خفايا وأسرار الهيمنة على “الوظيفة العامة”.. رؤية مسيحية مفقودة و”استراتيجية” إسلامية مدروسة (الجزء الثاني)
تقرير: رولان خاطر
بعدما أوردنا في الجزء الأول من تقرير “خفايا وأسرارالهيمنة على “الوظيفة العامة” المرحلتين الأولى والثانية اللتين تتناولان حقيقة تهميش المسيحيين، أي عبر الإعلان عن الوظيفة والأساليب التي تعتمد في مرحلة ما قبل الاعلان، والتقدم إلى الوظيفة، حيث باتت عملية ممنهجة تسهّل على الطوائف غير المسيحية عملية الانخراط في الدولة بنسب كبيرة متفاوتة جداً مع العنصر المسيحي، نورد المرحلتين الأخيرتين أي مرحلة “المباريات” ومرحلة “نتائج المباريات”، واللتين لا تقلان خطورة عن الأولى والثانية، وتشكلان “نهاية الجسر” للعبور إلى الوظيفة العامة.
المرحلة الثالثة: المباريات
هي المرحلة التي تضم ما يسمّى بـ”اللجان الفاحصة”. وفي هذاالسياق، نشير إلى أنّ “قانون مجلس الخدمة المدنية” يمنع أي أستاذ درّب مرشحين إلى امتحانات “مجلس الخدمة” ان يكون في اللجان الفاحصة. ويشدد القانون على ان هذه اللجان يجب ان تكون متنوعة، ومتعددة الطوائف.
لكن السؤال الأهم: “أين تكمن القطبة المخفية وكيف يتم التحايل والالتفاف على القانون”؟
فلو افترضنا أننا امام مباراة يعدّها “مجلس الخدمة” لمصلحة “وزارة المالية”، يُصار عندها إلى تشكيل “لجنة فاحصة”، تحترم الأصول في الشكل، ولكن تخالفها في المضمون، عبرالسماح بتعيين أستاذ “شيعي”، يكون درّب المرشحين “الشيعة” الذين تقدموا إلى مباراة وزارة المالية، فيختار الأسئلة التي يراها مناسبة، والتي تتوافق مع البرنامج الذي تدرّب عليه تلاميذه، فيحقق “المرشحون الشيعة” نجاحاً متميزاً عن باقي المرشحين. فيما ممنوع على أي أستاذ “مسيحي” يساعد ويدرّب المرشحين المسيحيين أن يكون في اللجنة الفاحصة.
المرحلة الرابعة: نتائج المباريات
بعد صدور نتائج الامتحانات، يرسلها “مجلس الخدمة المدنية” إلى الوزارة المختصة، فيقوم الوزير المعني بنقل هذه النتائج إلى مجلس الوزراء، طالباً توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيرالمالية على مايسمّى بـ”مرسوم التوظيف”، كي يتم تعيين الناجحين في وظائفهم.
فضيحة الوزراء المسيحيين
هذه المرحلة تلقي الضوء قليلا على دورالوزراء المسيحيين وأدائهم في صيانة التوازن الطائفي، بدءاً من المرحلة ما قبل الأولى وصولا إلى المرحلة الرابعة :
يتحمّل الوزراء المسيحيون مسؤولية كبرى لعدم إتّقانهم عملهم السياسي في الحكومة، إلى أي جهة انتموا من دون استثناء. فهم لا يحضرون ملفاتهم كما يفعل الآخرون فلا يتشاورون مع المؤسسة العاملة على الأرض، ويوقعون على المراسيم التي تمرّ على طاولة مجلس الوزراء من دون قراءتها حتى، أومعرفة مضمونها كما أكدّ عدد من الوزراء في مقابلة لهم على إذاعة صوت لبنان – ضبيه في شهر آذار 2015.. إنها الفضيحة الكبرى.
من هنا، للوزراء المسيحيين دور مهم وفعّال، إذا ما قرروا أن يقوموا به:
أولاً: عند وجود أيّ مراسيم لا تراعي التوازن الطائفي وهي كثيرة، على الوزراء المسيحيين أن يقوموا بتوقيفها ويمنعوا إقرارها. على سبيل المثال: صدر تأخير نتائج المباريات التي أجرتها وزارة المالية، لوظيفة مراقب ضرائب – مراقب جباية – محتسب – محاسب في ملاك مديرية المالية العامة في وزارة المالية، بنجاح 216 مرشحاً، 42 مسيحياً، و130 شيعياً، وهوأمر يخالف بوضوح قواعد التوازن الطائفي ومقتضيات الوفاق الوطني.
ثانياً: “مسؤولية الوزراء المسيحيين الإفادة بطريقة فورية عن أيّ إعلان في مجلس الوزراء بشأن إجراء مباريات ضمن الوظيفة العامة، خصوصاً أنّ المجلس مجتمعاً يأخذ علماً بأمر الوظيفة الشاغرة قبل ثمانية أشهر على الأقل.
ثالثاً: المطلوب من الوزراء المسيحيين التنبّه وعدم التوقيع على مراسيم قد تورّط المسيحيين، وتساهم بتهميشهم وإضعافهم في السّلطة، خصوصاً ان البراهين على هذا الموضوع كثيرة.
باختصار، هنا كما يشبه عملية ممنهجة، لإضعاف الوجود المسيحي في وظائف الدولة، ومن يتابع ما يجري على صعيد الوظيفة العامة ومجلس الخدمة المدنية، يرى ما يشبه التآمر المفضوح، ما يؤدّي بن اإلى طرح العديد من الأسئلة:
أولا: من يمنع المسيحيين من الدخول إلى الدولة، ولماذا؟
ثانياً: من هو المتحكم بمجلس الخدمة المدنية، وما هو دور المدير العام للموظفين الأستاذ أنطوان جبران؟ ولماذا لا يتعاون مع المرجعيات المسيحية كغيره لتسهيل هذه الأمور وبخاصة أن المسيحيين بحاجة إلى تشجيع أكثر من غيرهم لأنهم منذ سنة 1990 قمعوا وأبعدوا عن الدولة وهم بحاجة إلى تحفيز للعودة إليها؟.
ثالثا: لماذا يُسمح للطائفة الشيعية وغيرها من الطوائف بما لا يُسمح للمسيحيين؟
رابعاً: لماذا هذا الضعف الموجود على مستوى المراجع الحزبية والروحية في متابعة أخطر وأهم مسألة تمسّ بالوجود المسيحي الحاضر والفاعل في الدولة، فتنصرف هذه المرجعيات إلى التلهي بأمور السلطة وإبرام الصفقات والمحاصصات؟
خامساً: أين هي بكركي من هذا العمل الممنهج الذي يضر بالمسيحيين؟ وأين هي الأحزاب والفاعليات المسيحية مما يحصل؟
ولأنّ فعالية وقوة المسيحيين هي في انخراطهم في الدول التي ينتمون إليها، لا بدّ من ان يواصلوا جهودهم، ويؤمنون بأن “العين تقاوم المخرز”، وبأن هذا الأمر لا يتحقق إلا بوعي مرجعياتهم السياسية والحزبية والروحية، مع التأكيد على اهمية التواصل مع الشريك المسلم أكان سنياً او شيعياً كي يقتنع، ولو بعد حين، بأن المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من هذا البلد، لا بل أساس هذا الوجود، وليس هناك قوة في العالم تستطيع ان تزيلهم من هذا الوجود.