IMLebanon

فواتير الكهرباء: إستنسابية كشف التجاوزات .. والمحاسبة المفقودة

Electricity4
خضر حسان
تناقلت بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أسماءً لنواب ووزراء ومسؤولين ممن يتخلفون عن تسديد فواتير الكهرباء في منازلهم والمؤسسات التابعة لهم، وقد فاق مجموع الفواتير غير المدفوعة 897 مليون ليرة، اي ما يفوق 598 ألف دولار، وفق ما يتم تداوله. غير ان مؤسسة كهرباء لبنان، أوضحت اليوم الخميس في بيان أن اللائحة الرسمية الصادرة عنها “أودعت لدى المدعي العام المالي بناء لطلبه بسرية تامة”. وتنصلت المؤسسة من أي أسماء تُنشر. ولفت البيان الى ان المؤسسة “تتخذ كل ما يلزم من إجراءات لتحصيل حقوقها وأموالها التي هي أموال عامة”.
نشر الاسماء سرعان ما أحدث بلبلة، على الرغم من ان الفكرة بحد ذاتها غير مستغربة لدى الرأي العام. فالجميع يعلم ان السياسيين وأصحاب النفوذ، يتهربون من دفع المستحقات للدولة عموماً، وليس فقط في قطاع الكهرباء، وهؤلاء يستفيدون من نفوذهم شرقاً وغرباً لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب الصالح العام. وملفات الفساد في هذا الشأن، تُفتح مراراً، حتى بين السياسيين أنفسهم. وعدم دفع بعض النافذين للضرائب ليست بجديدة. أمّا ردود الفعل، فهي أكثر من طبيعية، لأن الجميع يُنكر تهمة الفساد، وهذا ما يستدعي التساؤل حول مليارات الدولارات المفقودة منذ العام 1992 على الاقل.

ومن بين الأسماء التي تم تداولها، رئيس لجنة الطاقة والمياه النيابية محمد قباني، الذي يدين بأكثر من 15 مليون ليرة لمؤسسة الكهرباء، وبرز اسم قباني في مقدمة الاسماء نظراً لكونه رئيس لجنة الطاقة والمياه، غير ان قباني أوضح في تصريح له ان زج اسمه في هذا الموضوع هو من باب “التهديد والتشويه”، موضحاً انه تعرض “منذ حوالي 3 سنوات إلى مستند مزور بأني لم أدفع فواتير الكهرباء”، ليتبين لاحقاً ان المقصود شخص آخر، و”قام بتسديد الفواتير المستحقة عليه، ولدي صور عن إيصالاته”.

ما تتداوله وسائل الاعلام ومواقع التواصل من أسماء، وبغض النظر عن دقتها، الا ان الثابت فيها هو عدم احتوائها على الأسماء الكاملة. وتقول مصادر “المدن” في مؤسسة الكهرباء ان اللائحة المقدمة الى المدعي العام المالي تتضمن أسماء شخصيات لها علاقة مباشرة بمؤسسة الكهرباء، ومن بينهم “مدير عام شركة بوتيك Butec نزار يونس”، ويذكر ان علامات استفهام كثيرة أثيرت حول إسم يونس، نظراً لإرتباطه بوزير الطاقة السابق جبران باسيل، وتحديداً في ما يتعلق بفضائح بواخر الطاقة. واضافت المصادر ان يونس يدين للمؤسسة بقيمة فواتير تفوق الـ 200 مليون ليرة، متراكمة منذ سنوات. ولفتت المصادر النظر الى ان “النائب السابق نايلة معوض ورئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، يتهربان ايضاً من دفع الفواتير، فضلاً عن معامل وشركات مثل معمل الترابة في سبلين”، غير ان غصن، نفى لـ “المدن” علمه بورود اسمه، او ان يكون متهرباً من دفع الفواتير، موضحاً انه لا يملك قصوراً أو “فلل” تستدعي استهلاك الكثير من الكهرباء، وبالتالي التهرب من الدفع. كما تشير المصادر الى انه “لا قيمة لمليارات الليرات المتراكمة جراء الامتناع عن الدفع، مقابل مليارات الدولارات المهدورة في المعامل والمشاريع والتلزيمات”.

في المقابل، لماذا أثير الملف اليوم؟ هو سؤال مشروع لم تجب عنه مؤسسة الكهرباء. الا ان ملاحظة خط سير التناقضات وتضارب المصالح داخل المؤسسة، يُجيب عن هذا السؤال. فداخل المؤسسة شبكة من المصالح المتبادلة والمتضاربة بين وزير الطاقة ارتور نظريان والمدير العام للمؤسسة كمال حايك، ومختلف القوى السياسية، من حركة أمل الى تيار المستقبل وحزب الله وغيرهم، وملفات الفساد تظهر تباعاً بحسب نوع الخلاف وأقطابه. لكن الثابت الوحيد ان نتائج الخلافات التي قد تصل الى ذروتها عبر تحديد الاسماء والارقام، سرعان ما يختفي الحديث عنها مع أول إعادة لخلط الأوراق، وتمرير الصفقات. فصفقات العدادات الذكية مُرّرت بالرغم من كل ما أثير حولها، وقضية التزوير عبر الأختام، والتي تطال أشخاصاً ذوي نفوذ في المؤسسة، أقفلت ولم يتم محاسبة أحد، او اعلان مسؤولية أحد عن التزوير. وعدم تحديد المسؤوليات والمحاسبة في هذه الملفات، واستنساب ملف عدم دفع الفواتير، هما نتيجة “وصول الموس الى ذقن حايك” وفق ما تقوله مصادر “المدن”، و”انتفاض” حايك في وجه الحلفاء والخصوم على حد سواء، يعود الى “عدم التزام الحلفاء بالاتفاقات”، وأهمها بحسب المصادر “التعيينات داخل المؤسسة”. ولأن الإختلاف لا يفسد في الود قضية، لا يخرج حايك عن حدود الإختلاف، فهو “لا يستطيع أخذ راحته في نشر ما يعرفه عن التجاوزات والهدر، لذلك يبقى الكشف عنها مرهوناً بما يحصل بينه وبين اصحاب النفوذ”.

التفتيش المركزي كشف مراراً على مشاريع وصفقات، ثَبُت احتواؤها على الكثير من التجاوزات في النوعية والكمية والأسعار، لكن المحاسبة لم تتم، كما ان وسائل الإعلام كشفت الكثير من ملفات الهدر والتزوير داخل المؤسسة، لكن من دون جدوى. فإذا كانت الجهات الرقابية غائبة عن السمع، فما جدوى نشر الأسماء؟ حتى وان تضمنت اللوائح كبار المسؤولين في البلاد، علماً بأن هؤلاء، لا ترد أسماؤهم في أي ملف للفساد والتهرب من دفع المستحقات، ومن جهة أخرى، لا يقدم هؤلاء مستندات تثبت دفعهم للمستحقات. فهل تتضمن اللائحة الأساسية أسماءً من “الصف الأول” في السلطة، ممّن تشعّ قصورهم بأضواء مؤسسة الكهرباء، وسط ظلام يلف منازل المواطنين؟