اعتدنا منذ فترة طويلة جدا على التزييفات الصينية. ساعات مزيفة، وأشرطة فيديو مزيفة. بل، في الآونة الأخيرة، إلى حد إننا بتنا أمام بنك جولدمان ساكس مزيف. ماذا لو كان هنالك شيء جوهري مزيف؟ ماذا لو لم تكن أرقام الناتج المحلي الإجمالي في الصين، على هذا النحو المبالَغ فيه؟
اشتبه كثير من الاقتصاديين منذ فترة طويلة في ذلك الأمر تحديدا. من جانب، كانت بيانات الصين المتعلقة بنمو الناتج المحلي الإجمالي سلسة بشكل مثير للريبة. وفي حين إن معظم الاقتصادات تخضع لفترات من الطفرة والانهيار، إلا أنه يبدو أن اقتصاد الصين يبحر بغض النظر عن أي نوع من التغيرات.
أما السبب الآخر الذي يدعو إلى الشك فهو أن الأرقام الإقليمية والبيانات الوطنية لا تتطابق أو تنسجم فيما بينها. ولا حتى، في كثير من الأحيان، لا تتطابق الإحصائيات التجارية الصينية مع الإحصائيات لدى شركائها التجاريين.
يعود بعض السبب في مثل هذه الاختلافات إلى درجة صعوبة قياس النشاط في بلد مترامي الأطراف مثل الصين، لكن هناك سبب جزئي آخر، وهو أنها تنتج عن الحوافز الضارة التي من خلالها يكافأ المسؤولون وفقا لمقاييس فجة في النمو.
حين كان اقتصاد الصين يسير جامحا بسرعة تخطف الأنفاس، ربما لم يكن أي شيء من هذا له هذه الأهمية. سواء كان الاقتصاد ينمو بنسبة 8 في المائة أو 10 في المائة، كانت الأدلة على النمو واضحة في كل مكان: في قطاع البناء، في مجال الهجرة إلى المدن المزدهرة وفي التحسن الملموس في حياة الناس.
والآن بما أن الاقتصاد آخذ في التباطؤ – ربما بصورة عجيبة – فإن قياس دقة إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي تهم بشكل أكبر. إذا كانت الصين تنمو بنسبة 7 في المائة، كما تدعي بكين، رغم جميع التقلبات في السوق، عندها يقوم التكنوقراطيون بإنجاز تباطؤ سلس في الاقتصاد الحقيقي، حتى في الوقت الذي يعملون فيه على فطم الصين عن النمو المدفوع بالاستثمار.
من الناحية الأخرى، إذا كانت الصين آخذة في التباطؤ إلى نسبة 5 في المائة أو أقل، فإن آمال التوصل ربما تكون بلا أساس. وهذا قد يسبب خطر حدوث الاضطرابات الاجتماعية. أو أنه قد يقنع السلطات بتقديم مزيد من إجراءات التحفيز، التي قد تعزز النمو على المدى القصير، لكنها تخزن المشكلات على المدى الطويل على شكل ديون غير قابلة للتسديد. قبل النظر في النمو الحالي، من المفيد الخوض في الماضي.
في أفضل الأوقات، الناتج المحلي الإجمالي هو إلى حد كبير مقياس فج للنشاط الاقتصادي، ناهيك عن رفاهية الإنسان. نتج كثير من النمو في الصين عن تحويل الأمهات الشابات (غير مدفوعات الأجر) إلى عاملات في المصانع، وتحويل الفحم في الأرض إلى طاقة وتلوث، وتحويل الأراضي المشاع إلى ملكية خاصة.
تمثل الصين، بإرثها من التخطيط المركزي، أفضل وضع لقياس الناتج الصناعي الفج منها في قياس قطاع الخدمات.
