Site icon IMLebanon

“الشراء العام: أداة للنمو المستدام وترشيد الانفاق”

أقيمت في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي التابع لوزارة المال ورشة عمل عن “الشراء العام: أداة للنمو المستدام وترشيد الانفاق”، ضمن برنامج اللقاءات العلمية المخصصة للكوادر العليا في الادارة اللبنانية، الذي يوفره المعهد للسنة السادسة على التوالي، بالشراكة مع المدرسة الوطنية الفرنسية للادارة (ENA) وبدعم من المعهد الفرنسي (l’Institut Français) ومصرف فرنسبنك وبمشاركة 29 قياديا من 18 إدارة ومؤسسة عامة من لبنان.

وهدفت هذه الورشة الى مناقشة الاهمية الاستراتيجية للشراء العام وتأثيراته على الصعيد المالي والاقتصادي والاداري مع تركيز خاص على الاطار القانوني العام ومناقشة ما يجب اعتماده لتحقيق القيمة الفضلى من إنفاق المال العام وتعزيز النزاهة والفاعلية.

بساط
استهلت الحلقة بعرض من رئيسة المعهد لمياء المبيض بساط عن “الشراء العام كسلاح استراتيجي للنمو المستدام”، فاستشهدت أولا بأمثلة وأرقام للاشارة إلى أهمية الموضوع، ومنها أن 23 في المئة من عقود الشراء الحكومية تلزم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة وحدها، وأن حصة الشراء المحفز على الأبحاث والتطوير الذي يتم تلزيمه للمؤسسات الصغيرة المبتكرة تتجاوز 2,5 في المئة.

وأوضحت بساط أن “الإهتمام بموضوع الشراء العام عائد إلى كون الحكومات، محلية كانت أم مركزية، هي الشاري الأكبر”. وشددت على أنه “أداة أساسية لتنفيذ السياسات العامة المالية، ومكون أساسي من مكونات إصلاحها، وإحدى أدوات ترشيد الإنفاق العام وتحقيق القيمة الفضلى منه بحيث تتمكن الحكومات من تأمين متطلبات المواطن بأقل كلفة ممكنة وبالجودة الفضلى”، ثم أبرزت “أثره المباشر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

كذلك اشارت إلى كون الشراء العام “رافعة للتنمية الاقتصادية، وأداة لتحفيز الابتكار وتشجيع المنافسة المتكافئة والاستثمار العام الفاعل، وخصوصا أن كل عملية شراء تشكل فرصة لتحفيز صناعات جديدة ديناميكية نظيفة ومكيفة، تحد من الأضرار السلبية على البيئة وتساهم في تحقيق النمو المستدام كما يمكن أن يكون الحال مثلا في الصفقات العائدة لمسائل معالجة النفايات”.

وأوضحت أن “معايير تقييم السلع والخدمات والأشغال واللوازم تشمل مفهوم القيمة الفضلى، لا السعر وحده، كذلك يمكن تضمين دفاتر الشروط، شروطا خاصة تساهم في زيادة فاعلية استهلاك الطاقة للحد من الضرر اللاحق بالبيئة، وتحسين ظروف العمل والمساواة في الفرص وخلق الوظائف”.

ولفتت إلى “توجهات دولية دعما للاستدامة، إذ تتوجه الحكومات حول العالم، إلى الطلب على السلع والمنتجات التي تحفز خلال عملية تصنيعها وتوزيعها الابتكار والتكنولوجيا وتحسين الأداء الحكومي”.

وعن واقع الشراء العام في لبنان، أشارت إلى كونه يشكل 4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي و13 في المئة من حجم الانفاق العام المركزي. وتشير المعطيات الدولية الى أن لبنان يحتل المرتبة 119 من أصل 144 دولة في مؤشر التنافسية العالمية (الابتكار)، مع المرتبة 141 من أصل 144 لعمليات الشراء الخاصة بالمنتجات التكنولوجية المتقدمة، فيما يحتل المرتبة 94 للبنى التحتية التكنولوجية، وتسبقه دول عدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كدول الخليج والأردن ومصر.

وعرضت بساط واقع ممارسات “الشراء والجهاز البشري في لبنان، وبعض المؤشرات الإقتصادية ومنها أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل نحو 95 في المئة من اجمالي عدد الشركات، وتوظف نحو 51 % من الناشطين اقتصاديا، وان 54 في المئة من العاملين في الشراء العام يعطون أولوية للموردين اللبنانيين، وأن نحو 75 في المئة من مبيعات القطاع الصناعي تتوجه إلى السوق المحلية، مع وجود استعداد للابتكار والبحوث والتنمية، علما أن الابتكار في تكنولوجيا المعلومات هو الأبرز”.

