IMLebanon

الراي: انكفاء شعبي عن الاحتجاجات ومخاوف من مظاهر التسييس والفوضى

manifestation-DT

غداة المواجهة التي وقعت بين قوى الأمن الداخلي اللبنانية ومجموعات المتظاهرين ضمن التحرك الاحتجاجي الذي يشهده لبنان منذ نحو شهر، تزايدتْ المخاوف في بيروت من ظواهر التفلّت الأمني التي بدأت تتفشى بقوّة منذرةً بمزيد من الفوضى.

ذلك أن الحلقة الأخيرة من التصعيد الذي حصل اول من امس بالتزامن مع انعقاد جولة الحوار الثانية في مجلس النواب، عكست الى حدود بعيدة صعوبةً فائقة في امكان احتواء موجات تصعيدٍ إضافية مقبلة، ولو ان القوى الامنية اتّبعت التشدد مع المتظاهرين لإفهامهم بأن قراراً حازماً اتُخذ بمنْع تمادي التحرك خارج خطوطٍ حمر معيّنة.

ولكن التطوّر الذي برز من خلال تداعيات اليوم الطويل من الصِدامات بين القوى الامنية والمتظاهرين والذي تخلّله توقيف 42 منهم (أُطلقوا لاحقاً) اضافة الى وقوع نحو عشرين جريحاً في صفوفهم وإصابة خمسة من عناصر الأمن، تَمثّل هذه المرّة في افتقاد التحرك الاحتجاجي الى ايّ صوتٍ سياسي داعم، وكذلك في تَراجُع واضحٍ للتغطية الشعبية لهذا التحرّك الذي لم يستقطب اول من امس إلا المئات. وهو أمرٌ تعزوه أوساط معنية ومواكِبة لهذا التحرك الى مجموعة وقائع، من أبرزها ان الأيام الأخيرة شهدت تَصاعُداً للمخاوف والشكوك، من طغيان عناصر مسيّسة تلعب دوراً سلبياً في أخذ التحرك في اتجاهاتٍ لا تنسجم مع الطابع المطلبي الخالص الذي ميّز التحرك لدى انطلاقته والذي تمكّن معه من استقطاب تأييدٍ عارم. أما العنصر الآخر، فبرز في إمعان التحرك في رفض خطة وزير الزراعة أكرم شهيب لحل أزمة النفايات، رغم كل محاولاته المستمرة لإشراك التحرك في وضع تعديلات عليها، ما اوحى ان الجماعات التي تمسك بناصية تقرير اتجاهاته ترفض أي حلّ وتسعى الى توسيع “بيكار” أهداف التحرك الى أبعد من المسائل المطلبية. وقد أذكى هذا الانطباع والشكوك إطلاق المتظاهرين الاربعاء شعارات تصل الى الثورة على مجمل الواقع السياسي.

وقالت الأوساط نفسها لصحيفة “الراي” الكويتية ان هذه العوامل دفعت فعلاً بالقرار الأمني الى اتخاذ توجه حازم بالتعامل بشدّة مع السلوكيات التي تتجاوز التعبير السلمي. وكانت مجريات الاربعاء شاهداً على بداية حزمٍ قد لن يكون ممكناً التراجع عنه لانه مغطى سياسياً من غالبية القوى السياسية، بدليل عدم صدور اي ردود فعل سياسية حيال ما جرى.

ولكن هذه الأوساط لا تبدي في الوقت نفسه ارتياحاً الى احتمالات تطور الأمور في اتجاهات فوضوية في قابل الأيام، خصوصاً ان الجماعات الاحتجاجية تزمع إطلاق موجة جديدة من التظاهر إثباتاً لمضي التحرك في تحدي القرار الأمني والسياسي، وسط معلومات عن انه يجري التحضير لتظاهرة كبيرة غداً على غرار تظاهرة 29 اب الماضي. وتعتقد الاوساط ان المحطة المقبلة ستكون بمثابة اختبارٍ حاسم لمدى قدرة التحرك على حشد التأييد الشعبي، وان حجم التظاهرة سيكون هذه المرة مقياساً واختباراً حاسماً حيال ما اذا كان الرأي العام الشعبي، لا يزال يؤيد هذا التحرك ام انه بدأ بالتراجع التدريجي، علماً ان الحِراك سجّل “خطوة الى الوراء” امس مع إعلان المضربين عن الطعام امام مقر وزارة البيئة، فكّ إضرابهم الذي كان مستمراً منذ أكثر من اسبوعين، عازين الأمر الى ان وزير البيئة محمد المشنوق الذي كانوا يطالبون باستقالته “حاسَبه الناس والتاريخ وبالتالي تَحقق هدفنا”، رغم ان المشنوق لم يستقِل من منصبه.

