9 أطباء مُرتشين، هي حصيلة كل ما توصلت إليه وزارة الصحة العامة في الفترة الأخيرة، نتيجة تدقيقها وتمحيصها في سير عمل الأجهزة الطبية في المستشفيات، و40 في المئة هي النسبة التي أكدت الوزارة إضافتها “زوراً” الى الفواتير الإستشفائية.
ما توصلت إليه الوزارة لا يمكن إنكاره كإنجاز نظراً الى تمكنها من إحداث ثقب في الجدار العازل الذي بناه “كارتل الصحة في لبنان” من مستشفيات وأطباء وشركات مستوردة للأجهزة الطبية وشركات الأدوية، من عشرات السنين، لكن ورغم ذلك يبقى أمام الوزارة الكثير من المهام الصعبة، لتتمكن من فك الإرتباط “التواطوئي” بين أركان كارتل الصحة على حساب المريض اللبناني.
وفي حين صمّت نقابة الأطباء آذانها عن قرار وزير الصحة وائل ابو فاعور إحالة 9 أطباء مراقبين الى النيابة العامة المالية، بعد ورود شكاوى بتقاضيهم مبالغ غير مشروعة، برّرت نقابة المستشفات على لسان نقيبها سليمان هارون الـ40 في المئة المتهمة بتزويرها في الفواتير، بوجود خطأ بنيوي في آلية التدقيق في فواتير المستشفيات من قبل الوزارة، ورأى هارون في حديثه الى “المدن” أن وزارة الصحة العامة تعتمد في آلية التدقيق في فواتير المستشفيات، على اختيار بعض الفواتير عشوائياً عبر جهاز الكمبيوتر، وتأخذ الفواتير الأكبر قيمة وتدقق فيها، وتعتبر الوزارة، في حال إخضاع الفاتورة من قبل المستشفى الى حسم على قيمتها، أن الفاتورة الإجمالية معرّضة للتزوير والتضخيم، مختصراً أمر اتهام المستشفيات بتزوير الفواتير، بوجود اختلاف بالرأي حول آلية التدقيق بين المستشفيات والوزارة.
واقترح هارون حلاّ “منطقياً” للتدقيق يرضي الطرفين، على حد قوله، وهو اعتماد وزارة الصحة العامة آلية للتدقيق بكل فاتورة على حدة، وهنا بدا هارون كـ”من يضع العصي بالدواليب”، لاسيما أنه لا يخفى على أحد نقص الكوادر البشرية في كافة الإدارات العامة ومنها وزارة الصحة، وإن توفرت القدرة البشرية للتدقيق بكافة الفواتير في المستشفيات فإن ذلك يصبح بحسب أحد المراقبين الصحيين “مضيعة للوقت”، باعتبار أن العيّنات تمثّل المجموع بالمنطق الإحصائي، كما أنه ليس مقبولاً وجود أي حسومات أو زيادات على الفواتير الإستشفائية.
وذهب هارون بالدفاع عن المستشفيات وإستنكار اتهام الوزارة لها بتزوير فواتيرها، الى دعوة وزارة الصحة الى التعاقد مع شركات إدارة محفظات التأمين، لتولّي مهمة التدقيق بالفواتير الإستشفائية أثناء وجود المريض في المستشفى، وهذا المخرج وصفه مراقب الصحة في حديثه الى “المدن” بـ”البدعة”، لاسيما أنه لا يلغي التزوير والتضخيم في الفواتير، بل يضيف عاملاً آخر الى أزمة الفساد في القطاع الإستشفائي والصحي، هو عامل التسويق لشركات التأمين والتواطؤ معها على حساب الوزارة والمريض معاً.
إن كانت المستشفيات بما فيها من عاملين وأطباء ومراقبين، بريئة مما يُنسب إلى بعضها من قبل وزارة الصحة ومتابعين للشأن الصحي، وإن كانت تتجاوز بمهامها المفهوم الإستهلاكي والتجاري، فلتفسّر للبنانيين إذا سبب ارتفاع عمليات جراحة القلب في لبنان عما هي عليه في الدول الكبرى كفرنسا (جراحة قلب يومية من كل 300 ألف لبناني مقابل جراحة قلب يومية من كل 850 الف فرنسي)، وكيف يمكن تفسير وجود أجهزة طبية في لبنان بأضعاف عدد الأجهزة في فرنسا (جهاز 122 CT scan لكل 35 الف لبناني مقابل جهاز لكل 200 الف فرنسي، وجهاز 47 MRI لكل 90 الف لبناني مقابل جهاز لكل نصف مليون في فرنسا)، كيف يمكن تفسير ذلك سوى أن بعض الأطباء يلجأون بالتواطؤ مع المستشفيات والشركات المستوردة للمعدات الطبية، الى إجراء عمليات جراحية، أو الى فرض صور ومستلزمات طبية لا لزوم لها.