ما بين ضنك البطالة ومرارة سوق العمل والأجر المجحف والتحرش، نجحت فتيات مصر في سلك طريق جديدة للعمل وفق ما يلائمهن، ولجأن إلى “البيزنس الإلكتروني”، ومع ذلك هناك تحديات تكتنف طريقهن. DW عربية تلقي الضوء على هذه الظاهرة.
البطالة أزمة كبيرة يعاني منها شبان مصر وشاباتها خاصة منذ ثورة 25 يناير 2011، فكان البحث عن بديل للوظائف يشغل الفتاة المصرية. وقد نجحت في تكوين “بيزنس” خاص بها مستغلة “ثورة وسائل التواصل الاجتماعي”، التي أتاحت الفرصة لممارسة الأعمال الحرة وتبادل المعلومات والتعريف بالأعمال المختلفة. وقد ساعد هذا العديد من الفتيات في إثبات كفاءتهن في مجالات متنوعة كانت تصعب عليهن أحياناً. ولكن مازالت هناك تحديات تكتنف طريقهن في التسويق الإلكتروني أهمها نقص الخبرة وعدم اعتبارها بديلاً كافياً للوظيفة.
ربات منزل يهربن من الفراغ
ليلى آدم ربة منزل وصاحبة “جروب ملابس للبيع”، توضح أسباب عملها في التسويق الإلكتروني: “لأني ربة منزل وعندي وقت فراغ وأريد تحسين دخلي”. أما عن مصدر تجارتها، فتقول “أجلب البضائع من تاجر لديه محل وجروب خاص به ويعرض بضاعته بسعر الجملة”. وتضيف “كنت أبحث عن عمل، والبعض نصحني بالعمل إلكترونيا. لم يكن هناك وظائف متوفرة سوى عامله نظافة بمدرسه أو مستشفى، وهو ما أرفضه”. واعتبرت أن العمل عبر الإنترنت فرصة لها موضحة: “مربح، وكمان جنب أولادي ومش بترك بيتي وأخرج”.
وعن المشاكل التي تعرضت لها، تشير إلى المضايقات والمعاكسات من البعض واتهامها أحيانا بأنها تابعة للإخوان المسلمين. ولكنها شددت على أن عملها الحالي ليس بديلاً عن العمل، قائلة: “أنا عندي أفتح مشروع على أرض الواقع ومش اشتغل عبر الإنترنت”.
رحاب رحمو، ربة منزل وصاحبة جروب “شنط كروشيه من صنع أيدي”، وتقول: “بعرض شغلي الهاند ميد من الكروشيه، وبحاول أساعد الناس لو طلبوا مساعدة”. وتتابع “بنشر فيه شغل ناس آخرين أملاً أن يكون بابَ رزق لهم”. وتأسف على أن شغل الكروشيه في مصر لا يحقق أرباحاً.
وأكدت رحمو على أهمية حق المرأة في أن تبدع في عملها وتفتح لنفسها طرقاً جديدة طالما لا تضر بالآخرين. وترى أن المشكلة هي أن أغلب الناس لا تثق في الصفحات والمواقع الإلكترونية. ولكنها لا تعتبر أن الشغل على الإنترنت يساعد المرأة في التغلب على فكرة البحث عن وظيفة. وتعتبر أيضاً أن عملها في صناعة الكروشية إبداع لإخراج أي طاقه سلبية.
موهبة التجارة
تحكي سالي جمال، التي تعمل في إحدى الشركات الخاصة وصاحبة جروب بيجامات تركية بأسعار خرافية عن تجربتها في بيع البيجامات: “بجلب البضائع من تاجر بأسعار رخيصة لعدم دفع جمارك، وببيعها بسعر الجملة”. وتضيف: “بوزع لصحابي أو حتى الناس الغريبة، إما بقابلهم في محطة مترو أو عبر شركة شحن”. وترى أن الربح يتوقف على امتلاك صفحة على الفيسبوك تلقى رواجاً كبيراً. وهي تؤكد أنها ماهرة في التجارة، ولكنها تأسف لعدم امتلاكها وقتاً كافياً للترويج للسلع. كما تؤكد أن كثيرين يختارون العمل إلكترونيا لأنه يكون مربحاً ويجنبها المشاكل الناجمة من الشارع. وتعتبر أن هذا الموضوع سلاح ذو حدين. وتفسر: “إما ربح كويس أو النمطية بمعنى انتشار نفس السلع”.
