يبدو أن مأساة اللاجئين الوافدين إلى أوروبا تزداد تعقيداً، يوماً بعد يوم، فالخلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وضعت حرية التنقل البينية على المحك، في ظل إجراءات اتخذتها دول عدّة في فضاء «شنغن» لضبط الحدود البرية، لوقف تدفق المهاجرين، في وقت تسعى بعض الأطراف الأوروبية إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال الدفع باتجاه الحصول على تفويض يسمح لها بالتدخل عسكرياً ضد المهرّبين، وتحديداً في ليبيا.
وعقد وزراء الداخلية في دول الاتحاد الاوروبي، يوم امس، اجتماعاً في بروكسل لمناقشة مقترحات بشأن توزيع اللاجئين بين الدول الاوروبية، وهي خطة تؤيدها ألمانيا وترفضها دول أخرى في شرق القارة، مع استمرار تدفق أعداد لم يسبق لها مثيل من المهاجرين، وهو ما أثقل كاهل إيطاليا واليونان والمجر على وجه الخصوص.
ووفقاً لما رشح من المناقشات داخل أروقة الاتحاد الأوروبي فإن المجر وسلوفاكيا وتشيكيا ترفض القبول بتوزيع 120 الفاً من طالبي اللجوء، إجبارياً.
وبحسب مصادر ديبلوماسية فإن المحادثات التي جرت يوم امس لم تسفر عن اي تقدم في هذا الخصوص، مع انضمام ليتوانيا ورومانيا الى جبهة الرفض للخطة المقترحة.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك يوم الجمعة إنه سيدعو زعماء الاتحاد لعقد قمة طارئة اذا لم يتمكن الوزراء من الاتفاق على حل.
وقال بعض زعماء دول شرق أوروبا إن بلادهم لا تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين، لكن مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وألمانيا لجأوا للضغط عليهم من خلال التحذير من أن عدم التمكن من وضع خطة مشتركة للهجرة يمكن أن يقضي على نظام «شنغن» للحدود المفتوحة، والذي يحظى بأهمية كبرى بالنسبة الى الدول الشيوعية السابقة، المعارضة لخطة توزيع حصص اللاجئين.
وفي هذا الإطار، كثفت ألمانيا الضغط على دول شرق أوروبا من خلال إعادة فرض قيود على حدودها مع النمسا، بعدما اعترفت بأنها تواجه صعوبات شديدة للتعامل مع وصول آلاف من طالبي اللجوء يومياً.
وواجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يوم امس، انتقادات حادة في بلادها، بعد التغيير المفاجئ في موقفها من أزمة اللاجئين، حيث انتقلت من سياسة اليد الممدوة الى الحزم، وخصوصا بسبب عدم توقعها المشاكل اللوجستية ومعارضة أعضاء في حزبها لهذه السياسة.
وعلقت صحيفة «در شبيغل» بالقول «الحلم الجميل انتهى» بعدما حاولت المستشارة الألمانية، على مدى أسبوعين، أن تكون مثالاً لسائر دول العالم عندما فتحت حدودها بالكامل أمام طالبي اللجوء.
والأكثر إحراجاً لميركل هو ان رئيس وزراء المجر الذي انتهج سياسة متشددة جداً ضد المهاجرين، والذي عارض موقف ألمانيا علناً، كان اول من رحب بهذا التحول في موقفها عندما دعا الى إعادة فرض «رقابة» ضرورية على الحدود داخل الاتحاد الاوروبي.
اما هنري غينو، المستشار السابق للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وعضو حزب الجمهوريين اليميني الفرنسي، فسخر من أن «تكون ألمانيا هي التي تعيد اليوم الرقابة على الحدود بعدما اعلنت ميركل قبل بضعة اسابيع انها تريد استقبال 800 الف لاجئ»، آخذاً على المستشارة الألمانية انها «قامت بذلك من دون استشارة شركائها او جيرانها ومن دون اي اكتراث للعواقب».
