وعلى ما يبدو فإنّ القرارات التي اتُخذت خلال اجتماعات مجموعة الـ ٢٠ في بريسبان اوستراليا في شهر تشرين الثاني الماضي والتي التزم فيها المشاركون بزيادة هذه الاستثمارات بنسبة ٢ بالمئة اصبحت مجرد حبر على ورق مع تزايد تحويل الموارد بعيداً من الاستثمار في القوى المنتجة وضخ مبالغ هائلة في الاسواق المالية، من دون أيّ انتعاش للاقتصاد العالمي.
وانخفضت نسبة النموّ وأصبحت دون التوقعات في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان وغيرها من الدول وباعتراف صندوق النقد الدولي أنّ توقعات النموّ نتيجة انخفاض اسعار النفط لم تتجسّد والمخاطر على الاقتصاد العالمي قد ارتفعت متزامِنة مع توقعات أضعف.
ودليل آخر على ضعف الاقتصاد العالمي بيانات التجارة العالمية والتي صدرت الشهر الماضي وبيّنت أنّ التجارة العالمية تراجعت في النصف الاول من العام ٢٠١٥ أكثر من أيّ وقت مضى منذ ذروة الازمة المالية في العام ٢٠٠٩.
هذه هي الاجواء الاقتصادية العالمية المخيّمة على اجتماع مجموعة الـ ٢٠ في تركيا لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية- وقد يكون من المستحسن إعطاء انطباع أنّ مجموعة الـ ٢٠ لديها خطة تمنع الامور من الانزلاق حتى تصبح خارج السيطرة ما يعني المزيد من عدم اليقين والتقلبات.
لكن وعلى ما يبدو جاءت هذه القمّة لتؤكّد عجز القوى الرأسمالية الكبرى عن اتخاذ أيّ تدابير أو أيّ إجراءات من شأنها تحسين الوضع أو أقله تفادي الأنزلاق أكثر أو لوقف هذا النزف والحدّ من أزمة تجاوزت حدود الدول لتصبح أزمة عالمية طالت الدول المتقدمة والناشئة.
أضف الى ذلك أنّ هذا الاجتماع انعقد في خضمّ الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية وسط تزايد المخاوف ممّا يجرى في الصين وما سوف ينتج عن اجتماع الفيدرالي الاميركي المنتظر ومع عمليات حقن الاموال التي تسير في اتجاهات انكماشية على عكس ما هو متوقع.
لكن وعلى ما يبدو جاءت تعليقات المسؤولين متفائلة لا سيما وزير المالية الالماني Schauble ومفوّض الاتحاد الاوروبي للشؤون الاقتصادية موسلوفيتش والمدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد والذين حاولوا بطريقة او بأخرى إظهار تفاؤل على رغم تباطُؤ النموّ الصيني نتيجة الحوار الذي جرى مع المسؤولين الصينيين خلال قمة الـ ٢٠.
وفي خضمّ هذه الصورة نرى أنّ ما قاله وزير المالية الكندي لوكالة رويترز هو الواقع الحقيقي لما يجرى على الساحة الدولية إذ إنه قال «إنّ التركيز سوف يكون على كيفية التعامل مع عدم الاستقرار وكيفية الحصول على النموّ مرة أخرى».
أما الواقع الحقيقي فهو أنّ مجموعة العشرين قد لا تكون قادرة على اتخاذ أيّ تدابير ملموسة ترمي الى معالجة انتشار عدم الاستقرار في ثاني أكبر اقتصاد في العالم أو دعوة الصين مباشرةً الى معالجة قضايا هيكلية مثل ارتفاع حجم الديون المعدومة (Bad Debts) -كذلك لن تقدم مجموعة العشرين على الضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتأجيل رفع اسعار الفوائد رغم القلق الحاصل في الاسواق الناشئة والتي قد تتسبّب بتدفّق رؤوس الاموال خارج هذه الدول، كذلك من شأنها التأثير في تقلبات أسعار العملات.
وقد يكون التحرّك الملموس والوحيد الذي جرى بحثه في اجتماعات انقرة هو اقتراح من مجموعة من خبراء الاستقرار المالي والذين دعوا الى نهج من مرحلتين لا سيما (TLAC) Loss Absorption Capacity Total وبما معناه القدرة الاستيعابية لخسائر المصارف الكبيرة مثل غولدمان ساكس ودويتش بنك- هذا وكانت الولايات المتحدة تحدثت عن ٢٠ بالمئة بينما اوروبا ناقشت ١٦ بالمئة على أساس أنّ مصارفها ما زالت بحال دقيقة بعد الأزمة المالية العالمية.
ومن المستبعد أن يتمّ اعتماد هذا النهج قبل اجتماع مجموعة الـ ٢٠ في تشرين الثاني على اساس الـ ١٦ بالمئة في العام ٢٠١٩ و٢٠ بالمئة في العام ٢٠٢٢ حسب ما رجّحت المصادر.
أما تعهدات القمة باتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على الانتعاش الاقتصادي والمسار الصحيح في الاقتصادات العالمية فجاءت غير واضحة لا سيما أنهم لم يوضحوا ما هي الاجراءات المتخذة قائلين إنّ انخفاض اسعار الفوائد لن يكون كافياً للتعجيل بتحسين الحال الاقتصادية مكتفين بالتفاؤل بأنّ النموّ سوف يحدث ومؤكدين على دور سياسات الاقتصاد الكلي والسياسات الهيكلية لدعم وتحقيق النموّ المتوازن.
كذلك لحظوا دورَ السياسات النقدية ونظم ومرونة سعر الصرف وأصرّوا على وجوب تفادي تخفيف قيمة العملة وخلق فرص عمل وتعزيز الشفافية.
وفي الواقع جاءت هذه التمنّيات مبهمة غير واضحة رغم أنها شدّدت على التزام معايير معيّنة من دون تعميمها والأخذ بها ما يعني أنها قد تكون حبراً على ورق غير ملزمة لدول مجموعة الـ ٢٠ أو غيرها من الدول ما عدا ما يختصّ بجدول أعمال الاصلاح المالي وبشأن تحديد معايير شفافة وقابلة للمقارنة والتسنيد خصوصاً معايير TLAC للمصارف وشفافية النظم الضريبية وآلية تبادل المعلومات بين الدول.
لذلك قد تكون القمة بحدِّ ذاتها مضيعة للوقت واقتصرت على تمنّيات من دون أخذ أيّ إجراءات تُذكر لا سيما فيما يختص بعدم الاستقرار المالي وكيفية معالجته.
وقد تكون هذه القمة أكبر برهان عن الاقلاس السياسي والاقتصادي لدول مجموعة الـ ٢٠ التي تُعتبر ركيزة في السياسة العالمية.
هذا الامر ينعكس سلباً على توجهات الدول داخل القمة والدول الناشئة والنامية كذلك على التنمية المُستدامة التي هي في صلب مشروع الأمم المتحدة ما يعني أنّ هذه الشؤون والمشكلات لن ترى حلّاً في المدى المنظور وسوف تبقى رهينة سياسات اقتصادية ومالية متقلّبة وغير أكيدة.
أما تمنيات الدول على الصين والولايات المتحدة في شأن وضعيتهما وسياساتهما والتي سوف تؤثر حتما على الدول الناشئة قد لا ترى النور كون هذه الدول تتحرّك بشكل يخدم مصالحها أوّلاً من دون الأخذ في الاعتبار ما قد يتأتّى عن ذلك من تقلّبات عالمية قد تكون كارثية.