Site icon IMLebanon

الأزمة اللبنانية عند مفترق طرق: حلحلة جزئية أو تصعيد شامل

 

 

 

لبنان في قلب أزمة وطنية سياسية، بدأت برئاسة الجمهورية ووصلت الى الحكومة. والجميع في لبنان يشعرون بوطأة الأزمة ويتساوون في المأزق ويقفون في النقطة الصعبة والدقيقة التي يصعب فيها التقدم الى الأمام أو التراجع الى الوراء. ففي الحالتين، هناك أعباء وتكاليف أو تنازلات وخسائر.

هذه الأزمة بتعقيداتها الداخلية التي تبدأ من خلاف على الأولويات بين انتخاب رئيس جديد أو انتخاب برلمان جديد لتصل الى خلاف على السلطة والحصص والأحجام والصلاحيات، وبامتداداتها الإقليمية التي جعلتها جزءا من أزمات المنطقة، تقف اليوم عند مفترق طرق حساس: إما أن يثبت لبنان قدرة الاستمرار في وضعية الاستقرار التي حظي بها منذ انفجار حروب وأزمات «الربيع العربي» وإما أن ينزلق الى أوضاع وأحداث تطيح بالاستقرار الأمني والسياسي وتضعه على خارطة النقاط الساخنة في المنطقة.

التحدي الأول يتطلب صمود الحكومة واستمرار الحوار، ويعني استمرار القدرة على لبننة الحلول وعلى اجتراح مخارج. والاحتمال الثاني يعني خروج الوضع عن سيطرة القيادات اللبنانية والذهاب الى «تسوية خارجية» بعد فوضى وانهيارات تبررها وتفرضها.

هذه الأزمة مع أنها شديدة التعقيد يمكن اختصارها واختزالها وتبسيطها على الشكل التالي:

١-العماد ميشال عون كما في محطات كثيرة منذ العام 2005 هو «العقدة والحل»، وهو يكتسب هذا الموقع المحوري بفعل دعم قوي وواضح من حزب الله.

٢-يخوض عون معركتين ويقاتل على جبهتين في وقت واحد: معركة رئاسة الجمهورية ومعركة قيادة الجيش: في المعركة الأولى اضطر الى تغيير تكتيكه بشكل جذري بعدما فشل حواره مع الرئيس سعد الحريري وخسر رهانه على «الصوت السني»، وبات يعتمد على دعم حزب الله له كورقة أساسية وحاسمة… ومازال عون مرشحا ومازال في حلبة السباق الرئاسي مانعا الانتقال الى مرحلة «الرئيس التوافقي»، ولم يتوصل بعد الى قرار الانسحاب لأنه مازال يرى فرصا وحظوظا له في الوصول الى قصر بعبدا مخالفا تقديرات خصومه بأن لا مجال ولا إمكانية لانتخابه رئيسا. في المعركة الثانية خسر عون للمرة الثانية معركة إزاحة العماد جان قهوجي وتعيين قائد جديد للجيش هو صهره العميد شامل روكز. ولكن هذه المعركة لم تنته فصولها بعد وتحولت في اتجاه آخر لتصبح معركة تثبيت روكز وإبقائه في الجيش، وبالتالي حفظ إمكانية وفرصة وصوله الى قيادة الجيش.

3-«مسألة شامل روكز» باتت هي عنوان الأزمة ورمزها لأسابيع معدودة. وفي هذه المسألة المشهد السياسي والحكومي موزعا بين ثلاثة كتل أو محاور:

محور عون ـ حزب الله الذي يريد البت في موضوع روكز (الترقيات العسكرية) مستفيدا من وقوع الحكومة تحت ضغط سياسي وشعبي وحاجتها الى التقاط الأنفاس واستعادة المبادرة والقدرة. وهذا المحور يلوح بالتصعيد إذا لم تبت هذه المسألة معتبرا أن الكرة في ملعب «المستقبل» وأن عليه تحمل العواقب ومسؤولية الوضع إذا ظل معترضا ورافضا للتسوية.

