كتبت كلوديت سركيس في صحيفة “النهار”:
تعيد جلسة المحاكمة في قضية مقتل السجين غسان قندقلي في سجن رومية الى الاذهان، الفلتان الذي كان سائدا المبنى “ب” قبل “تحريره” من قبضة الموقوفين الاسلاميين ومن معهم في العملية الامنية التي نفذتها قوى الامن الداخلي في هذا المبنى واعادته الى موضعه الطبيعي.
وأنعش الذاكرة في تلك الصورة المؤذية اليمني سليم عبد الكريم صالح الملقب بـ”أبو تراب”، وهو يقر أمام المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن الطيار خليل ابرهيم في حضور مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة هاني حلمي الحجار بضرب القندقلي ومعاقبته في النظارة رقم 359 لبضع ساعات، لارساله صورة لسيدة اتصلت بي وأخبرتني بذلك. ثم استحمّ، وبعد نصف ساعة عثر عليه مشنوقا في الحمام. ويستطرد “أبو تراب” بلهجة المسؤول، مطلقا العنان لحركة يديه لتطاوعه في التعبير عن التهمة الموجهة اليه. ويهرول ويسرع في الكلام المنساب عبر مكبر الصوت في القاعة ليسدل الستارة على كيفية وفاة القندقلي المريض نفسيا بحسبه، ومحاولته الانتحار مرتين سبقتا الحادث، مرتكزا على شريط بثته محطة “الجديد” في اليوم التالي يهدد فيه القندقلي بالانتحار، في حال عدم إخراجه من السجن.
وأيد المخلى خالد يوسف، في حضور وكيلته المحامية هلا حمزة، كلام “أبو تراب” لجهة الوضع النفساني للقندفلي. وقال: “أوصاني به عناصر الامن لهذه الغاية”، بحكم مسؤوليته “الادارية”، بحسب تعبيره داخل السجن.
ولغة الضرب تحدث عنها الشاهد الموقوف خالد نقوش بتعرضه له على يد ملثمين أمام عيني “أبو عبيدة”، وفق الشاهد. كما نال الموقوف احمد حجازي نصيبه لتعاطيهما الحبوب المخدرة، مشيرا الى ان كل من “يكفر” سواء بتعاطي الحبوب المخدرة او يرتكب أعمالا منافية كان يتعرض لعقاب الضرب والرفس والجلد او يودع في “غرفة الكلاب” المظلمة لساعتين.
واشار الشاهد الملازم أول ايلي نصار الى علمه بتعرض سجناء للجلد في النظارة 359. وقال: “كان وضع العسكريين مأسويا في المبنى “ب”، فلا صلاحية لهم للتدخل. وكان هناك مدخل واحد للمبنى “ب” الذي كان يستوعب 800 سجين وموقوف في سجن سائب. كنا نحل الامور مع (المخلى) خالد يوسف وننظم المحاضر. وركز رئيس المحكمة على افادة في الملف مفادها ان محضر ضرب السجينين الآنفين تم في حضور “أبو عبيدة” وأنه تأذى من وقوعه على الدرج. فرد الشاهد بأن السجين لم يتفوه بأسماء خلال تنظيم ذلك المحضر، وأفاد أن مجهولين ضربوه، فيما “أبو عبيده” كان يمشي ذهابا وايابا. وبتجهيل الفاعلين أفسحت له المحكمة المجال له للكشف عنهم. وتوجه العميد ابرهيم الى الشاهد الفلسطيني السجين أحمد بدر ناصر طالبا منه الافصاح عن ضاربيه لأن الوضع في السجن تغير الآن، ومتعهدا بنقله الى سجن آخر. فأصرّ على عدم الافصاح، معتبرا أن شيئا لم يتغير و”لا حماية عندي في السجن حيث أنا. والسجون كلها مفتوحة على بعضها. وبتكتمه، تلا رئيس المحكمة افادة أولية للشاهد يشير فيها الى أن القندقلي تعرض للضرب والركل حتى لفظ أنفاسه”.
وسئل الشاهد تعليقه على افادته فاكتفى بالقول: “لا يمكنني ان أحكي”. فتدخل “أبو تراب” قائلا: “القندقلي شنق نفسه”. وجرى نقاش بين رئيس المحكمة و”أبو تراب” عن كيفية تمكن الاخير القصير القامة والبنية من ضرب القندقلي الذي يزيده طولا. فصمت “أبو تراب” وتلفظ بعبارة “أخبرك بما حصل”، ليجهر موقوف في قفص الاتهام بأنه أنهى محكوميته منذ زمن وهو موقوف بهذه القضية ولا ناقة له ولا جمل، وليس عنده محام ليتدبر أمر طلب تخليته. فرد رئيس المحكمة: “سننظر في الامر”. وكان شرح من السجين بوغوص طوروسيان عن كيفية معاينته القندقلي في الحمام بوضعية الجالس قبل أن يراه في المرة الثانية متدليا”.
ورفعت الجلسة الى 19 شباط المقبل لمزيد من الشهود.