خطف الأمن الأنظار عن الحوار، سواء الملتئم اليوم في مجلس النواب، أو الذي سبقه، ليل أمس، في عين التينة بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، خصوصا في ضوء ما يمكن تسميته تحولا في تعامل بعض التنظيمات الارهابية مع الواقع السياسي والأمني اللبناني، عبر اعطاء «أوامر شرعية» بالانخراط في الحراك المدني.. وصولا الى وضع «أهداف» تتمثل بالاساءة الى شخصيات سياسية وأديان.
فقد تمكن الأمن العام والجيش اللبناني من تحقيق إنجازين أمنيين كبيرين، تمثل الأول بإلقاء القبض على أمير «داعش» في عرسال المدعو ابراهيم قاسم الأطرش الملقب بـ«أبو المعتصم» «أبو حسن» و«ابراهيم طرق» وهو متورط في قضايا ارهابية عدة، أبرزها تفجير الرويس في الضاحية الجنوبية في السادس عشر من آب 2013 الذي ذهب ضحيته عشرات الشهداء والجرحى فضلا عن تدمير حي بكامله.
أما الإنجاز الثاني فتمثل بإلقاء القبض على شخصين في الشمال ينتميان الى «داعش» وهما جزء من خلية سبق أن كلفت بمهام أمنية عدة تطال بشكل أساسي الجيش اللبناني في مناطق الشمال، وأعطاها أميرها المدعو (نبيل س.) «الأمر الشرعي» بالانخراط في الحراك المدني في العاصمة، واطلاق شتائم واهانات خلاله ضد وزير الداخلية نهاد المشنوق، وكتابة عبارات نابية ومسيئة على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وفي التفاصيل، كما أوردتها «السفير» أن قوة كبيرة من اللواء الثامن في الجيش اللبناني نفذت قرابة العاشرة والنصف من صباح أمس، عملية أمنية خاطفة في «حي الشفق» في جنوب بلدة عرسال، لم يتخللها اي اشتباك برغم وجود عدد من عناصر «داعش» كانوا يتولون حراسة منزل الأطرش ومواكبته، وقد انقضت القوة على الأطرش في أثناء انتقاله من منزله الى ملحمته على بعد حوالي عشرين مترا، حيث تم اقتياده الى داخل سيارة مدنية غادرت المكان بسرعة، فيما كانت قوة أمنية تضرب طوقا حول المكان، وسط دهشة الحاضرين في الملحمة ممن كانوا ينتظرون الأطرش كعادتهم.
يذكر أن الأطرش من مواليد العام 1968 وهو ملاحق منذ نحو سنتين، وكان من بين أوائل المتعاملين مع المجموعات الارهابية التي تمركزت في جرود عرسال بعد اندلاع الأزمة السورية، وساهم مع أمير «النصرة» الحالي في القلمون أبو مالك التلي في تشكيل مجموعات «النصرة» في جرود عرسال، وتولى مسؤولية «لواء الحق» قبل أن يبايع تنظيم «داعش» الذي عيّنه أميرا على عرسال.
وفور توقيفه، تم نقله الى مقر وزارة الدفاع في اليرزة، لتبدأ مديرية المخابرات التحقيق معه بالتوازي مع مداهمات في منطقة عرسال تم خلالها إلقاء القبض على بعض المتورطين معه، بالاضافة الى مصادرة مضبوطات وأجهزة الكترونية ومتفجرات.
ولن يكون التحقيق وحده العنصر المحدد لخطورته وأدواره كمخطط ومحرك، اذ أن اسمه ورد في افادات العديد من الموقوفين، ولا سيما في مجال التخطيط لعمليات ارهابية ضد مناطق لبنانية معينة، بالاضافة الى استهداف الجيش اللبناني.
وقال مرجع أمني واسع الاطلاع لـ«السفير» ان توقيف الأطرش يعد من الإنجازات الكبيرة في مجال مكافحة الارهاب، وسيبين التحقيق معه ما يمتلك من معلومات خطيرة، وخصوصا أنه متورط في الهجوم الذي تعرض له الجيش في الثاني من آب 2014، بما في ذلك خطف العسكريين (في الجيش وقوى الأمن) وتصفية بعضهم، كما أنه مسؤول عن اغتيال قياديين في «الجيش السوري الحر»، أبرزهم العقيد المنشق عن الجيش السوري عبدالله الرفاعي (يتردد أنه قتله بيده في أحد شوارع عرسال على مرأى من أهل البلدة)، وهو شارك في ادخال العديد من السيارات المفخخة من القلمون السوري الى عرسال عبر جرد البلدة، وتم لاحقا ارسالها الى مناطق لبنانية عدة، وأبرزها السيارة التي انفجرت في محلة الرويس. كما شارك في اطلاق صواريخ على مدينة الهرمل وبلدة اللبوة، فضلا عن استهداف مواقع عدة للجيش اللبناني في المنطقة، وتفجير سيارة في منطقة البقاع الشمالي.
