ابراهيم عواضة
اربك التقرير الاخير لوكالة «ستاندرد اندبورز» حول التوقعات المستقبلية للبنان الوسط المصرفي، كما وزارة المال ومصرف لبنان، وذلك انطلاقاً من بعض العبارات «القاسية» ازاء الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان التي وردت في بعض جمل واقسام هذا التقرير. وبحسب مصادر مصرفية متابعة، فان تقرير الوكالة وجه رسالة انذار شديدة اللهجة الى السلطة السياسية، وعلى رأسها وزارة المال بضرورة الاسراع في معالجة الازمات السياسية والدستورية المفتوحة، والشروع في الاصلاحات المالية، وذلك تحت طائلة ان التأخير في تحقيق وحلحلة هذه الامور سيدفع بالوكالة، كما بوكالات التصنيف الدولية الاخرى الى تخفيض جديد لتصنيف لبنان الائتماني، وهو ان حصل سيحمل معه اكثر من اشارة سلبية للاقتصاد اللبناني، وللقطاع المالي في الداخل، كما في الخارج.
تقرير الوكالة الذي ابقى تصنيف لبنان الائتماني بالعملات المحلية والاجنبية للمدى المتوسط والطويل B/B- اكد على ان الوكالة قد تقدم على خفض التصنيف خلال الاشهر الـ12 المقبلة من مستقر الى سلبي، اذ اظهر النمو الاقتصادي تباطؤاً اكثر مما كان متوقعاً، او اذا تبين ان الاوضاع السايسية تدهورت اكثر وادت الى صراعات واثرت في استقرار المؤسسات. ويمكن ان نعيد، تقول الوكالة التوقعات الى مستقرة اذا سجل النمو الاقتصادي والمالية العامة تحسناً.
رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه علّق على تقرير «ستاندرد اند بورز» وقال لـ«الديار» ان التقرير حذّر من المخاطر السياسية وتعطيل عمل المؤسسات وانعكاس ذلك على النمو، وتاليا على تصنيف لبنان الائتماني. نحن من جهتنا كنا ولا زلنا نحذر من سلبيات هذا الامر على التصنيف، وعلى الاقتصاد وعلى القطاع المالي.
اضاف: لكن علينا ان لا نذهب بعيداً في التحليل والاستنتاج، وصولاً الى حدّ تخويف الناس. قطاعنا المصرفي قوي ومتين وموثوق لديه اصول محلية تزيد عن 180 مليار دولار حاليا، اي ما يماثل نحو 3.5 اضعاف الناتج المحلي، وهو يحافظ على تألقه ونموه الجيد مستثمراً ما اكتسبه من مرونة فائقة في ادارة التعامل مع احداث طارئة، وما راكم من خبرات اثبتت جدواها في استيعاب تداعيات حالات متكررة من اختلال الاستقرار الداخلي والتأثيرات الخارجية.
ويقول طربيه: ان القطاع المصرفي يقوم بتأمين «تمويل الضرورة» للدولة اللبنانية، وذلك وفق سياسة مدروسة تأخذ بعين الاعتبار حجم المخاطر ومصلحة القطاع. ونحن حتى الساعة نقوم بهذا الامر «بصفر» مخاطر.
وختم طربيه: ان مؤسسات التصنيف تربط مخاطر المصارف بمخاطر الديون السيادية، لكن هذا لا يعني بالضرورة ان مصرفاً ما او اكثر هو المعني بهذا الامر، ان وضع مصارفنا قوي ومتين، وتالياً فان المؤسسات الدولية ومنها ستاندرد اندبورز تؤكد على هذا الامر، ودليل ذلك ان المؤسسة الاخيرة اشارت في تقريرها الاخير المثير للجدل الى الثقة القوية التي لا زال يحظى بها النظام المالي اللبناني.
هذا وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامه وفي ردّ غير مباشر له على توقعات «ستاندرد اندبورز» لمستقبل لبنان من مستقر الى سلبي قال: بالرغم من هذه التوقعات فستبقى الفوائد مستقرة في الاسواق، نظراً للسيولة المرتفعة المتوفرة في القطاع المصرفي اللبناني حيث تشهد الودائع تطوراً ايجابياً بنسبة تناهز الـ7 في المئة لهذا العام.
