سؤالان شغلا الأوساط السياسية في الأيام والساعات الأخيرة:
الأول: ما سبب انسحاب العماد ميشال عون من طاولة الحوار وهو أحد أركانها وأقطابها البارزين، لا بل هو محور الحوار ومن دونه لا معنى ولا مضمون؟!
الإجابة عن هذا السؤال يمكن اختصارها على هذا النحو: وقف المشاركة الشخصية في الحوار ليس موجها ضد الرئيس نبيه بري الذي أزعجته هذه الخطوة لأنها تقيد مشروع الحوار وتحد من زخمه وأهدافه، وإنما يحمل في طياته أكثر من معنى سياسي. فالعماد عون يريد تعزيز موقع الوزير جبران باسيل وجلوسه بين «الكبار» بصفته وحلته الجديدة كرئيس للتيار الوطني الحر.
ولكن السبب المباشر يكمن في إيصال عون رسالة مفادها أنه منزعج من الطريقة التي أقلع بها الحوار ومن المناخ الذي يسوده، ما عزز لديه شعورا وانطباعا بأن هناك من يستهدفه على الطاولة ومستمرا في مناكفته ومعارضته عبر رفض كل صيغ الحلول والمخارج المقدمة منه، ودفع الحوار باتجاهات محددة ليس فيها إلا انتخاب رئيس الجمهورية أولا، وأخذه الى مكان آخر يوصل الى «الرئيس التوافقي» ولا يحقق أي اختراق في مجال آخر لاسيما قانون الانتخابات.
وإضافة الى رسالة الانزعاج، يريد عون إيصال رسالة أخرى مفادها أن الحل والربط ليس في ساحة النجمة وإنما في مكان آخر، مادامت ظروف التسوية الإقليمية لم تنضج وجلسات الحوار ستطول، ومادام الفريق الآخر غير مستعد للتسليم بحقه في رئاسة الجمهورية، وبالتالي فإن الحوار لا يحتاج حاليا الى مواقف حاسمة ومشاركة فعلية ولا يتطلب أكثر من الاستمرار على الطاولة ومشاركة شكلية.
السؤال الثاني يتعلق بـ «سر» ارتياح عون الذي يبدو واثقا من نفسه الى حد القول (في مهرجان تسليم رئاسة التيار الى باسيل): «لا يهول علينا أحد ويخيرنا بين الفوضى والرئيس الدمية، فلتكن الفوضى إذا استطاعوا، لكن أحدا لن يستطيع. ولكم مني وعد بأنه سيكون لكم رئيس من رحم معاناتكم ونبض أحلامكم وآمالكم».
يمكن رد هذا الارتياح الى ثلاثة أسباب وعوامل رئيسية:
1- ينام العماد عون على «حرير» موقف حليفه حزب الله الذي يزيد في قوة ووضوح موقفه الداعم لوصول عون الى رئاسة الجمهورية بالقدر الذي يزيد عون من التصاقه بالحزب واتكاله على دعمه بعدما بات هذا الدعم الورقة الأساسية والأقوى في يده، وبعدما دفعه موقف «المستقبل» وانهيار تجربة الحوار معه للارتماء أكثر في أحضان حزب الله. حزب الله داعم له في الملف الرئاسي الى أبعد حدود، والى حد أن شخصيات في 14 آذار كانت تعتبر هذا الدعم مناورة وخديعة، أخذت تنظر إليه بجدية وتتحسب لاحتمال أن يصبح وصول عون للرئاسة أمرا واردا وواقعا.
2- عون (مع حزب الله) مرتاح للتطورات الجارية في سورية مع حصول اندفاعة روسية أعادت خلط الأرواق، خصوصا أن الخطوات الروسية تتم بموافقة أميركية ضمنية و«صمت عربي» ورضا الأوروبيين الذين يبدون مرونة غير مسبوقة في خطابهم تجاه الرئيس الأسد وأنه لا مانع من دور له في المرحلة المقبلة بعد تصريحات كيري حول عدم اشتراط رحيل الأسد الفوري للبدء بمفاوضات المرحلة الانتقالية.
3- الحالة الأوروبية الضاغطة في الملف اللبناني بعد بروز أزمة المهاجرين في اتجاه انتخاب رئيس واستقرار الوضع في لبنان تفاديا لموجات هجرة جديدة، وفي سياق خطة حصر الهجرة باتجاه دول الجوار السوري. وهذا الضغط يوظفه حزب الله وعون في الاتجاه الذي يخدم معركتهما ومصالحهما المشتركة في ظل وضع حكومي مقفل وحراك ضاغط في الشارع.
ولأن جنبلاط مدرك لكل هذه التحولات، فإنه كان السباق والمبادر الى الدفع باتجاه «إرضاء عون» وخرق جدار الأزمة والنفاذ الى تحريك عمل الحكومة والمجلس النيابي من ثغرة الترقيات العسكرية. جنبلاط الذي استمع الى نصائح هيل وبلغته رسالة حزب الله وينسق مع بري يقول إن هناك مطلبا محقا للعماد عون في ما يتعلق بالعميد روكز ويدفع باتجاه ترقيته الى رتبة لواء لإبقائه في معادلة الجيش.