Site icon IMLebanon

أموال البلديات… فخّ جديد يعقّد أزمة النفايات

IbrahimKenaan
خضر حسان

التيار الوطني الحر ووزير الاتصالات بطرس حرب يعلنان “حرب ملفات” بينهما، وفي الوسط تقبع أزمة النفايات التي لا تحلّها أموال للبلديات عالقة وتحتاج إلى تخطي جملة من الحواجز الإدارية والقانونية لتدخل حيّز الإقرار في الشكل، وبعد ذلك، يأتي دور الإقرار بالمضمون، أي التطبيق. ولأن تجربة التطبيق في لبنان لا تبشر بالخير، يصبح التذرّع بتحديد هوية معرقل عملية التحويل مضيعة للوقت، وتحويلاً للأنظار عن المسؤول الحقيقي عن أزمة النفايات وعن عدم تحويل الأموال المستحقة للبلديات من عائدات الخلوي منذ العام 1994، أي القوى السياسية مجتمعة، والمتمثلة بمجلس الوزراء.

حرب الاتهامات ومحاولة تطويق الاصوات المعترضة على خطة شهيّب، التي يقول عنها شهيب نفسه ان “لا حل متوفراً حالياً غيرها”، يمكن مقاربتهما على الأقل من زاويتين. الأولى هدفها منع تنصّل أي جهة من حالة الفساد العام، والثانية هدفها التأكيد على ان أموال البلديات ليست العصا السحرية، ما لم يترافق التحويل مع خطة حكومية واضحة وشفافة وقابلة للتنفيذ دون احتوائها على ألغام المصالح الشخصية.

السجال بين حرب والتيار، ممثلاً برئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان، يتلطّى خلف تعقيدات التواقيع الرسمية المطلوبة لرصد الاموال وتحويلها الى البلديات، سواء بشكل مباشر أو عبر وزارة المال، أو عبر آليات أخرى. ووحدها التعقيدات التي تتجاوز القوانين والدستور كفيلة بـ “تطيير” أموال البلديات، اذ ان دهاليز الإدارات الرسمية والوزارات هي تماماً كمقابر للمعاملات الرسمية، بعد تكفينها ودفنها على يد الخلافات السياسية والشخصية. وفي خضم السجال، يحاول كنعان ان يتناول ملف اموال البلديات من زاوية رمي الفساد على الطرف الآخر، وكأن تياره غير مشارك في الفساد. وقال كنعان خلال مؤتمر صحافي اليوم الثلاثاء حول الملف المالي للبلديات ان “هدر المال العام المنظم لا يأتي خلال ليلة وضحاها أو بسحر ساحر بل هو حلقة مترابطة تبدأ بالاحتيال على القانون”، مضيفاً ان “البعض استفاق فجأة على الفساد في لبنان وكأنه واصل لتوه من الخارج”، وبعيداً عن دور الطرف الآخر بالفساد، سواء كان حرب أو وزير المال علي حسن خليل، أو غيرهما، فتيار كنعان شريك أساسي في الفساد، خصوصاً في ما يتعلق بملف الكهرباء، ودخول التيار السلطة السياسية “متأخراً”، لا يعفيه من المسؤولية. فالدخول “المستجد” في السلطة لا يعني تشريع ممارسة الفساد بحجة فساد من سبق. والطروحات التي أطلقها العماد ميشال عون ويعتبرها كنعان “مدخلاً للحل”، لا يمكن مطالبة الأطراف الأخرى بتبنيها انطلاقاً من حسن نية عون وتياره، فالآخرون لديهم مشاريع مُعرقلة من قبل التيار وحلفائه. وعليه، فإن اللعبة محكومة بمنطق “6 و6 مكرر”، فمن يعرقل هنا، يُعرقَل له هناك.