وأما التصعيد فإنه يسير على خطين: الأول حكومي بوقف المشاركة في جلسات مجلس الوزراء. والثاني ميداني عبر نزول تيار عون الى الأرض والموعد الجديد المضروب هو 11 أكتوبر في توقيت لافت سياسي رمزي عشية ذكرى 13 أكتوبر (خروج عون من قصر بعبدا بالقوة السورية العسكرية) وقبل أربعة أيام من إحالة العميد روكز الى التقاعد، وبما يعني أن هذه المسألة إذا لم تحل خلال أيام فإن الأمور ذاهبة الى التصعيد.

محور «المستقبل» وحلفاؤه (وزراء اللقاء التشاوري، خصوصا وزراء الرئيس ميشال سليمان)، وهذا المحور لا يريد إعطاء أي مكسب للعماد عون لا في رئاسة الجمهورية ولا في قيادة الجيش، ويعتبر أن أي تنازل سيجر الى سلسلة تنازلات.

فإذا وافق على ترقية روكز فإنه بذلك يعطي إشارة خاطئة لعون بأن روكز هو قائد الجيش المقبل ويتسبب في إضعاف موقع العماد قهوجي.

ولن يقف عون عند هذا الحد وإنما سيطالب لاحقا بتعيين روكز قائدا للجيش وسيعتبر أنه حقق انتصارا وأنه بوصوله الى اليرزة قطع أكثر من نصف الطريق الى بعبدا…

يعتبر «المستقبل» أن عون عاد وبشكل أكثر وضوحا وإحكاما الى تحالفه مع حزب الله وأن محاولته لأن يكون أو لتصوير نفسه في موقع «الوسيط والوفاقي» لم تنجح، وبالتالي لا يمكن التنازل أمامه أو إعطاؤه أي مكسب لأنه سيكون تنازلا لحزب الله في معركة سياسية مفتوحة لا تنتهي إلا بنهاية الحرب في سورية.

محور بري ـ جنبلاط الذي يرى الأمور للمرة الأولى من زاوية متمايزة عن «المستقبل» وخلاصة رأيه أن الوضع بلغ درجة من الخطورة لم يصلها من قبل، وأوان التسوية وإيجاد حل سياسي للأزمة لم يحن بعد، ولم يعد هناك إلا البحث عن مخارج وحلول موضعية وتفكيك هذا الوضع المعقد والمتشابك، عقدة عقدة…

والعقدة الأولى والداهمة حاليا تكمن في شلل عمل الحكومة والبرلمان.

والنائب جنبلاط كان السباق الى طرح مسألة «إرضاء عون» وتلبية مطلبه المحق في ترقية العميد روكز، وهو يسدي نصيحة الى «المستقبل» بسلوك طريق التفاهم مع عون مراهنا على أن تهدئة اللعبة معه انطلاقا من موضوع الجيش بفتح الطريق للوصول الى «الرئيس التوافقي» ولانسحابه تلقائيا من معركة الرئاسة بعد زوال طابع التحدي والاستفزاز. وأما الرئيس نبيه بري فإن موقفه لم يصبح واضحا مثل موقف جنبلاط لأن لديه حسابا يصفيه مع عون ولكنه يجاري موقف ومصلحة حزب الله الذي يعول على بري للتدخل في اتجاهين: «المستقبل. وقائد الجيش. الوقت يمر. وموضوع العميد روكز دخل فعليا في سباق مع الوقت الذي لم يعد يسمح بإبقاء الأوراق مستورة.

وقد حان الوقت لتيار المستقبل أن يكشف ورقته النهائية والفعلية وسط معلومات تفيد بأن هناك توجهين: الأول متشدد يقوده السنيورة وريفي والثاني مرن يقوده المشنوق ونادر الحريري وسمير الجسر، أي الوفد المفاوض في عين التينة مع حزب الله.