45 دقيقة والعيون مسَمّرة باتجاه الشيخ أحمد الأسير الذي مثلَ أمام المحكمة العسكرية الدائمة للمرّة الأولى بعد ضبطه في مطار رفيق الحريري الدولي متخفّياً. 45 دقيقة نطقَ الأسير خلالها مرّة واحدة بـ«نعم» عند مناداته، ووقفَ خلالها مرّتين عند افتتاح الجلسة وعند ذكر اسمه. قبل أن يتمّ لاحقاً إرجاء الجلسة إلى 20 تشرين الأوّل 2015. ملّالات مزروعة في الاتجاهين على طول الطريق، عناصر من القوى الأمنية منتشرون في كل الاتجاهات، سيارة للدفاع المدني مستنفرة، أسلاك شائكة، تدابير مشدّدة، وكأنّ «الرمل مغربل»، فالتدقيق 10/10 بكلّ شاردة وواردة. المشهد أمنيّ بامتياز في محيط المحكمة العسكرية.
«يا مرسيدس قدِّم، ويا «فان» رجاع… المهم فتَحو الطريق»، ينادي شرطي السير الواقف على الرصيف أمام المحكمة، وهو يومئ بيمينه على عجَلةٍ من أمره، مسابقاً عملية إحضار الموقوفين.
والدا الأسير حضرا باكراً
قرابة التاسعة صباحاً وصل والدا الأسير إلى موقف للعموم يَبعد بضع أمتار عن يمين المحكمة، في سيارة يقودها أحد «الشباب المحبّين»، على حدّ تعبير الوالدة، قبل أن تتوجه وزوجَها سيراً في اتجاه المحكمة. تباعاً بدأ يصل المحامون، ويتجمّع الصحافيون في بهو المحكمة، أمّا المصوّرون فبقوا خارجاً على الخط المقابل للمحكمة يتحيّنون اللقطات.
بقيَ المشهد على حاله إلى أن أعطى أحد الضباط الإذن للمحامين بالدخول أوّلاً، عند الحادية عشرة وخمس دقائق، ثمّ أومأ للصحافيين بالدخول حيث لم يكن أمامهم من خيار إلّا الجلوس إمّا في الصفّين الأوّلين عن يمين القوس أو عن شماله، بعدما حُجزت المقاعد الأمامية المحاذية لقفص الاتهام للمحامين فقط، على غير عادة.
ما استدعى تعليق أحد الصحافيين: «ليش غيّرتوا مطارحنا، لا منِسمع ولا مِنشوف»، فجاء الردّ من الضابط عينه: «اليوم كلّ شي غير». سرعان ما رضوا بأماكنهم منشغلين في ترَصّد مكان جلوس الأسير.
أجواء قاعة المحكمة
بدا المشهد مكتظاً داخل القاعة، وقد غلبَ عليه الحضور العسكري الأمني بامتياز، توازياً مع انتشار عدد من الموقوفين على مقاعد المحكمة بينهم نعيم عباس، بعدما ضاق بهم قفص الاتهام، بالإضافة إلى حضور المُخلى سبيلهم في المقاعد الخلفية.
إستمرّت عيون الصحافيين والمحامين تغزل على حدّ سَواء، والتكهّنات عامرة، بين «جابوا الأسير؟ أو ما إجا؟». إلى أن افتتِحت الجلسة عند الحادية عشرة والربع برئاسة العميد الركن الطيار خليل ابراهيم وحضور ممثل النيابية العامة العسكرية مفوّض الحكومة المعاون لديها القاضي هاني حلمي الحجار.
وفي اللحظة التي أطلِق فيها الأمر: «تأهّب محكمة»، تشابكَت نظرات الحاضرين، وتلفّتوا يميناً وشمالاً بحثاً عن ملامح الأسير بين الوجوه الواقفة. فبان رأسه حليقَ الشعر، يعتمر قبّعة بيضاء، ولكن تعذّرَت رؤية تفاصيل وجهه نظراً للحراسة المشدّدة المفروضة عليه، 3 عسكريين خلفَه، و3 أمامه و2 عن جانبيه.
كيف بدا الأسير؟
سرعان ما بدأ القاضي ابراهيم تلاوة أسماء المدّعى عليهم، وكان أوّلهم «أحمد محمد هلال الأسير الحسيني» وفقاً للهوية، لوهلةٍ ساد الصمت، واستدارت العيون بفضول مجدّداً تبحث عن إمام مسجد بلال بن رباح.
