هل من المحتمل حدوث ركود اقتصادي عالمي؟ إذا كان الأمر كذلك، ما الذي قد يثيره؟ ويليام بويتر، كبير مختصي الاقتصاد في مجموعة سيتي وكاتب مدونة مافيريكون السابق في “فايننشال تايمز”، يجيب عن هذين السؤالين: “نعم” و”الصين”.
قضيته معقولة. هذا لا يعني أننا يجب أن نتوقع حدوث ركود، لكن ينبغي للأشخاص رؤية مثل هذا السيناريو بأنه معقول.
بويتر لا يتوقع أن ينخفض الناتج العالمي. الفكرة هنا هي “ركود النمو” طوال فترة يكون فيها أدنى بكثير من المعدل الكامن البالغ نحو 3 في المائة. قد يتصور المرء نسبة تبلغ 2 في المائة أو أقل. يقدر بويتر احتمال حدوث مثل هذه النتيجة بنسبة تبلغ 40 في المائة.
السيناريو الخاص به يبدأ بالصين. مثل كثيرين غيره، يعتقد أن نمو الصين مبالغ فيه من قبل الإحصاءات الرسمية، وقد يكون منخفضا بنسبة تصل إلى 4 في المائة. هذا أمر وارد، وإن لم يكن مقبولا عالميا.
قد يصبح أيضا أسوأ حتى من ذلك. أولا، نسبة الاستثمارات البالغة 46 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ستكون مفرطة في اقتصاد ينمو بنسبة 7 في المائة، ناهيك عن اقتصاد ينمو بنسبة 4 في المائة.
ثانيا، توسع هائل للديون، غالبا بجودة مشكوك فيها، رافق هذا الاستثمار المفرط. مع ذلك، فإن مجرد الحفاظ على الاستثمارات بهذه المستويات سوف يتطلب اقتراضا أكثر بكثير.
أخيرا، فإن الحكومة المركزية، وهي وحدها التي تملك ميزانية عمومية قوية، قد تكون مترددة في تعويض التراجع في الاستثمارات، في حين أن حصص الأسر في الدخل القومي والاستهلاك من الناتج المحلي الإجمالي، منخفضة جدا بما لا يتيح القيام بذلك.
إذن، لنفترض أن الاستثمار في الصين تقلص بشكل كبير مع تراجع الطلب وقيود الميزانية العمومية. ماذا ستكون الآثار على الاقتصاد العالمي؟
إحدى القنوات قد تكون تراجعا في واردات البضائع الرأسمالية. بما أن نحو ثلث الاستثمارات العالمية (بأسعار السوق) تحدث داخل الصين، فإن التأثير يمكن أن يكون كبيرا، في حين أن كل من اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا سوف تتأثر سلبا، أي اقتصادات الصادرات.
هناك قناة أكثر أهمية هي تجارة السلع الأساسية. لقد انخفضت أسعار السلع الأساسية، لكنها لا تزال بعيدة عن أدنى المستويات حسب المعايير التاريخية. حتى مع الأسعار كما هي الآن، فإن الدول المصدرة للسلع الأساسية تعاني الأمرين. إن من بينها بلدان مثل أستراليا والبرازيل وكندا ودول الخليج وكازاخستان وروسيا وفنزويلا. في الوقت نفسه، فإن الدول التي تعتبر مستوردا صافيا للسلع الأساسية، مثل الهند ومعظم البلدان الأوروبية، باتت في وضع المكسب.
الصدمات للتجارة تتفاعل مع التمويل. كثير من الشركات المتضررة بشدة هي مثقلة بالديون. الضغوط المالية الناجمة تجبرها على إجراء تخفيضات في الاقتراض والإنفاق، الأمر الذي يضعف الاقتصادات بشكل مباشر. التغيرات في الظروف المالية تفاقم من مثل هذه الضغوط. من أهمها التحركات في أسعار الفائدة وصرف العملات والتحولات في السلامة المتصورة للمقترضين، بما في ذلك الصناديق السيادية.
التغيرات في تدفقات رأس المال وتأمين المخاطر، والتحولات في سياسات البنوك المركزية المهمة تفاقم الضغوط. في الوقت الحاضر، فإن التحول الأكثر أهمية سيكون قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة.