وأعلنت قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه رسميا عن توقيف الارهابي الأطرش «في عمليّة عسكريّة نوعيّة»، وأشارت الى مسؤوليته عن تفخيخ سيارات عدة «آخرها سيارة نوع جيب شيروكي، بالإضافة إلى إطلاق النار على عدد من المواطنين والتسبّب بمقتلهم وإصابة البعض بجروح خطيرة».
وأكد المرجع الأمني نفسه لـ «السفير» أن الجيش تمكن منذ 2 آب 2014 من إلقاء القبض على حوالي 200 إرهابي.
ومن الشمال، ذكرت «السفير» أن الأمن العام، وبعد ملاحقة على مدى خمسة شهور، تمكن من إلقاء القبض على (خالد ش.) و(عبد الرزاق أ.)، وهما ينتميان الى مجموعة في تنظيم «داعش» يقودها أحد أبرز الارهابيين المطلوبين في الشمال حاليا وهو (ناجي س.) الذي كان سابقا على تواصل مع اسامة منصور، ويستمر حاليا بالتواصل مع شادي المولوي، وكان من أوائل الملتحقين بتنظيم «الدولة الاسلامية» في الشمال بعد اعلان بيعته لابي محمد العدناني.
وقد تنقل (ناجي س.) في السنوات الأخيرة في العديد من مناطق طرابلس والشمال قبل أن يختار في الآونة الأخيرة التموضع في جرود الضنية، وهو من أبرز أذرعة «داعش» في الشمال، وثمة انطباع لدى الأجهزة الأمنية بأنه على قدر عال من الاحتراف، وقد تمكن عبر مواقع التواصل الاجتماعي من تجنيد عشرات الشبان في الشمال، ويتميز بقدرة على إدارة تنظيم عمودي، أي المجموعات المغلقة، وغالبا ما تكون المجموعة عبارة عن فرد واحد، بحيث اذا تم إلقاء القبض على حلقة لا تصيب باقي الحلقات.
ووفق الرواية الأمنية، فإن (ناجي س.) الملقب بـ «أبو مصعب» من بحنين في قضاء المنية (مواليد العام 1977)، وكان قد لعب دورا في تحريض عدد من العسكريين على الانشقاق من الجيش اللبناني، وساهم بتهريب أحدهم والتحاقه بتنظيم «داعش»، وعندما حصل الحراك المدني في شهر آب الماضي في العاصمة بيروت على خلفية ملف النفايات، طلب من (خالد ش.) وهو من «القمامين» في الضنية، اختيار شخص أو أكثر من أجل تكليفهم بمهمة في هذا الحراك. وبعد فترة قصيرة، تبلغ ناجي من خالد أنه تمكن من تجنيد (عبد الرزاق أ.) من بلدة برقايل العكارية (حاصل على شهادة «غرافيك ديزاين»)، واتفق معه على التوجه الى بيروت للمشاركة في احتجاجات رياض الصلح.
وبالفعل توجه عبد الرزاق الى اعتصام رياض الصلح الذي توسع في إحدى مراحله باتجاه ساحة الشهداء، وتلقى أمرا بشتم وزير الداخلية نهاد المشنوق أمام المتظاهرين ووسائل الاعلام، وبالفعل بادر الى فعل ذلك أكثر من مرة، وهو أمر أقر به في افادته أمام المحققين، كما تلقى أمرا من خالد بكتابة عبارات نابية ومسيئة على ضريح الرئيس الحريري قرب مسجد محمد الأمين في وسط العاصمة، وكان جواب عبد الرزاق أن هذا الأمر قد يؤدي الى فتنة كبيرة، فسارع خالد الى ابلاغه ان ما يطلبه منه هو «أمر شرعي» غير قابل للنقاش، وتبين لاحقا أن عبد الرزاق أعطى موافقته على ما طلب منه بواسطة رسالة قصيرة (اس ام اس)، غير أنه قال للمحققين أنه لم ينفذ المطلوب منه في الضريح برغم وجوده قربه ليلة اكتشاف العبارات المسيئة، وخصوصا تلك التي تثير الفتنة المذهبية.
وأعلنت المديرية العامة للأمن العام في بيان لها أنه «في إطار متابعة نشاطات المجموعات الارهابية والخلايا النائمة التابعة لها وتعقبها، وبناء على إشارة النيابة العامة المختصة، أوقفت كلا من اللبنانيين (خ.ش) و(ع.أ)، لانتمائهما إلى تنظيم داعش الإرهابي واشتراكهما مع اللبنانيين (ع.ع) و(ع.م) على تأليف شبكة ارهابية للتنظيم المذكور برئاسة اللبناني (ن.س) كانت تخطط للقيام بعمليات تفجير واعداد العبوات الناسفة لاستهداف مراكز وآليات وعناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية بالإضافة الى تكليف هذه المجموعة لبعض المندسين بالانخراط بتظاهرات الحراك المدني الاخيرة في وسط بيروت والقيام بشتم المسؤولين وكتابة عبارات مسيئة ونابية على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري وذلك بهدف إثارة الفتنة والنعرات الطائفية».