وإذ تحدثت بساط عن جهود بناء القدرات على المستوى الوطني، شددت على أن “تحديث الشراء العام يتطلب ممارسات مبتكرة كالشراء المستدام، وبوابة الكترونية متخصصة، ورسم استراتيجية لبناء القدرات، وتوحيد الاجراءات والممارسات، ورفع درجة الوعي حول أهميته الاستراتيجية، واعتماد دفاتر شروط نموذجية موحدة ، ووضع ارشادات توجيهية تعزز من تماسك النظم وآليات التنفيذ، وتعزيز الحوار مع الموردين لتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتوفير السلع والخدمات وتعزيز حركة السوق، والاعتراف بالشراء كمهنة قائمة بحد ذاتها، على أن يتمتع العاملون فيها بمروحة واسعة من المعارف والمهارات والمواقف”.

معلوف

وفي الجلسة الثانية، تحدث القاضي ايلي معلوف من ديوان المحاسبة عن “الشراء العام كأداة أساسية لتحقيق القيمة الفضلى من الانفاق العام”، فعدد الجهات الحكومية الشارية، وشرح طرق الشراء، وماهية ما تشتريه الدولة”، مشيرا إلى أن “الدولة تبيع وتؤجر أيضا من خلال المزايدات”.

وتحدث معلوف عن الإطار القانوني للشراء في لبنان، فلاحظ أنه يتألف من “قوانين ومراسيم قديمة العهد، كقانون المحاسبة العمومية (1963) ونظام المناقصات (1959). وذكر بأن “ثمة مشروع قانون جديد للشراء العام ينتظر إقراره في مجلس النواب منذ العام 2012”. وقدم مقارنة بين لبنان وعدد من الدول الأخرى من حيث شفافية/سهولة الاطلاع على القوانين والأنظمة وضوح حالات الاستثناء بالنسبة للمناقصات التنافسية نسبة العقود الخاضعة للمناقصات التنافسية.

وعن الممارسات الشائعة، لاحظ معلوف أن “ثمة ضعفا في اعداد خطط الشراء السنوية، وأن العلاقة مع الموردين يشوبها التوتر وتدني الثقة. فأثناء مرحلة تنفيذ العقد، لا سيما في عقود الأشغال، تطلب السلطات المتعاقدة مثلا أوامر تعديل على العقد أو تنفيذ مهام إضافية خارج نطاقه في 76 في المئة من الحالات، في حين أن مستحقات الموردين لا تدفع في وقت توجبها إلا في 50 في المئة من الحالات، بسبب البيروقراطية، وطول مدة الإجراءات الإدارية، وعدم الإلمام بطرق الدفع، وتأخر نقل اعتمادات الموازنة من سنة إلى أخرى”.

كذلك أشار معلوف إلى “ضعف الإلمام بالتوجهات العالمية الجديدة كالشراء المستدام والشراء الأخضر أو الإلكتروني، مما يتطلب تعميق المعارف والمهارات”.

العلية

بعد ذلك، تناول المدير العام لإدارة المناقصات جان العلية “تعزيز النزاهة والفاعلية في الصفقات العامة، فشرح أولا متطلبات مهنة التوريد وأخلاقياتها وأهمها النزاهة”، مشيرا إلى أن “المبادىء الأساسية التي ترعى الصفقات العمومية هي المنافسة والمساواة بين العارضين والشفافية في اجراءات التلزيم والفاعلية”. ولاحظ أن “العديد من البلدان وضعت هذه المبادىء ضمن شرعة أخلاقية للسلوك وهي تتضمن المبادىء المثلى لكيفية التصرف ومعايير موحدة ونماذج عملية يجب تطبيقها”.

وعرف بالنصوص التي تنص على اخلاقيات مهنة التوريد في النظام اللبناني، التي تشمل مراحل الشراء.

وقال العلية إن “تعزيز النزاهة في الصفقات العامة يقوم على ثلاثة مبادىء هي الوقاية والكشف والعقاب”. وأوضح أن “الإجراءات الحكومية المطلوبة هي وضع اطار قانوني ومؤسساتي فاعل، واعداد سياسات لتشجيع النزاهة، وتحديد كيفية العقاب ومن يجب أن يشمل، أما الاجراءات المطلوبة من العارضين والملتزمين فهي لفت انتباه موظفي القطاع العام إلى احتمال وجود الاحتيال والفساد وتضارب المصالح، وذلك من باب الوقاية، وكشف المخالفات ومراقبة مشاركة الشركات في عملية تقديم العروض”.

وأعقب المداخلات نقاش مع المشاركين حول الجوانب الأساسية لموضوع تحديث إدارة الشراء في لبنان.

تجدر الإشارة أن دورة 2015 من لقاءات الكوادر العليا تنظم تحت عنوان ” تعزيز الثقة بالإدارة وبالقياديين في القطاع العام”، وهي تستمر حتى كانون الأول من هذا العام.