وقفَ الأسير عند مناداته، مجيباً بـ «نعم» هادئة، باردة، خافتة النبرة، غيرَ مجاهر بصوته، وقد بدا وجهه خالياً من التعبير، لباسُه أقرب إلى إطلالته الأولى قبل أحداث عبرا، فكان يرتدي عباءة بيضاء تميل إلى الأصفر، وحذاءً أسود قديماً.
غابت لحيته الطويلة، إلّا أنه لم يكن حليق الذقن، بل مع شاربين خفيفين. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنه لم يظهر على الأسير أيّ أثر للضرب أو التعذيب، إنّما قد خسرَ شيئاً من وزنه، ما انعكسَ على وجنتيه غير المنتفختين.
واصَل إبراهيم تلاوة أسماء المدّعى عليهم، وانتقل لتلاوة أسماء المحامين، فيما الأسير بقي مكتوف اليدين، عيناه شاردتان خلف نظاراته الطبّية، مشتّت الذهن، يتأمل وجوه الحاضرين. لازَم مكانه طوال الجلسة، عن شمال قوس المحكمة، جلس على بنك صغير في الصف الرابع، لا يتّسع إلّا لشخصين، وإلى أحد جانبَيه العسكريان أمّا إلى جانبه الثاني فحائطٌ وقفَ بمحازاته أحدُ الأمنيين. بين الفَنية والأخرى كان الأسير يَفرك وجنتيه بيده اليمنى، ويلامس شاربَيه وأنفه.
أمّا والدا الأسير فواصَلا استراق النظر على ابنهما من خلف بزّات القوى الأمنية. بدا التعبُ على ملامح والدته التي مسَحت دمعتها وهي تسند خدّها بيدها اليمنى، أمّا زوجها فبدا أكثر تماسكاً ظاهرياً، أمّا داخلياً فبركان يغلي في صدره بعدما استمرّ يفرك كلتا يديه ببعضهما.
قرابة الحادية عشرة والنصف انتهى إبراهيم من تلاوة الأسماء، وتقدّم وكلاء الدفاع عن الأسير من المنصة أمام قوس المحكمة، وهم 3 محامين: عبد البديع عاكوم، محمد صبلوح، أنطوان نعمة، وقد طلبوا الاستمهال للاطّلاع على الملف وتقديم دفوع شكلية. وأشاروا إلى تقديم طلب للجنة طبّية لمعاينة الأسير، فردّت المحكمة بأنّ الطلب عند تقديمه سيُعرض على النيابة العامة قبل أن تأخذ المحكمة قرارها.
ماذا بعد الجلسة؟
قرابة الثانية عشرة ظهراً، وبعد الاتفاق على ضمّ التحقيقات الأوّلية وإفادات الأسير أمام مديرية المخابرات إلى دعوى أحداث عبرا للتلازم بينهما، أرجئت الجلسة كما كان متوقعاً، إلى 20/10/2015.
وعقبَ انتهاء الجلسة قابلَ الأسير والديه في غرفة جانبية في المحكمة لدقائق معدودة، ولكن سرعان ما خرجا رافضَين الحديث لأيّ وسيلة إعلامية في بهو المحكمة. وفي الخارج أكدت والدة الأسير لـ«الجمهورية»: «تمكنتُ من رؤية ابني «قرّبت بِستو»، ولم نتمكن من التحدّث عن شيء وسط الحضور الأمني». أمّا والده فقال لـ»الجمهورية»: إطمأنّيت إلى صحّته، والحمدالله كلّ شي عندو، وأدويتُه متوافرة».
بعد انتهاء الجلسة، وتأجيل محاكمة الأسير، نفّذ أهالي الشهداء في معركة عبرا وقفةً احتجاجية أمام المحكمة العسكرية. وقد أعلن الناطق الإعلامي باسم محكمة الشعب المحامي قاسم حدرج، «أنّ محكمة الشعب بصَدد القيام بإجراءات فعّالة لإحالة ملف الأسير إلى المجلس العدلي». وأوضح «أنّ الجرائم التي ارتكبها الأسير، وحسب الشروط القانونية، تُعتبر جرائم وطنية بامتياز».
في الختام، تبقى صرخة هؤلاء الأهالي جرس الإنذار الأساس في مخاطبتهم «السلطة السياسية وأمراء الطوائف، لم يبقَ إلّا القضاء اللبناني الذي يمكن أن يحمينا، ولم تبقَ إلّا هذه المؤسسة التي إذا لم ترفعوا أيديكم عنها ستكون هناك مشكلة كبيرة».