من جهتها، كتبت صحيفة «سودويتشه تسايتونغ» ان المستشارة الألمانية «ما كان يجب ان تغير سياستها بهذا الشكل المفاجئ» بشأن مسألة اللاجئين، مضيفة ان عليها ان «تقر أنها أساءت تقييم الوضع سياسياً اكثر من اي وقت مضى».
واتُخذ القرار بإعادة فرض رقابة على الحدود للحد من تدفق عشرات آلاف اللاجئين القادمين من البلقان مروراً بالمجر والنمسا، في سياق سياسي داخلي ينطوي على مخاطر بالنسبة الى ميركل، خصوصاً ان الفرع البافاري، الأكثر تشدداً، في حزب «الاتحاد المسيحي الديموقراطي» لم يتردد منذ عدة ايام في انتقاد السياسة المتعاطفة التي تنتهجها الحكومة الألمانية تجاه اللاجئين.
وظهرت بوادر انشقاق داخل «الاتحاد المسيحي الديموقراطي»، بعدما اعتبر القيادي الحزبي ينس يان ان سياسة الانفتاح «تشجع» اللاجئين على «التوجه الى ألمانيا».
وعلاوة على ذلك، تتعرض ميركل منذ نهاية الاسبوع الماضي الى انتقادات رؤساء حكومات المقاطعات الذين اعربوا جميعهم، ومن بينهم اعضاء حزبها، عن اسفهم لعدم الإعداد المسبق لسياسة فتح الابواب امام اللاجئين في الاسابيع الماضية، ما ادى الى اكتظاط مراكز الاستقبال.
وشكل الوضع في نهاية الاسبوع الماضي في ميونخ الإنذار الأخير لبرلين.
وللأسبوع الثاني على التوالي، واجهت ميونيخ وصول قرابة 20 ألف طالب لجوء اضطر بعضهم الى النوم في العراء لعدم توفر اماكن او أسرَّة.
وإزاء هذا الوضع، اصبح الرأي العام الألماني في حيرة من امره، إذ إنه لا يفهم ماذا تريده ميركل تماما من مسألة اللاجئين. ففي مطلع تموز، كانت ميركل تبدو بموقف متشدد عندما قالت خلال نقاش عام، رداً على شابة فلسطينية، إن ألمانيا لا يمكنها استيعاب كل المآسي في العالم. وفي مطلع ايلول الحالي التقطت المستشارة الألمانية صوراً ذاتية «سيلفي» وهي تبتسم مع سوريين تم إيواؤهم في منازل قبل ان تعود الى خطها المتشدد.
وكتبت صحيفة «داي فيلت» المحافظة «في هذه الظروف السؤال هو هل أُعدت السياسة الألمانية حول اللاجئين على امل تحقيق هدف واضح ام لا».
والى جانب المانيا، قررت سلوفاكيا والنمسا وتشيكيا اعادة فرض رقابة على الحدود في مواجهة تدفق عشرات آلاف المهاجرين، وعلَّقت بحكم الامر الواقع العمل باتفاقية «شنغن» لحرية التنقل في اوروبا.
وقررت النمسا، من جانب آخر، نشر الجيش على الحدود مع المجر حيث بلغ تدفق المهاجرين أرقاماً غير مسبوقة امس الاول. وقال المستشار النمساوي فيرنر فايمان إن بلاده ستستدعي الجيش فوراً لمساندة الشرطة في مواجهة تدفق المهاجرين الذين يصلون بمعظمهم عبر المجر.
وتطرح هذه الإجراءات مخاوف إزاء مستقبل اتفاقية «شنغن» لحرية التنقل داخل اوروبا.
واعتبرت المفوضية الاوروبية ان تعليق العمل باتفاقية «شنغن» يؤكد ضرورة التوصل الى خطة اوروبية لتقاسم عبء اللاجئين، محذرة من «فراغ قانوني» يمكن ان يواجهه اللاجئون في اوروبا مع تكثيف الإجراءات التي تتخذها الدول كلٌ على حدة.
