ما إن ترتفع اسعار النفط العالمية حتى نلحظ ارتفاعات في عجز “مشاريع” الموازنات العامة في لبنان، كنتيجة طبيعية لارتفاع الفاتورة النفطية، لكن العملية العكسية لم تكن على قدر كاف من الوضوح والشفافية. فانخفاض سعر النفط عالمياً في المرحلة الأخيرة، وعلى رغم انعكاسه تراجعاً في الفاتورة النفطية في لبنان، إلا أن أثر الإنخفاض لم يكن واضحاً، في عجز الموازنة العامة.
مع ملامسة سعر برميل النفط الـ40 دولاراً، يصبح انخفاض مستوى العجز في الموازنة العامة أمراً بديهياً، لاسيما أن نحو 2 مليار دولار تذهب منها سنوياً لسداد كلفة عجز الكهرباء، غير أن واقع الأرقام يظهر عكس ذلك. إذ أن عجز الموازنة العامة مستمر بالإرتفاع بالرغم من تراجع التحويلات الى شركة الكهرباء، ما يطرح تساؤلات حول دقة الأرقام ومدى استفادة لبنان من تراجع اسعار النفط.
استناداً الى الأرقام، فإن برميل النفط لامس سعره مطلع العام 2014 نحو 110 دولارات ثم تراجع مطلع العام الحالي 2015 الى نحو 45 دولاراً، اي بنسبة قاربت 55%، وبما أن فاتورة لبنان الحرارية (فاتورة المشتقات النفطية يضاف إليها كلفة نقل ما يتم استيراده من الخارج) تبلغ نحو 5 مليارات دولار، يصبح من البديهي أن تتراجع الفاتورة الحرارية بما لا يقل عن 3 مليارات دولار، وينخفض بالتالي عجز الموازنة العامة، وهو ما لم يحصل. فعجز الموازنة آخذ بالإرتفاع، وبحسب الخبير الإقتصادي الدكتور جاسم عجاقة سجّل العجز نحو 7650 مليار ليرة عام 2014 أي أكثر من 5 مليارات دولار، ومن المتوقع ارتفاعه الى نحو 10000 مليار ليرة اي قرابة 6.6 مليارات دولار في العام الحالي، ووفق عجاقة كان “العجز مرشّحاً للإرتفاع أكثر إذا ما استثنينا أثر انخفاض سعر برميل النفط وتراجع الفاتورة الحرارية”. ويرى في حديث الى “المدن” أن “الفساد المُستشري في القطاع النفطي ورواج العمولات في صفقات المشتقات النفطية المُستوردة، إضافة إلى غياب الرقابة، تحرم لبنان من الإستفادة من انخفاض اسعار النفط عالمياً”.
وعلى الرغم من انخفاض التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 39.5% أي نحو 618.9 مليار ليرة، ما يوازي 410 ملايين دولار، فإن العجز ارتفع في الفصل الأول فقط من العام الجاري بما يفوق 26%، عما كان عليه في الفترة المماثلة من العام 2014، أي من 840 مليون دولار الى 1062 مليون دولار. وهو ما دفع عجاقة الى التأكيد أن “الأموال التي سيتمّ توفيرها من إنخفاض أسعار النفط ستذهب إلى سدّ عجز الدولة المتنامي أكثر من قيمة التوفير في الفاتورة الحرارية، ما يعني زيادة العجز بالمُطلق، وتحوّله تالياً إلى دين عام”.
هذه الأرقام وإن كانت رسمية تبقى أرقاماً إفتراضية، فلا أحد يمكنه التحقق من حجم التوفير الفعلي الذي طرأ على الخزينة العامة، جراء انخفاض أسعار النفط العالمية، ومرد ذلك بحسب عجاقة، يعود الى غياب موازنة عامة شفافة، كما لا يوجد قطع حساب للموازنة، وهذا ما يُفقد الأرقام المالية الدقة والشفافية.