ذكرت صحيفة “السفير” انه للمرة الثانية هذا الصيف يعود قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني إلى موسكو. شهر أو أكثر بقليل يفصل الزيارة الثانية التي جرت قبل أسبوع، بحسب مصدر عربي، عن الزيارة الأولى التي جرت مطلع آب الماضي والتقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين، واحتجّت عليها واشنطن، نظراً لوضع سليماني على لائحة العقوبات الدولية، ونفتها موسكو.
المصدر العربي لم يذكر من هي الجهة التي تحدّث إليها المسؤول الإيراني الأول الذي ينسّق الجهد العسكري الإيراني في الساحتين السورية والعراقية ضد تنظيم «داعش».
والأرجح أن الزيارة تندرج في سياق الجهد الروسي والإيراني للعمل سوية على الأرض في سوريا، حيث يتمتع الإيرانيون بخبرة كبيرة على الأرض بعد ثلاثة أعوام من مشاركة ضباط الحرس الثوري في العمليات العسكرية. كما تندرج في سياق العمليات الروسية الجارية، لتعزيز القاعدة الجوية في مطار «حميميم» بالقرب من مدينة جبلة في الساحل السوري.
وتعزز هذه الزيارة الاتجاه إلى ترسيخ التعاون الإيراني ـ الروسي في سوريا، بانتظار أن تتضح معالم خطة العمل الروسية، بعد اكتمال الجسر الجوي بين موسكو واللاذقية في 24 أيلول الحالي، وتحديد موسكو «خريطة الطريق» الجديدة في سوريا.
وكان مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف سبق زيارة سليماني الأولى إلى موسكو، بوصوله في الرابع من آب الماضي إلى طهران، وإجراء مقابلات مع المسؤولين الإيرانيين، لا سيما رجل «الحرس الثوري» في الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان.
وكان بوغدانوف، مبعوث الرئاسة الروسية إلى الشرق الأوسط، قد توصل مع المسؤولين الإيرانيين آنذاك إلى وضع أسس التحالف الجديد بين طهران وموسكو لمواجهة «داعش» في سوريا. وتقول مصادر عربية إن الإيرانيين والروس توصلوا إلى تصور مشترك وخلاصات أمنية وسياسية للعمل معاً، للمرة الأولى في سوريا. ويدرك الإيرانيون أن العملية الروسية، ستشاركهم أعباء المعركة المقبلة التي يجري التحضير لها في سوريا، ضد «داعش»، ولاستيعاب الهجوم السعودي ـ التركي المضاد في الشمال السوري، وحول العاصمة دمشق، انطلاقا من الغوطة الشرقية.
وتتجه العمليات الروسية ـ الإيرانية إلى إقناع السعوديين بخطأ المغامرة في الحرب في سوريا وأنهم قادرون على الانتصار فيها، كما تلوح لهم بذلك تطورات اليمن وتقدم قوات «التحالف» نحو مأرب، والإعداد للهجوم على صنعاء.
إذ لا يمكن فهم العمليات التي تواصل السعودية تمويلها في الشمال السوري، والهجمات التي تشنها المجموعات التي تأتمر بغرفة عمليات إنطاكيا، إلا في إطار التصعيد الكامل في الإقليم، ورفض الاستجابة لأي مبادرات، سواء في اليمن، بعد عودة الرئيس اليمني المستقيل هادي عبد ربه منصور عن الموافقة على التفاوض مع «أنصار الله» بطلب سعودي، أو في إطلاق «جيش الإسلام»، الذي يقوده رجل السعودية زهران علوش، معركة ضد ضاحية الأسد ودمشق، والتي انتهت هي الأخرى إلى هزيمة، بعد خرق بسيط في مواقع الحرس الجمهوري، والاقتراب من سجن عدرا.
ويبدو أن السعوديين قد أطلقوا هذه العملية لتهديد دمشق، وتكرار عملية اجتياح عدرا العمالية قبل عامين ونصف العام ، بعد انحسار زخم الهجمات على الجبهة الجنوبية وعدم قدرة غرفة عمليات عمان، التي يعمل فيها السعوديون مع الأميركيين، على اختراق الجبهة الجنوبية السورية، والوصول إلى ريف دمشق الغربي، ومحاصرة اكبر تجمعات الفيلق الأول السوري في الصنمين، وتهديد دمشق نفسها.
وكان المتحدث باسم قيادة عملية «عاصفة الجنوب» ادهم الكراد قد أعلن قبل ثلاثة أيام انتهاء العملية، بعد خمس موجات من الهجوم بدأت في شهر تموز الماضي، منيت خلالها العاصفة السعودية – الأردنية – الأميركية بهزيمة مدوية، وقتل خلالها 800 مقاتل محلي. وأدت الحصيلة الضخمة من القتلى، في مجتمع عشائري، إلى خلافات بين الفصائل وإثارة النقمة عليها، وعدم القدرة قبل وقت طويل على إطلاق أي هجوم جديد، خصوصاً بعد موجة الهجرة التي تجتاح المنطقة هربا من تسلط المجموعات المسلحة. كما أدت إلى غضب العشائر على غرفة عمليات عمان التي باتت تحمّلها مسؤولية «كارثة» الخسائر البشرية التي لا تعوض، وإحجامها عن الحشد لأي عملية جديدة، مما دفع السعوديين إلى تحريك رجلهم في الغوطة زهران علوش لإبقاء الضغوط قائمة على دمشق ومنعها من الاستفادة من انتصارها.