بدورها، شددت مفوضية الامم المتحدة العليا لحقوق الانسان على ان كل الدول «مُلزمة» باستقبال لاجئين في اطار احترام القانون الدولي، لكنها اقرت في الوقت ذاته بحق الدول في حماية حدودها.
وفي هذا الاطار، قال المتحدث باسم المستشارة الالمانية ان اعادة عمليات المراقبة لا يعني ان المانيا تغلق حدودها امام طالبي اللجوء، مشيراً الى ان برلين ترغب في جعل العملية «أكثر انضباطاً».
وبموجب اتفاقية «شنغن» فإن إعادة فرض رقابة حدودية بشكل مؤقت «ممكنة بشكل استثنائي مقرر مسبقاً ومنظم» في حالة الأزمات.
وتنص الاتفاقية على أن هذه الرقابة الاستثنائية والمؤقتة يجب ان يبررها «تهديد امني خطير» او «عجز خطير على الحدود الخارجية من شأنه تهديد الوضع العام داخل فضاء شنغن».
وفي مقابل الانقسام حول مصير اللاجئين، أقر الاوروبيون يوم امس اقتراحاً باستخدام القوة العسكرية ضد مهربي المهاجرين في البحر الابيض المتوسط.
ويجيز هذا الإجراء، الذي يفترض ان يصبح نافذاً اعتباراً من مطلع تشرين الاول المقبل، للسفن الحربية الاوروبية اعتراض وتفتيش ومصادرة المراكب التي يُشتبه في أن المهربين يستخدمونها، والقيام بعمليات اعتقال شرط عدم دخول المياه الإقليمية الليبية.
وقالت الدول الـ28 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي خلال اجتماع وزاري إن «الظروف توافرت» للانتقال بالعملية «ناف فور ميد» التي اطلقها الاتحاد الاوروبي في نهاية حزيران الماضي، الى المرحلة الثانية في عرض البحر.
وكانت هذه العملية التي تنفذها اربع سفن ونحو الف رجل، تقتصر على العمل انطلاقاً من المياه الدولية لمراقبة الشبكات الإجرامية الدولية التي ترسل مراكب متهالكة محملة بالمهاجرين الى إيطاليا انطلاقاً من السواحل الليبية.
وقال مسؤول اوروبي كبير الاسبوع الماضي «سنواصل المراقبة وإنقاذ المهاجرين لكننا سنعترض السفن ونلاحقها ونصعد على متنها ونوقف المهربين لاقتيادهم الى القضاء».
من جهتها، اكدت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغيريني ان «الاهداف ليست المهاجرين بل الذين يكسبون المال على حساب حياتهم وفي اغلب الأحيان من موتهم».
ولتعزيز هذه العملية، يحتاج الامر الى سبع فرقاطات اضافية يزوَّد بعضها بمعدات طبية، الى جانب مروحيات وغواصات وطائرات بدون طيار.
وستعتمد العملية الاوروبية خصوصا على قوات خاصة، هي الوحدات المسلحة البحرية، لاعتراض سفن المهربين، في تكتيك يُتَّبع باستمرار في العمليات ضد مهربي المخدرات.
لكن المرحلة الثانية من هذه المهمة لا يمكن ان تبدأ قبل مطلع تشرين الاول حسبما ذكر مصدر ديبلوماسي، لأن على الاتحاد الاوروبي تبني سلسلة من النصوص القانونية.
ومن المقرر ان يتم تسليم المشتبه فيهم الى السلطات القضائية الايطالية المكلفة ملاحقتهم بينما يُنقل المهاجرون الذين يتم إنقاذهم الى ايطاليا ايضا.
ويفترض ان تدمر العملية في اقرب موقع من الحدود الليبية المراكب التي يستخدمها المهربون وخصوصا «السفن الأم» التي تنزل الزوارق الهشة في عرض البحر.
لكن في غياب قرار لمجلس الامن الدولي يجيز استخدام القوة في المياه الإقليمية الليبيىة، فإن الاوروبيين لن يستطيعوا الاقتراب الى اقل من 12 ميلاً بحرياً من السواحل الليبية.