يخلص العمل الذي أنجزه هاري وو، المختص الاقتصادي في مجلس إدارة المؤتمر، وهو عبارة عن معهد بحوث مستقل، إلى أنه من عام 1978 إلى عام 2012، سجلت الصين نموا بنسبة 7.2 في المائة سنويا.
وعلى الرغم من أن هذا يعتبر سريعا بصورة مذهلة، إلا أنه أقل بنسبة 2.6 في المائة عن التقديرات الرسمية البالغة 9.8 في المائة. يرى وو أن الصين تبالغ في نمو الإنتاجية وتقلل من التضخم، الذي يقاس بشيء يدعى عامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي.
إذا تم إنقاص هذا العامل، فإن النمو “الحقيقي” المعدَل بحسب التضخم، سيكون مبالغا فيه. يرى وو أيضا أن السلطات تبالغ في النمو في الأوقات العصيبة وتقلل من شأن تأثير الصدمات الخارجية.
ووفقا لتقديراته – التي تستند إلى الأساليب التي ساعد على تطويرها مع الراحل أنجوس ماديسون – سجلت الصين نموا بنسبة 4.7 في المائة في عام 2008 مقابل التقديرات الرسمية البالغة 9.6 في المائة و4.1 في المائة فحسب في عام 2012 مقارنة بالتقديرات الرسمية البالغة 9.7 في المائة.
إذن، ماذا عن الوقت الحاضر؟ مؤسسة كابيتال إيكونومكس هي واحدة من كثير من مؤسسات الأبحاث التي تتخذ دليلا لها من لي ككيانج، رئيس الوزراء الحالي، الذي قال في عام 2007 إنه بدلا من الوثوق بالناتج المحلي الإجمالي، ينبغي للمرء التطلع إلى استهلاك الكهرباء ونقل البضائع عبر السكك الحديدية والقروض المصرفية.
تتخذ مؤسسة كابيتال “وسيطا للنشاط” يتألف من حركات الشحن والشحنات البحرية واستخدام الكهرباء ومبيعات العقارات وسفر الركاب. يتم قياس تلك الأرقام بالحجم وبالتالي هي ليست خاضعة لتقديرات الأسعار المشكوك فيها.
وفقا لهذا المؤشر الوسيط، كان يسير النمو خلال الفصل الثاني بنسبة 4.3 في المائة، أقل بكثير من التقديرات الرسمية البالغة 7 في المائة، لكن هنالك نوعاً من الإشكال. يعترف جوليان إيفانز – بريتشارد، كبير الاقتصاديين في “كابيتال” بأن المؤشر الوسيط يفشل في التقاط النشاط الكافي في قطاع الخدمات، الذي يوجد فيه كثير من النمو في الصين هذه الأيام. ويقول “إنه نتيجة لذلك فإن النمو يقع ربما في مكان ما بين المؤشر الوسيط والأرقام الرسمية”.
نيكولاس لاردي، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يأخذ هذه الحجة إلى أبعد من ذلك، فهو يقول “إن المختصين الاقتصاديين تقريبا فشلوا في إدراك أهمية الطاقة الحركية في قطاع الخدمات في الصين، الذي يمثل الآن نصف الناتج المحلي الإجمالي”.
كثير من هذا لا ينعكس في البيانات. يعتقد لاردي أنه ليس هنالك سبب وجيه للاشتباه في أن الصين قد تباطأت إلى أقل من التقديرات الرسمية البالغة 7 في المائة. في هذا الوقت من التشاؤم، يعد هذا ادعاء جريئا.
المهم في الأمر أن هذا يتوقف على الرأي القائل إن مركز الثقل الاقتصادي في الصين، قد تحول من الصناعة التحويلية المملوكة للدولة عموما إلى خدمات مملوكة للقطاع الخاص عموما.
مثل هذا التحول هو بالضبط ما تحتاج إليه الصين. إذا كان على حق ولو من بعيد، قد يكون هنالك جانب باعث على الأمل في الأرقام القاتمة بشكل متزايد.