كما أن العمليات، التي يمكن أن تشمل غارات جوية روسية، لن تقتصر على مواقع «داعش»، إذ يعمل الروس على الإعداد لبنك أهداف يشمل الجماعات الشيشانية والقوقازية التي جاءت بها الاستخبارات التركية إلى سوريا. وهناك مخاوف حقيقية روسية من أن تكون البؤرة السورية مجرد تمرين لهذه الجماعات، وان تقوم الاستخبارات التركية بنقلهم إلى القوقاز في ما بعد. كما أن الصينيين يشاركون الروس مخاوفهم، نظرا لنقل الأتراك آلاف المقاتلين «الاويغور»، من جماعة «الحزب التركستاني الإسلامي»، إلى سوريا مع عائلاتهم. ولعب هؤلاء المقاتلون دوراً أساسياً في غزو جسر الشغور، وفي عملية إسقاط مطار أبو الضهور الأسبوع الماضي. وتقول تقارير غربية إن أكثر من 15 ألف فرد من «الاويغور» انتقلوا مع عائلاتهم إلى سوريا، فيما تؤكد مصادر في المعارضة السورية أن أكثر من 3500 منهم استوطنوا قرية الزنبقي، المحاذية للحدود مع تركيا، في ريف ادلب، بعد طرد سكانها السوريين منها.
وتقول معلومات سورية لـ«السفير» إن الروس قد يبدأون قريباً تزويد سوريا بمروحيات مقاتلة من طراز «مي 28» المخصصة للقتال الليلي، والمزودة بمنصات تحمل 12 صاروخا مضادا للدبابات من طرازي «شتروم» و «اتاكا». وكانت دمشق طلبت الحصول على ٢٠ طوافة منها لتعزيز قدرة القوى الجوية السورية على إسناد العمليات البرية. وتقول مصادر سورية إن الروس وعدوا بتسليم الجيش السوري ثماني مروحيات «مي 28» في الأشهر المقبلة، من دون أن تحدد ما إذا كانت هذه الطوافات دفعة أولى مما طلبه السوريون، أو أنها كامل الصفقة المنتظرة. وكان عدد كبير من الخبراء الروس قد بدأ بالوصول إلى قاعدة «حميميم»، لإعداد الطيارين السوريين على العمل على النماذج الجديدة من الطوافات المقاتلة.
ولا تزال ردة الفعل الأميركية حتى الآن منضبطة تحت سقف السياسة المعتادة، بعدم الاصطدام مع الروس في سوريا، منذ صفقة الكيميائي السوري في أيلول العام 2013، والتي بادل فيها الروس مخزون الكيميائي السوري بإلغاء حرب كانت تعد لها واشنطن ضد سوريا ، بعد القصف الكيميائي في 20 أب العام 2013 على الغوطة الشرقية في دمشق، والتي اتهمت واشنطن دمشق بتنفيذه.
إذ جاء الرد الرئاسي الأميركي معتدلاً، مقتضباً، باقتصاره على «توقع فشل العملية الروسية في سوريا» على ما قاله الرئيس باراك أوباما، من دون الدخول في أي سجال.
وقال مسؤولان أميركيان إن روسيا نشرت عدداً من الدبابات (من طراز تي 90) والمدافع، لكنهما استدركا أنه لم تتضح بعد نيات أحدث تحرك لموسكو لنشر معدات عسكرية ثقيلة في سوريا. وقال المتحدث باسم «البنتاغون» جيف ديفيز «شهدنا تحرك أناس وأشياء في ما يشير إلى أنهم يعتزمون استخدام القاعدة هناك إلى الجنوب من اللاذقية كقاعدة عمليات جوية أمامية». وأضاف إن روسيا لم ترسل حتى الآن طائرات مقاتلة أو طوافات حربية إلى المطار.
واعتبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انه يتعين على فرنسا ان تشن ضربات جوية ضد «داعش» في سوريا. وقال «لقد أعلنا عن طلعات استطلاعية تسمح بالتفكير في شن ضربات إذا كان ذلك ضرورياً، وسيكون ذلك ضروريا في سوريا».
والأرجح أن يذهب الروس نهاية الشهر الحالي إلى تحديد «خريطة طريق» عمل بعثتهم العسكرية في سوريا، عبر الخطاب الذي سيلقيه الرئيس فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتحضيراً لذلك بدأت الديبلوماسية الروسية التمهيد لإطار دولي وقانوني لعمل بعثتها العسكرية في سوريا بالدفع إلى تبني بيان رئاسي لمجلس الأمن تقدم به مندوب الروسي فيتالي تشوركين، ينص «على الحاجة الطارئة لاتخاذ إجراءات لتسوية ومنع النزاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتحديد الخطوات الإضافية الممكنة للتصدي للأخطار الإرهابية في المنطقة»، وهو بيان يربط بوضوح مهمة القوات الروسية المحتملة والتعاون مع الإيرانيين والسوريين بمكافحة الإرهاب «بهدف سحق تحدي الإرهاب، وكذلك حشد جهود الأطراف السورية والإقليمية والأسرة الدولية بهدف التصدي لخطر الإرهاب الضخم، وذلك على أساس رفض الازدواجية واحترام مبادئ سيادة الدول»، وهي مقدمة أولى مما سيقوله بوتين في نيويورك.