IMLebanon

علامات إعياء على نظام روسيا المصرفي

RussiaRubleDown
كورتني ويفر

كان أناتولي موتيليوف يمثل الصورة المثالية لمصرفي روسي مثقف: فهو مولود ضمن النخبة السوفياتية، وكان يختلط بسهولة بالنخبة المرتبطة بالكرملين وقادة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.

بقي هذا المصرفي البالغ من العمر 49 عاما إلى حد كبير بعيدا عن الرأي العام – لا يخوت ولا فيلات ولا حفلات فخمة – واتخذ شكلا متواضعا، بنظارته وشاربه المشذب ما يجعله شبيها بمحاسب في فترة الثمانينيات. بدى تركيزه وكأنه منصب على عمله التجاري المصرفي، الذي امتد إلى أربعة مصارف روسية تجارية وسبعة صناديق معاشات تقاعدية خاصة.

الآن، في أعقاب الانهيار العجيب لإمبراطوريته، بدأ يظهر موتيليوف آخر. الرجل الذي يعتبر شخصا منطويا لا يحب الظهور، متهم بإدارة واحدة من أكبر عمليات “التنظيف بالشفط” vacuum cleaning في روسيا – التي تشفط الودائع عن طريق تقديم أسعار فائدة مضاعفة واستخدام المال لتمويل مشاريعه التجارية الخاصة.

إن قصة صعود وهبوط موتيليوف تثير أيضا تساؤلات أوسع تتعلق باستقرار القطاع المصرفي الروسي، الذي تعرض للأذى بسبب التراجع الحاد في أسعار النفط، والروبل المتقلب، والعقوبات الغربية.

في تموز (يوليو) الماضي سحب البنك المركزي الروسي التراخيص الخاصة بمصارف موتيليوف التجارية الأربعة، بما فيها روسيسكي كريديت، المصرف الذي يحتل المرتبة رقم 45 في روسيا من حيث الأصول. وفي الشهر الماضي سحب التراخيص الخاصة بصناديق المعاشات التقاعدية الخاصة السبعة التي يشرف عليها أيضا.

وكانت مصارف موتيليوف الأربعة تشتمل معا على أكثر من 1.1 مليار دولار من الودائع. أما صناديق المعاشات التقاعدية التي قدرت قيمتها بأكثر من مليار دولار في نيسان (أبريل)، فقد كانت تضم مدخرات نحو مليون روسي.

وفي وقت سابق هذا الشهر، قال البنك المركزي الروسي إنه وجد فجوة تقدر بـ 1.5 مليار دولار في الميزانيات العمومية لمصارف موتيليوف. وتحقق وكالات إنفاذ القانون الروسية الآن في المعاملات الجنائية المحتملة التي تضطلع بها إدارة المصارف. لم يظهر موتيليوف في مكاتب المصارف التابعة له منذ تموز (يوليو). ووفقا لبعض التقارير الصحافية الروسية، فر من البلاد إلى المملكة المتحدة. ولم يتسن الوصول إلى رجل الأعمال للحصول على تعليق.

ويبدو أن انهيار إمبراطورية موتيليوف المصرفية يمثل واحدا من أكبر انهيارات المصارف منذ بداية الأزمة الاقتصادية الروسية قبل عام. ومن المتوقع أن تتولى الدولة تغطية أغلبية الخسائر التي لحقت بالمتقاعدين والمودعين. مع ذلك، يوجه بعضهم أصابع الاتهام ليس فقط نحو المصرفي، وإنما أيضا إلى البنك المركزي الروسي للسماح لموتيليوف ببناء مجموعة مصرفية بمليارات الدولارات في المقام الأول.

وبحسب النقاد، كان ينبغي على الجهاز التنظيمي أن يكون أكثر استباقا لأن موتيليوف كان قد أشرف على انهيار أحد المصارف من قبل. فقد سبق لموتيليوف أن أدار مصرفا روسيا كبيرا هو “جلوبكس” الذي واجه مشكلة خلال الأزمة المالية عام 2007/2008، ما تتطلب عملية إنقاذ بأكثر من 2.5 مليار دولار. وبعد الإنقاذ وجد مسؤولون حكوميون أن مئات الشركات التي اقترضت من جلوبكس كانت شركات وهمية قالت السلطات إن موتيليوف كان يستخدمها لتوجيه الأموال نحو المشاريع العقارية الفاشلة الخاصة به.

