القوة النسبية للاقتصاد الأمريكي، وإنما بسبب التحسينات الهيكلية في الحسابات الخارجية الأمريكية”، بحسب لامبرت. تلك العناوين المتعلقة بالدولار القوي هي الآن في وضع البث والانتشار مرة أخرى.