IMLebanon

نجاح برنامج التيسير الكمي يفاجئ المراقبين

mario-draghi

فولفجانج مونشاو

برنامج التسهيل الكمي بدأ في منطقة اليورو قبل ستة أشهر، ما يجعل هذه لحظة مناسبة لإجراء تقييم مُبكّر فيما إذا كان البرنامج قد نجح. البنك المركزي الأوروبي فعل ذلك، واستنتج أن كل شيء يجري على ما يُرام. معظم الخلافات حول هذا الموضوع هي من قبيل ما إذا كانت الكأس نصف ممتلئة أو نصف فارغة. هناك سؤال أكثر إثارة للاهتمام هو: ماذا يوجد في الكأس؟

دعونا نتذكّر أن الهدف من البرنامج كان رفع معدل التضخم الرئيسي إلى المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي. وهو مُحدّد بنسبة أقل، لكن قريبة من 2 في المائة. قبل ستة أشهر، كان معدل التضخم الرئيسي السنوي سالب 0.1 في المائة. والمعدل الأساسي، الذي يستبعد الطاقة والمواد الغذائية والكحول، كان 0.6 في المائة. هذه الأرقام ارتفعت منذ ذلك الحين، بنسبة 0.3 و0.4 نقطة مئوية على التوالي. هل كان هذا بسبب برنامج التسهيل الكمي؟ جوابي القائم على التكهن هو كما يلي: من الواضح ليس جميعه، لكن ربما معظمه – في حدود 0.2-0.3 نقطة مئوية. هذا ليس كثيرا، لكنه شيء ما على كل حال.

هذه ليست القصة بالكامل. برنامج التسهيل الكمي كان ناجحاً بشكل مذهل في فتح تدفّق الائتمان المصرفي في جنوب أوروبا، وفي إيطاليا على وجه الخصوص. استخدمت المصارف الأموال من السندات الحكومية التي باعتها إلى البنك المركزي الأوروبي لتقديم القروض إلى الشركات والمُستهلكين. وهذا ما أنهى الأزمة الائتمانية وساعد أيضاً على تنشيط سوق المال في منطقة اليورو.

هذا الجانب من البرنامج كان أكثر نجاحاً مما توقّعه كبار المسؤولين في البنك المركزي الأوروبي. حيث يبدو أن الجمع بين برنامج التسهيل الكمي والسياسات الأخرى قد نجح. باستثناء برنامج التسهيل الكمي، فإن البنك المركزي الأوروبي جعل مزيدا من السيولة مُتاحا للمصارف من خلال العمليات التقليدية. الاتفاق كان: كلما زاد إقراض المصارف للقطاع الخاص، حصلت على سيولة أكثر من البنك المركزي الأوروبي.

قد يبدو في البداية أن حُكم الكأس نصف الممتلئة هذا من شأنه دعم وجة النظر أن برنامج التسهيل الكمي ينبغي أن يستمر إلى ما بعد أيلول (سبتمبر) من عام 2016، وهو أقرب وقت مُمكن للموعد النهائي للبرنامج.

ليس كذلك. الوضع أكثر تعقيداً من ذلك. أولاً وقبل كل شيء، لم تعُد هناك حاجة إلى برنامج التسهيل الكمي لفك مغاليق الائتمان. لقد تمت المهمة. إذا أنهيت برنامج التسهيل الكمي، فإن قناة الائتمان لن تنكمش مرة أخرى بشكل مفاجئ.

ماذا عن معدل التضخم؟ إذا كان برنامج التسهيل الكمي سيرفع معدل التضخم بمقدار نقطتين أو ثلاث نقاط عشرية كل ستة أشهر، ربما سيكون قد أنجز مهمته بعد ثلاثة أعوام. في هذه الحالة سيكون من الأفضل الاستمرار في برنامج التسهيل الكمي حتى يتم إنجاز المهمة. على أن مثل هذا الاستقراء الخطي سيكون ساذجاً إلى حد ما.

يبدو أن معظم تأثير الاقتصاد الكلي لبرنامج التسهيل الكمي قد حدث بالفعل. فقد أدى إلى ارتفاع فوري في توقّعات معدل التضخم. وأصبح المستثمرون أكثر تفاؤلاً بشأن التوقّعات الاقتصادية في منطقة اليورو بشكل عام. الإجماع في السوق كان أن برنامج التسهيل الكمي أثار انتعاشاً اقتصادياً. أنا أدعو هذا قناة الغبار السحري للسياسة النقدية. حيث أطلقت حلقة حميدة لبضعة شهور، بدأ خلالها الناس العقلانيون خلافاً لذلك يؤمنون بالسحر.

هذه الفترة انتهت. الاقتصاد العالمي يتراجع مرة أخرى بسبب مزيج من إعادة التوازن في الصين، وضعف في الأسواق الناشئة، وانخفاض في أسعار الأسهم والسلع الأساسية. اقتصاد منطقة اليورو حساس جداً لتحوّلات الطلب العالمي.

في أحدث توقّعاتها الاقتصادية، وضعت المفوضية الأوروبية فائض الحساب الجاري المُقدّر لعام 2015 لمنطقة اليورو بمقدار 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

هل تذكرون التأثير الاقتصادي الكبير على منطقة اليورو العام الماضي عندما قامت روسيا بضمّ شبه جزيرة القرم. هذه الصدمة الأخيرة ستكون أكبر. لذلك نحن في مرحلة حيث الغبار السحري قد استقر، ونحن ننظر إلى المُنحدر بوضوح.

إذن ماذا ينبغي أن يفعل البنك المركزي الأوروبي؟ وجهة نظري هي أنه سيكون من الأفضل بالنسبة إليه التركيز بلا هوادة على هدفه لمعدل التضخم – تماماً مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة – واختيار السياسة الأكثر احتمالاً لتحقيقه. وحيث إن أسعار الفائدة هي في الحدود الأدنى من الصفر، وعدم إنجاز برنامج التسهيل الكمي الحالي للمهمة، هذا لا يترك سوى اثنين من الخيارات البديلة.

الأول هو تكثيف البرنامج. هذا لن يكون أمراً سهلاً لأن حكومات منطقة اليورو جميعها تدمج السياسة المالية. إنها تُصدر سندات أقل. ببساطة ليست هناك سندات كافية حتى يقوم البنك المركزي الأوروبي بتمديد البرنامج بطريقة كبيرة.

البديل سيكون أكثر تطرّفاً، وفي نفس الوقت أكثر واقعية: توزيع الأموال بالطائرات المروحية – السياسة النقدية الوحيدة التي لم تتم تجربتها بعد. إذا أعطى البنك المركزي الأوروبي شيكا بمقدار خمسة آلاف يورو لكل مواطن في منطقة اليورو، سيكون قد وسّع ميزانيته العمومية بنحو 1.5 تريليون يورو. وإذا لم يفلح هذا في حل مشكلة معدل التضخم، ينبغي إرسال شيك آخر.

بالتالي فإن البدائل ليست بين ما إذا كانت الكأس نصف ممتلئة أو نصف فارغة، بل هي بين كأس صغيرة من الماء، وكأس كبيرة تحتوي على عصير حقيقي مركز وغير مُخفّف.