وكما قال وارن بافيت: “أنت لا تعرف من يسبح عاريا إلا عندما ينحسر المد”.
وفقا لبنك التسويات الدولية، فإن الائتمان للمقترضين من غير المصارف خارج الولايات المتحدة بلغ 9.6 تريليون دولار في نهاية آذار (مارس).
الدولار القوي يجعل أي عدم تطابق في العملة أمرا مكلفا. هذه قد تبدأ في الميزانيات العمومية للشركات غير المالية، لكن سيتم تحويل التأثير عبر خسائرها إلى المصارف والحكومات. بالتالي، حدوث انقلاب في “تداولات المناقلة”، التي يمولها الاقتراض الرخيص، قد يعيث فسادا.
هناك تحول واضح هو الانخفاض في احتياطات النقد الأجنبي، مدفوعا بتراجع معدلات التجارة، وهروب رؤوس الأموال وسحب تدفقات رأس المال الداخلة السابقة. هذا قد يؤدي إلى “التشديد الكمي”، في الوقت الذي تبيع فيه البنوك المركزية حيازاتها من السندات الآمنة طويلة الأجل.
هذه هي إحدى الطرق التي قد يتم فيها نقل هذه الصدمات إلى البلدان ذات الدخل المرتفع، بما في ذلك حتى الولايات المتحدة، لكن هذا أيضا يعتمد على ماذا سيفعل أصحاب الأموال المسحوبة بها، وعلى سياسات البنوك المركزية المتأثرة من ذلك.
إذن، ما قد نراه هو سلسلة من الروابط الحقيقية والمالية: تراجع الاستثمار والناتج في الصين؛ وضعف في الاقتصادات التي تعتمد على عمليات شراء تلك البلاد أو على الأسعار التي تحددها مشترياتها؛ والانقلاب في صفقات تداولات المناقلة وتحولات في أسعار صرف العملات، وعلاوات المخاطر الذي يضغط على الميزانيات العمومية.
كيف يمكن أن يستجيب صناع السياسة؟ الصين بالتأكيد سوف تسمح لعملتها بالانخفاض أكثر بدلا من استمرار فقدان الاحتياطيات، ولا سيما أن الاحتياطيات القابلة للاستخدام هي أصغر من الأرقام الرئيسية، التي تتضمن استثمارات البنية التحتية في إفريقيا وأماكن أخرى، لا يمكن بيعها بسرعة. مساحة السياسة في غيرها من الاقتصادات الناشئة هي أكبر مما كانت في الماضي، لكنها ليست غير محدودة، حيث ستضطر للتكيف مع هذه الصدمات بدلا من مقاومتها.
في الوقت نفسه، فإن خيارات السياسة في البلدان ذات الدخل المرتفع محدودة: السياسة أبطلت عالميا التوسع المالي إلى حد كبير؛ كما أن أسعار الفائدة من البنوك المركزية قريبة من الصفر؛ وفي كثير من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، فإن الرفع المالي في القطاع الخاص لا يزال مرتفعا جدا.
إذا كان التباطؤ متواضعا، لا يمكن القيام بالكثير. أفضل استجابة للتباطؤ الكبير قد تكون “إلقاء الأموال من الطائرات المروحية”، التي ينشئها البنك المركزي لتحفيز الإنفاق. غير أن استخدامها يبدو من غير المحتمل للغاية. الفكر التقليدي هو الذي يحكم.
باختصار، سيناريو ركود النمو العالمي “المصنوع في الصين” معقول تماما. إذا كان سيحدث، فإن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي للتشديد الآن، قد يبدو كأنه حماقة صريحة.
نحن لا نتحدث عن الكوارث من النوع الذي يرافق أي أزمة مالية عالمية، بل عن أن الاقتصاد العالمي سيبقى ضعيفا أمام الشدائد حتى تنهي الصين انتقالها إلى نمط أكثر توازنا من النمو، وتتعافى الاقتصادات ذات الدخل المرتفع من أزماتها.
بيد أن هذا الأمر لا يزال بعيدا عن تصور تحققه.