تتحضّر فنزويلا لاستحقاق سياسي مفصلي يتمثل في إجراء الانتخابات التشريعية في السادس من كانون الأول المقبل وتعتبر نتائج هذا الاستحقاق السياسي مدخلاً طبيعياً لبدء الإجراءات الحاسمة وطرح آليات الحلول لأزمة اقتصادية تعاني منها البلاد.
تعدّدت أسباب الأزمة وتوزعت بين داخلي وخارجي «حيث الضغوط الخارجية واضحة بهدف استثمارها سياسياً في الداخل»، وبرغم صعوبة الموقف الاقتصادي وبعض تجلّياته على المستوى العام إلا أن ذلك لم يضعف إرادة الشعب الفنزويلي، أو غالبيته المطلقة من إكمال مسيرة التغيير التي بدأت مع الرئيس الراحل هوغو تشافيز واستمرّت مع خليفته الرئيس نيكولاس مادورو الذي يواجه التحديات بالكثير من التصميم على تجاوز المحنة بأقل ضرر ممكن، ويعاونه في ذلك الحزب الاشتراكي الموحّد في فنزويلا المتحالف مع «الكتلة الوطنية»، وتتعزّز ثقة الحزب الحاكم بتجاوز الأزمة نظراً للاحتضان الشعبي الذي وجد بالتجربة الحالية للحكم متنفّساً للعيش بكرامة لم تنعم بها في ظل الأنظمة السابقة. وسط هذه اللوحة السياسية، كيف يرى نائب رئيس اتحاد الجمعيات العربية في فنزويلا وأحد أركان الجامعة اللبنانية – الثقافية في العالم (برئاسة أحمد ناصر)، المغترب اللبناني أرماندو مراد واقع الحال والى أي مدى تأثرت الجالية اللبنانية ومصالحها؟
يقول مراد: «برغم تراجع القيمة الفعلية للحد الأدنى للأجور، إلا أن الغالبية المطلقة من الناس تعيش مكتفية بفضل سياسة الدعم الرسمية للسلع والخدمات الأساسية للمواطنين».
ويضيف: أما ظروف الجاليات الأجنبية، لاسيما العربية واللبنانية فهي تمر بظروف صعبة مؤقتة أسوة بما يمر به الشعب الفنزويلي، الذي يعاني من تضخم غير مسبوق. ويوضح مراد: «إن الجالية اللبنانية تعيش باطمئنان الى جانب الشعب الفنزويلي ويعود ذلك الى الوجود القديم للجالية اللبنانية الذي بدأ منذ العام 1880 تقريباً وهو موزع على غالبية المحافظات والمناطق في البلاد ومنها: كاراكاس، كارابوبو، جزيرة مارغريتا، بوليفير، آنسواتيغي، آراغوا وحتى محافظة الأمازون».
ويصل تعداد الجاليات العربية في فنزويلا الى نحو مليون ومئتي ألف مغترب، بينهم حوالي النصف من اللبنانيين الذي وصلوا الى فنزويلا على مراحل، «ولا زالت فنزويلا تستقبل بقلب كبير العديد من اللبنانيين والعرب وهي المعروفة بانتصارها الدائم للقضية العربية المركزية فلسطين، ولسائر القضايا العربية».
ويعبر مراد عن ألمه لما يعيشه لبنان من ظروف خطيرة بلغت معها الدولة مرحلة التفكك، وغياب الاستراتيجيات للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والمالي الذي يواجه لبنان.
ويستغرب نائب رئيس اتحاد الجمعيات العربية في فنزويلا كيف يتعامل لبنان الرسمي مع المغتربين كقيمة وطنية وأخلاقية وكثروة لو أحسنوا التعامل معها لساهمت مساهمة حقيقة في إنقاذ البلاد من الآفات المتعددة. ويتابع «لدينا في الاغتراب المئات من الشركات العالمية المملوكة من اللبنانيين والمتخصصة في مجالات البنى التحتية وإنتاج الكهرباء والاتصالات والبيئة، وانا على ثقة بأن الغالبية من هذه الشركات على استعداد لتقديم تجربتها وخبرتها وإمكاناتها للدولة اللبنانية. المهم أن تفتح الدولة لهؤلاء أبوابها وتشعرهم بالثقة المطلوبة».
ولا يؤمن مراد بصيغة النظام الطائفي القائم على المحاصصة المذهبية، «أنا أؤمن بأن لبنان لا يمكنه أن يعيش ويحلق مجدداً من دون جناحيه المقيم والمغترب، والمؤسف اننا لا نشعر اليوم بنعمة وجود الدولة نتيجة الفراغ الذي يملأ مؤسساتها الدستورية والوطنية وتمسك البعض بنظام طائفي لم يعد يعني للمغتربين أي شيء، بخاصة أنهم خبروا في مغترباتهم قيم المواطنة والديموقراطية الخالصة من كل الشوائب الطائفية».
وينبه مراد أهل السياسة في لبنان من خطورة توريد الخطاب المذهبي الى عالم الاغتراب اللبناني، «فالاغتراب يحتاج الى لغة وطنية تشدّه الى لبنان وتبقي الأمل في قلوب اللبنانيين، وإذا كان من مشروعية لإشراك اللبنانيين في الاستحقاقات الدستورية، لاسيما الانتخابات التشريعية فإن ذلك يجب أن يكون على اساس وطني لا طائفي كما هو حاصل في لبنان»، آملاً أن يصار الى تعديل صيغة النظام ليصبح نظاماً حديثاً يشعر كل مواطن مقيم أو مغترب بنعمة لبنانيته ومواطنيته».
ولا يفوت مراد التنويه بتجربة السفير اللبناني في فنزويلا الياس لبس الذي فتح ابواب السفارة للجميع ويرعى نشاط اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم، مشيراً الى مبادرة ستتحقق قريباً بالتنسيق مع وزارة الخارجية الفنزويلية وتتمثل بافتتاح ساحة باسم المحرر سيمون بوليفار في البقاع، وستشكل فرصة للقاء اغترابي ووطني كبيرين في الأيام القليلة المقبلة.