في الطرف المقابل لدور الخصومة السياسية في تعقيد الملف، يتساءل رئيس جمعية الخط الاخضر علي درويش، عن موعد تحويل الأموال حتى بعد تجاوز محنة التواقيع والموافقات القانونية المطلوبة، فبالتأكيد “لن تتحول الاموال خلال 24 ساعة”، ويرى درويش في حديث لـ “المدن” ان الخطة التي تتبناها الحكومة ستنعكس سلباً على ملف النفايات. فمثلاً، لم تحدد الخطة هوية الخبراء والمشرفين على تطبيق الحلول المقترحة، وبعيداً عن ممثلي الوزارات المعنية، “هل ستكون الـ UNDP او جهة أخرى شريكة في الاشراف؟”. ويضيف درويش، ان خطة الحكومة اعتمدت منطقتي المصنع وسرار كنقطتين اساسيتين لإستقبال ومعالجة النفايات، “ما يعني ان الحكومة اتخذت القرار مسبقاً من دون اعتماد آراء الخبراء. ثم ان الخطة لحظت استفتاء رأي اتحادات البلديات، وهؤلاء قالوا لا، وبالرغم من ذلك اعتمدت الحكومة المنطقتين”. وينفي درويش استطاعة البلديات حل ازمة النفايات بعد تحويل الاموال اليها، “فهناك بلديات قادرة مادياً وليست بحاجة لأموالها المحجوزة، وبالرغم ذلك لم تستطع حل الازمة، بل عمدت الى طمر النفايات او حرقها فقط”.

بدوره لا يأمل رئيس بلدية بعلبك حمد حسن، بتحويل الأموال في وقت قريب، لأن وعود التحويل “سمعناها منذ زمن، والسياسيون يساوموننا على حقنا”، وبالرغم من تأكيده على أهمية الاموال في حل ازمة النفايات، الا ان هذه الاهمية ليست سوى الخطوة الاولى على طريق الحل، “فالأموال يمكن ان تساعد في شراء أرض لإنشاء معمل لفرز النفايات، لكن إنشاء المعمل وتجهيزه يحتاجان الى أموال أخرى، تقدمها عادة هبات المجتمع الدولي”، ويذكر في هذا الاطار ان بلدية بعلبك ستفتتح غداً الاربعاء معمل معالجة النفايات في منطقة بعلبك-الهرمل، والذي شيد وجهز بهبة من الاتحاد الأوروبي تبلغ مليون و426 ألف يورو، وبتنفيذ من مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، ويستوعب 70 طناً في يومياً.

وجنوباً، لا يخفي رئيس اتحاد بلديات صور عبد المحسن الحسيني اعتراضه على الحلول الجزئية التي تقدمها الحكومة. اما أموال البلديات، فوفق ما يقوله لـ “المدن”، لا تحل الازمة، “لأن الازمة ليست فقط ازمة نفايات، بل ازمة تخطيط، فالدولة الغت وزارة التخطيط، فماذا ننتظر منها؟”، ويضيف الحسيني ان “اموال البلديات يمكنها ان تساعد في انشاء معمل للفرز، لكن مذا نفعل بالعوادم؟”.

تشعب الحلول ووضع البلديات فجأة امام مسؤولية معالجة النفايات، يؤكدان منطق الابتزاز الذي تمارسه القوى السياسية كافة، فرمي المسؤولية على البلديات واعطاؤها أموالاً من جيبها الخاص، يعقد الامور أكثر، فالبلديات بحاجة في الاساس الى تنفيذ المشاريع التنموية، ومن المجحف وضعها امام أمر واقع يستدعي صرف مستحقاتها على موضوع النفايات، واهمال التنمية، في حين ان معالجة النفايات يقع على عاتق الدولة، في ظل تركيبة المحاصصات المعمول بها في لبنان. كما ان التصرف مع البلديات على انها راشدة بالمطلق، وضليعة بإنجاز مشاريع التنمية، أمر مبالغ فيه، اذ ان البلديات بمعظمها لا تملك اليوم خبرات تمكنها من اختيار الطريقة الافضل لمعالجة النفايات، فبعضها سيختار الحرق، وبعضها الآخر الطمر، وبلدية أخرى ستقرر انشاء معمل للفرز، فمن يحصر تشعب الخيارات ويضبط نتائجها؟، وماذا لو دب الخلاف في اتحاد بلديات ما، حول البلدية التي ستستقبل نفايات البلديات الاخرى، او تستقبل معمل الفرز على اراضيها؟