ي 1997 تحدى مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، وصاية صندوق النقد الدولي المتعلقة بمواجهة المشاكل الاقتصادية القائمة، وأصر على تبنّي أجندة وطنية لمواجهة أزمة الانهيار الاقتصادي التي اجتاحت دول جنوب شرق آسيا، وأعلن تطبيق حزمة من الإصلاحات بدأت بالقضاء على الفساد في الجهاز المصرفي، ومحاربة المضاربة على العملة المحلية خارج ماليزيا، وأنشأ شركة حكومية لدعم الشركات المحلية المتداولة بالبورصة التي هبطت أسعار أسهمها عن القيمة الأسمية، وألزم مهاتير المصدرين التنازل عن قيمة الصادرات بالكامل للجهاز المصرفي.
نجح مهاتير محمد في عبور الأزمة، وقدم نموذجاً للتعامل مع الرأسمالية، يتمثل في الندية والاستقلال وليس التبعية.
ومع مرور ماليزيا بأزمة اقتصادية هذه الأيام، هل يصلح ما طبقه مهاتير في 1997 لعلاجها؟
الأمر مختلف هذه المرة في ظل حكومة نجيب رزاق، من عدة جوانب، منها أن الأزمة الاقتصادية الحالية أخفّ من أزمة التسعينيات، ولكنها ذات دلالات سلبية تتعلق بتراجع قيمة العملة المحلية، واستنزاف احتياطي النقد الأجنبي.
نعم تحركت الحكومة الحالية لعلاج الأزمة وإنعاش الاقتصاد الماليزي، ومن بين الخطوات الأخيرة التي أعلن عنها رزاق دعم شركة الاستثمار الحكومية بنحو 5 مليارات دولار، لشراء أسهم الشركات التي هبطت قيمتها عن القيمة الاسمية بالبورصة، لكي تمارس ذات الدور الذي قامت به نهاية التسعينيات، كصانع للسوق.
ومن ضمن إجراءات الإنعاش كذلك إعفاء واردات نحو 90 بنداً من الجمارك، لإنعاش الصناعات التحويلية، كما سيُعفى سائحو الصين من الحصول على تأشيرة دخول لماليزيا لستة شهور آتية.
المفارقة بين تجربة مهاتير ونجيب، أن الأول لم تُمس سمعته في قضايا فساد حتى غادر السلطة في 2003، بينما الثاني تحوم حوله شبهات فساد في قضايا لازالت مفتوحة أمام القضاء، وتسببت في خروج المعارضة السياسية في مظاهرات على مدار الأشهر الماضية، بشكل غير مسبوق في ماليزيا.
وقبل دعم نجيب للبورصة عليه أن يبحث عن الأسباب التي أدت لتراجعها، وإلا فسيذهب هذا الدعم بلا عائد، فقد يكون انهيار البورصة مرجعه للفساد بشكل كبير، وبخاصة أن شبهة الفساد تطلّ من رأس السلطة هناك.
كما أن الصادرات الماليزية لم تتأثر بالسالب على مدار الفترة الماضية، كما تظهر الإحصاءات الرسمية بماليزيا، وقد يفتح هذا الدعم باب الشكاوى ضد ماليزيا لدى منظمة التجارة العالمية، من قبل الدول المستوردة للبضائع الماليزية.
ويبقى باب إعفاء السائحين الصينيين من تأشيرة الدخول، كأحد الحلول التي قد تؤدي إلى مزيد من الرواج لقطاع
السياحة بماليزيا، وبخاصة أن البلاد لم تعد ضمن المقاصد السياحية العشرة الأولى عالميًا حسب بيانات منظمة السياحة العالمية في عام 2014، وغاب عن خطة نجيب تحديد سقفها الزمني، كما فعل مهاتير في التسعينيات.