Site icon IMLebanon

بكين تستخدم قوتها «الناعمة» في الضغط على واشنطن

U.S. President Barack Obama and Chinese President Xi Jinping shake hands at the end of their news conference in the Great Hall of the People in Beijing
جيف داير وريتشارد ووترز

عندما زار الرئيس الصيني السابق، هو جينتاو، الولايات المتحدة عام 2006، أول محطة له كانت مصنع بوينج في سياتل. بعد خطاب ألقاه هناك، أحد العاملين في المصنع عانقه عناقا حارا ووضع قبعة بيسبول على رأسه. ومع وقوف الحشود للتصفيق، ألان مولالي، الرئيس التنفيذي لقسم الطيران في الشركة آنئذ، رفع قبضته في الهواء وصرخ: “الصين رائعة!”.

بعد عقد تقريبا، الرئيس الصيني الحالي، تشي جينبينج، سيبدأ من سياتل زيارة رسمية للولايات المتحدة في وقت لاحق هذا الشهر، تتضمن جلسة خاصة مع بعض نجوم صناعة التكنولوجيا في الولايات المتحدة. وقد دعي أكثر من عشرة رؤساء تنفيذيين – منهم تيم كوك من شركة أبل، وجيني روميتي من شركة آي بي إم – للقاء الزعيم الصيني في جلسة يستضيفها المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، بيل جيتس. وسيحضر أيضا رؤساء عدد من شركات الإنترنت في الصين مثل “علي بابا” و”بايدو”.

لكن الرئيس تشي سيجد نفسه في جو سياسي مختلف جدا ومشحون أكثر. الاجتماع مع المسؤولين التنفيذيين للتكنولوجيا الأمريكية محفوف بالرمزية السياسية، لأنه سيجري في وقت تختلف فيه واشنطن وبكين حول كثير من القضايا الجوهرية لمسيرة الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين؛ الجريمة الإلكترونية، وحقوق الملكية الفكرية، والتجسس، والوصول إلى الأسواق، وحوكمة الإنترنت. ومع بقاء أقل من أسبوعين على زيارة الرئيس تشي الرسمية، تدرس إدارة أوباما فرض عقوبات إلكترونية على الشركات الصينية التي تعتقد أنها سرقت أسرارا تجارية أمريكية. في الوقت نفسه بكين حريصة على إظهار علاقاتها الوثيقة مع شركات التكنولوجيا الرائدة في أمريكا. وعلى الرغم من أن بعض الشركات الأمريكية مسرورة للحصول على فرصة لبناء علاقات مباشرة مع زعيم الصين، إلا أن هناك شركات أخرى تنظر إلى الدعوة للقاء الرئيس تشي – وفقا لأحد المسؤولين التنفيذيين – على أنها “ليست بعيدة كثيرا عن استدعاء” من الصينيين.

اجتماع سياتل يعد مواجهة من النوع الذي عادة ما يسعى الزعيم الصيني لترتيبه، لكن الاجتماع يتخذ أهمية سياسية كبيرة نظرا لجدل يدور في الإدارة الأمريكية حول العقوبات في الفضاء الإلكتروني. ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة: “أنا اعتقد أنه يحاول إهانة الحكومة الأمريكية”.

رحلة الرئيس تشي إلى الولايات المتحدة، التي تشتمل على زيارة رسمية في 25 أيلول (سبتمبر)، كان من الممكن أن تكون بالفعل ممارسة حساسة نظرا للتوترات بشأن بحر الصين الجنوبي والحملة الانتخابية المليئة أصلا باللغة الخطابية المناهضة لبكين. والنزاع بشأن العقوبات التكنولوجية يمنح الزيارة ميزة إضافية. مجتمع الأعمال الأمريكي رأى نفسه فيما مضى وسيطا تقريبا في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، تجسيدا للمصير الاقتصادي المتشابك بين البلدين، ولاعبا دبلوماسيا كان في بعض الأحيان قادرا على التخفيف من حدة الجدالات السياسية.

لكن العولمة والشؤون الجيوسياسية أصبحتا متشابكتين بشكل أكثر حدة خلال العقد الماضي، والشركات الأمريكية تجد نفسها وسط منافسة متزايدة بين اثنين من أكبر الاقتصادات في العالم.