وتشير الاوساط الى ان ثمة قراراً واضحاً لدى السلطة السياسية والأمنية بمنْع الانزلاق الى الفوضى، ولكن دون ذلك محاذير وشكوك وخصوصاً ان الإفراط في استعمال القوة من شأنه ان يثير تداعيات سلبية، كما انه يشكل عاملاً يخدم الجماعات الاحتجاجية لجهة ظهورها في موقع مَن يتعرض الى القمع السلطوي. وتشير الأوساط عيْنها في هذا المجال الى ان الحكومة لا تبدو في أحسن أحوالها إطلاقاً في مواجهة هذا المقلب الجديد من المأزق. فلا خطة النفايات وجدت طريقها بعد الى بدء التنفيذ، رغم المخاوف من بدء موسم الأمطار التي من شأنها إحداث كارثة مع انتشار أكداس النفايات في الشوارع منذ شهرين من دون جمعها ونقلها، ولا المضي في قرار التصدي الحازم لأعمال الشغب قد يبقى ثابتاً ومغطى سياسياً بالكامل، اذا عادت المزايدات السياسية لتلعب دورها في حشْر القرار الحكومي وإضعافه.

وتترقب الاوساط تطورات الايام المقبلة التي ستسبق توجه رئيس الحكومة تمام سلام الى نيويورك الخميس المقبل، للمشاركة في افتتاح أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة وإجراء مجموعة لقاءات مع عدد من الزعماء الدوليين، والمشاركة في اجتماع مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان. وتعتقد الاوساط ان ما سيسبق مغادرة سلام الى نيويورك، سيكون ذا أثر مباشر على نتائج الزيارة لأن الواقع اللبناني بدأ يرسل إشارات قلقة الى المجتمع الدولي حيال مدى الاستمرار في حماية الاستقرار الأمني الداخلي، الذي لا يزال يحظى بمظلّة دوليّة. وسيغادر سلام بيروت بعد يومين من موعد الجلسة الثالثة من الحوار (الثلاثاء المقبل) الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري في مقر البرلمان، وذلك لاستكمال النقاش في بند رئاسة الجمهورية، الذي شكّل محور جلسة اول من امس التي تقاطعت المعلومات عند انها خلصت عملياً الى طيّ صفحة انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، وهو ما يدعو اليه العماد ميشال عون، اذ أبدى غالبية المتحاورين وبينهم الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية عدم موافقتهم على هذا الطرح الذي كرّره ممثّل عون على الطاولة صهره وزير الخارجية جبران باسيل، بعدما اختار “الجنرال” العزوف عن حضور الحوار شخصياً، في رسالة اعتراض “تمهيدية” لم يُحسم اذا كان سيكتفي بها ام يلجأ الى المقاطعة الكاملة لـ “طاولة بري”.

واذا كان “الحوار” خلص الى تأكيد “حزب الله” ان “الأولوية الآن لوضع قانون جديد للانتخابات تجرى على أساسه انتخابات نيابية ثم ينتخب رئيس وتتشكل حكومة جديدة”، داعماً إيصال عون إلى الرئاسة، فان المفارقة التي رافقت تَمسّك رئيس كتلة “المستقبل” فؤاد السنيورة باتفاق الطائف ورفْضه صراحة انتخاب عون رئيساً، تمثّلت في موقف فرنجية الذي أيدّ عدم المساس بالطائف سائلاً القيادات الاسلامية “هل ترضون أن يؤتى بموظف رئيساً للوزراء؟” واذا كانوا يقبلون بتعديل الدستور للإتيان بموظف “ممدَّدة خدمته”، ما اوحى بأنه كان يحاول استدراج موقف يقطع الطريق على وصول قائد الجيش العماد جان قهوجي للرئاسة.