الظروف الاقتصادية تدفع للعمل إلكترونيا
تلقي ريم سليم، باحثة اقتصادية في المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة، الضوء على أسباب عمل المرأة في التسويق الإلكتروني: “تعمل البنات في هذا المجال لأنه يوفر الوقت والمجهود والتسويق المجاني، فهو أفضل من العمل كمندوبة مبيعات أو بائعة تتجول من منزل لآخر لتعرض بضائعها”. وتتابع: “كما أنه أفضل من فتح محل تجاري من حيث التكلفة، فالتسويق مجاني عبر الإنترنت، بالإضافة إلى أن التسويق الإليكتروني يمثل أضمن وأسهل الطرق للوصول إلى المستهلك”.
وبسؤالها عن إمكانية الاستغناء عن الوظيفة لصالح الأعمال الحرة أجابت سليم: “العمل في التسويق الإليكتروني ضمن قطاع الأعمال غير الرسمي، وبالتالي هو يتسم بصغر حجم المشروع وصغر حجم رأس المال وقلة هامش الربح”. وبالتالي لا يمكن الاستغناء عن الوظيفة لأجله، حسب ريم سليم. وأوضحت أن هناك فتيات يتجهن إلى ممارسته بجانب الوظيفة، أما إذا استطاعت الفتاة أن تزيد من حجم رأس المال والمشروع والأرباح، فيمكنها تأسيس منشأة أعمال والاستغناء عن الوظيفة.
ولا تعتبر سليم أن هذا العمل يخفف من البطالة في مصر، وتفسر:”لا يستوفي كل شروط العمل، فهو عمل غير ثابت وأرباحه بسيطة، ولا يعتد به كعمل داخل إحصاءات الدولة، بل إن العاملين فيه يحتسبون داخل عداد البطالة”.
تحديات تجارة الإنترنت
وترى سليم أن الظروف في مصر تشجع هذا العمل، خاصة بين الفتيات، لأنه يوفر لهن فرصة دخل ولو بسيط من خلال العمل من منازلهن. وتقول “وهو ما تعتبره الفتيات ميزة يستطعن من خلالها تجنب المضايقات التي يلاقينها في الشارع وفي مؤسسات العمل”. وتتابع: “كما أن المستهلكين يكونون في الغالب فتيات أيضاً وهن يفضلن الشراء من فتيات مثلهن قريبات في الذوق والسن وسهل الوصول إليهن”.
أمًا عن دور الحكومة في تشجيع مثل هذه الأعمال، فتعتبر سليم أن دورها هو دعم قطاع الأعمال غير الرسمية بشكل عام، عن طريق تسهيل الإجراءات الرسمية الخاصة بها وتقديم الإعفاء الضريبي. وتضيف: “قطاع الأعمال غير الرسمي، بما فيه التسويق الإليكتروني، على الرغم من أنه قليل الأرباح إلا أن العاملين فيه يقدمون مدخراتهم منه إلى مؤسسات الوساطة المالية في الاقتصاد مثل البنوك”. فالعامل بقطاع الأعمال غير الرسمي تمثل مدخراته بمفرده قدراً صغيراً، لكن حصيلة مدخرات العاملين بالقطاع غير الرسمي مهمة للاقتصاد القومي لأن عددهم كبير، حسب سليم.
واختتمت بالإشارة إلى أهم التحديات التي تواجههن ومن أهمها: موسمية العمل وعدم توفر موردين دائمين للبضائع التي يبعنها.