لا يوجد مكان حيث يعتبر هذا صحيحا أكثر مما هو في صناعة التكنولوجيا. الشركات الأمريكية غير سعيدة بخطط الصين للحصول، بقوة عضلاتها، على امتيازات مهمة، مثل الوصول إلى تكنولوجيات جديدة، مقابل إمكانية الوصول إلى سوقها الشاسعة. لأعوام تشتكي صناعة التكنولوجيا الأمريكية بشأن محاولات القراصنة الصينيين سرقة الملكية الفكرية. لكن الشركات أيضا لا تزال تتخذ موقفا عدائيا بسبب تسريبات إدوارد سنودن حول تجسس الحكومة الأمريكية الذي عرض الثقة مع زبائنها للخطر. الاجتماع مع الرئيس تشي سيجعل صناعة التكنولوجيا أقرب بكثير للمعترك السياسي.

يقول آدم سيجال، مختص السياسة التكنولوجية الصينية في مجلس العلاقات الخارجية: “يتم سحب شركات التكنولوجيا في اتجاهات عديدة من قبل كلتا الحكومتين في ما أصبح علاقة أكثر تعقيدا بكثير”. ويضيف: “معظمها لا تحب أن تكون عالقة في الوسط”.

وعلاقة مجتمع الأعمال الأمريكي مع الصين بدأت تتغير في عام 2006، عندما بينت بكين أفكارها أول مرة حول “الابتكار المحلي” – خطة لجعل البلاد أقل اعتمادا على التكنولوجيا الأجنبية. وتسارعت المخاوف في عام 2009، عندما أشارت الحكومة إلى أن الشركات ذات التكنولوجيا المطورة محليا فقط ستكون قادرة على تقديم العطاءات لعقود المشتريات العامة. وتفاقم الشعور بأن الصين بدأت تصبح مكانا أكثر عدائية بالنسبة للشركات الأمريكية عندما أغلقت جوجل عمليات البحث التابعة لها في البلاد بعد الوقوع ضحية لعمليات قرصنة ورقابة متطورة. وبدلا من رؤية نفسها قناة بين الحكومتين، بدأت الشركات الأمريكية تضغط بكثافة أكثر على واشنطن من أجل الدعم ضد السياسات الصينية التي كانت تبدو مصممة إما لإبعادها عن القطاعات الكبيرة في السوق الصينية وإما الضغط عليها لتسليم التكنولوجيات الرئيسية. وفي الآونة الأخيرة تعرضت شركة مايكروسوفت لمشاكل في الصين. وفي العام الماضي داهم محققون حكوميون مكاتبها وتم حظر برنامج ويندوز 8 عن أجهزة الكمبيوتر الحكومية، وسط ادعاءات بأنها يمكن أن تستخدم من قبل الحكومة الأمريكية لسرقة بيانات خاصة. مع ذلك، شعور الشركات الأمريكية بالإحباط مع بكين لم يترجم إلى دعم متحمس لحملة إدارة أوباما ضد ما تدعوه “السرقة الإلكترونية” الصينية.

ومنذ عام 2013، تحاول الحكومة الأمريكية زيادة الضغط على بكين للحد من استخدامها للقراصنة العسكريين وغيرهم لسرقة الأسرار التجارية للشركات الأمريكية. وفي العام الماضي، أصدرت وزارة العدل الأمريكية لوائح اتهام ضد خمسة من ضباط جيش التحرير الشعبي الصيني بسبب قرصنة تعرضت لها الشركات الأمريكية، بما في ذلك ويستنجهاوس وشركة الصلب الأمريكية. وفي الأيام الأخيرة، أثار مسؤولون في الإدارة احتمال المضي قدما بفرض عقوبات على الشركات والأفراد المتورطين في السرقة الإلكترونية. ويقول بعض المسؤولين إن العقوبات الأولى يمكن أن تأتي قبل زيارة الرئيس تشي.

وكثير من شركات التكنولوجيا كانت غاضبة من الاتهامات الإلكترونية الموجهة للصينيين العام الماضي، لأنها تخشى أنها ستكون بمنزلة أهداف واضحة للانتقام. واحتمال فرض العقوبات قبل زيارة الرئيس تشي، وفقا للبعض في الصناعة، استفزاز أكبر دون داع. ويأتي لقاء الرئيس تشي بالمسؤولين التنفيذيين في الصناعة وسط هذه الأجندات السياسية المتصارعة والمتأرجحة. ومن بين الحضور المتوقعين رئيس مجلس إدارة شركة سيسكو، جون تشامبرز. وتم توجيه الدعوة إلى مارك زوكربيرج، مؤسس فيسبوك، المحظورة في الصين، لكنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيحضر.