ويلاحظ محللون أن هناك أوجه تشابه لافتة للنظر بين جلوبكس ومشاريع موتيليوف الأحدث، ما يجعل من المثير للدهشة أن البنك المركزي لم يتخذ إجراءات سريعة من أجل سحب تراخيصه المصرفية. ويقول ماكسيم أوسادتشي، المحلل لدى بنك “سي إف بي” في موسكو: “كرر أناتولي موتيليوف الخدعة نفسها مرتين. أنفقت الحكومة 87 مليار روبل على المرافق الصحية لمشروع جلوبكس ولم يتم حتى إرساله إلى السجن”.

ووصف سيرجي أليكساشنكو، نائب محافظ البنك المركزي في روسيا في الفترة 1995 – 1998، الانهيار الأخير لمصارف موتيليوف بأنه يعكس فشلا من جانب الجهة المنظمة الروسية. ويقول: “هناك أشخاص يمكن تعليمهم وأشخاص لا يمكن تعليمهم”. ويضيف: “هذه هي الطريقة الوحيدة لتفسير هذا الوضع”.

وعلى مدى الـ 18 شهرا الماضية سحب البنك المركزي تراخيص أكثر من 140 مصرفا في إطار عملية تطهير للقطاع المصرفي. وتعتبر الاستراتيجية المتبعة جزءا من إجراء كان مقررا منذ فترة طويلة لتخليص القطاع من اللاعبين الأضعف وما يعرف بـ “مصارف الجيب”، التي تحتفظ بأصول رجال أعمال أفراد أو أصول عائلات، ويغلب عليها أن تكون مصدرا لغسل الأموال. وأشاد مشاركون في السوق بعملية التطهير إلى حد كبير. لكن النقاد يقولون إن الجهة المنظمة لا تزال لا تفعل ما فيه الكفاية، ويشيرون إلى تاريخ موتيليوف المتقلب باعتباره مثالا رئيسيا.

وسلطت عملية التطهير التي نفذتها الجهة المنظمة الضوء على باطن القطاع المصرفي الروسي، الذي يمتد إلى أبعد من المصارف التي تعاني المشاكل فعليا، مثل مصرف موتيليوف، وكذلك بعض الأسماء الأكبر التي كان يعتقد أنها مكان للرهانات المصرفية الآمنة.

ففي كانون الأول (ديسمبر)، تبين أن ترست بانك، المصرف الـ 32 الأكبر في روسيا من حيث الأصول، لديه فجوة تقدر بـ 28 مليار روبل في ميزانيته العمومية، وهو رقم تمت مراجعته وتنقيحه لاحقا ليصبح 127 مليار روبل. وفي الشهر الماضي، أعلن البنك المركزي أن بروبزنسبانك، وهو مصرف يشارك فيه مستثمرون من الغرب، بما في ذلك إيست كابيتال في السويد وصندوق التحوط بلوكريست، كان يحتفظ بسندات وهمية في ميزانيته العمومية. ووفقا للبنك المركزي، في الوقت نفسه الذي تم فيه سحب ترخيص بروبزنسبانك، كان المطلوبات على هذا المصرف تزيد مليار دولار على ما لديه من أصول.

ويقول شخص قريب من حاملي الأسهم في بروبزنسبانك: “إن وضع النظام المصرفي أسوأ مما يعتقده الناس. أعتقد أن بروبزنسبانك علامة على هذا الوضع”.

ربما تكون سنوات الإقراض السريع ونمو ودائع التجزئة قد عملت على إخفاء المشاكل الكامنة لدى بعض المصارف الروسية، لكن أوجه القصور تظهر الآن للعيان في الوقت الذي يرتفع فيه معدل القروض المتعثرة.

يقول إيرلكلي بيبيا، المحلل لدى موديز: “ما أدى إلى تفاقم مشاكل المصارف المذكورة وجعلها أكثر وضوحا هو الأزمة الحالية. عندما يكون لديك عضو ضعيف وتتعرض للضرر فمن الممكن أن يكون فتاكا”.