وتابع سلامه: كما ان القطاع المصرفي اللبناني قطاع سليم وقوي تصل فيه نسبة الملاءة الى 12 في المئة، نهاية هذا العام وفقاً لمعايير اتفاقية بازل 3 المطلوب تطبيقها في جميع انحاء العالم والتي لم تصل بعد اليها المصارف العالمية. نحن نتطلع الى المستقبل ونعمل لرفع نسبة الملاءة في المصارف بشكل تدريجي بين 2015 و2018 فتصل الى 15 في المئة. وهذا الامر ضروري للحفاظ على الثقة وعلى تعامل طبيعي مع الصيرفة العالمية.
} ملخص التقرير }
وكانت وكالة التصنيف الدولية «ستاندرد أند بورز» (S&P) قد عدّلت نظرتها المستقبلية للبنان من «مستقرة» إلى «سلبية» في تقريرها الصادر في 11 أيلول 2015 ، في حين حافظت على التصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السيادية بالعملات المحلية والأجنبية عند B- وB بالتتالي.
ووفق التقرير الإقتصادي الأسبوعي لبنك الإعتماد اللبناني، عزت الوكالة قرارها خفض نظرتها المستقبلية للبنان، الى «التوترات السياسية القائمة حالياً في البلاد والمنطقة وتداعياتها المحتملة على النمو الإقتصادي اللبناني في خلال الأعوام الثلاثة المقبلة».
وفي التفاصيل، ذكرت الوكالة «الفراغ الرئاسي المستمر منذ شهر أيار 2014 وشلل الحكومة والتمديد لمجلس النواب الذي انتهت صلاحيته في حزيران 2013 ، إضافة الى عدم إقرار الموازنة منذ العام 2005 كعوامل أساسية في خلق جوّ من الضبابية على الساحة السياسية والاقتصادية في البلاد».
وفي هذا الاطار، توقعت «ستاندرد أند بورز» أن يشهد لبنان نشاطاً اقتصادياً ضعيفاً في الأعوام القليلة المقبلة «وخصوصاً في ما يختص بالإستهلاك من قبل القطاع الخاص وحركة الاستثمار (بما فيها الاستثمارات الاجنبية المباشرة) والسياحة والخدمات المالية والحركة التجارية». إلا أن الوكالة ارتقبت أن يسجل لبنان نمواً اقتصادياً معتدلاً بنسبة 3% في خلال الفترة الممتدة بين العامين 2015 و2018 مدعوماً بارتفاع الإدّخار نتيجة انخفاض اسعار النفط وبالحزمة التحفيزية التي أطلقها مصرف لبنان والبالغة قيمتها مليار د.أ.
توازياً، أشار التقرير الى «الاعباء الكبيرة التي تخلفها التحويلات الى شركة كهرباء لبنان وخدمة الدين على المالية العامة للبلاد، مع توقعات بأن تصل نسبة العجز العام من الناتج المحلي الاجمالي إلى نحو 10% في العام 2015 ونسبة الدين العام من الناتج المحلي الاجمالي الى 137,5%».
كذلك ذكرت الوكالة أن التدفق المستمر للاجئين السوريين الى الاراضي اللبنانية والذين ناهز عددهم الـ1,1 مليون (مسجلين) لغاية آب 2015 يشكّل مصدر ضغط إضافياً على المالية العامة والبنى التحتية في لبنان.
أما على صعيد أكثر إيجابية، فأشادت وكالة التصنيف بـ«التدفق المستدام للودائع الى لبنان الامر الذي يساهم في تمويل الاحتياجات المالية للدولة»، مشيرة الى ان «ودائع القطاع المصرفي نمت بنسبة 6% في خلال العام 2014، مع توقعات أن تحافظ على نسبة نمو مماثلة في خلال العام 2015»، كما أشادت الوكالة بمستوى الإحتياطات بالعملة الاجنبية لدى مصرف لبنان والذي يغطي نحو 80% من الكتلة النقدية بالعملة الوطنية، إضافة إلى معدلات الفائدة المشجعة مقارنة بتلك السائدة في الولايات المتحدة.