بالتوازي مع زيارة الرئيس تشي لسياتل، يعقد منتدى صناعة الإنترنت الصينية ـ الأمريكية مؤتمره العادي الذي يمكن أن يمنح المواجهات بين المسؤولين التنفيذيين في الصناعة والزعيم الصيني هالة من “العمل كالمعتاد”. مع ذلك، مثل هذا الاجتماع رفيع المستوى مع الشركات الأمريكية يرسل أيضا رسالة واضحة حول النفوذ السياسي الصيني. قال أحد المسؤولين التنفيذيين في الصناعة ـ مقره في واشنطن ـ إن الشركات الأمريكية لم تكن مرتاحة من الانطباع بأن الحكومة الصينية تستغلها، لكنها أيضا لم ترغب في صد الرئيس تشي.

ويأتي الاجتماع مع الرئيس تشي مع بدء عدد من الشركات الأمريكية إظهار علامات على أنها على استعداد لتلبية بعض مطالب بكين بشأن إمكانية الوصول إلى السوق الصينية، سواء كانت تتضمن الرقابة أو نقل التكنولوجيا.

ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين عن تصميم الرئيس تشي اتباع استراتيجية “الابتكار المحلي” إنه “يريد بناء الصناعة الخاصة به. لكن الفرص هائلة بالنسبة لبعض من هذه الشركات على المدى القريب”. وشركة أبل هي قصة النجاح المميزة، مع ارتفاع مبيعات جهاز الآيفون بنسبة 75 في المائة في الصين العام الماضي. وبحسب أحد المسؤولين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا “الصين كانت تثير المتاعب في وجه [شركة أبل]. لكنها الآن تمارس التصنيع هناك أكثر بكثير”.

وبعد تسريبات سنودن، ضاعفت الصين جهودها لبناء تكنولوجيا المعلومات والبنية التحية للاتصالات الخاصة بها، الأمر الذي يلحق الضرر بمبيعات شركات مثل “آي بي إم” و”سيسكو”. ومنذ ذلك الحين عملت شركة آي بي إم على تغيير استراتيجيتها، بفتح خادم التكنولوجيا الخاص بها للشركات الصينية من أجل بناء أجهزتها بدلا من محاولة بيع جميع المعدات الخاصة بها. وشركة رقائق الهاتف الخليوي، كوالكوم، تمكنت أخيرا من تسوية قضية مكافحة احتكار في الصين، من خلال الموافقة على خفض معدلات الريع لشركات التصنيع الصينية. والآن تسعى “جوجل” إلى العودة إلى الصين. ووفقا لأشخاص مطلعين على خططها، كانت تسعى للحصول على الموافقة على نسخة صينية من متجرها Play – الذي هو بوابتها لتطبيقات وألعاب أندرويد. وفي حال الموافقة على نسخة حذفت منها بعض الجوانب، وجردت من فئات كاملة من التطبيقات التي يمكن أن تثير الاستياء، فإن هذا سوف يعطي “جوجل” سبيلا للاستفادة من السوق “غير الرسمية” الضخمة لهواتف أندرويد في الصين.

كذلك يمكن لمتجر التطبيقات المحدود أن يكون طريقة مستساغة للانحناء أمام طلبات الرقابة، بدلا من إعادة إدخال خدمة بحث سبق أن أكرهت الشركة على تجريد نتائجها بحسب كل بحث على حدة. وإذا استطاعت “جوجل” شق طريق العودة، فستكون هذه علامة مهمة على أن شركات التكنولوجيا الأمريكية مستعدة لتقديم تنازلات إلى الصين.

في مقابلة مع مجلة “فوربس”، قال سوندار بيتشاي، وهو تنفيذي أعلى في جوجل: “أندرويد يحرك كثيرا من الابتكارات في الصين. وهذا أمر مهم بالنسبة لي. سيكون من دواعي سروري أن أخدم المستخدمين الصينيين”.