جون أوثرز
بعد شهور من التكهنات اختار “الاحتياطي الفيدرالي” عدم رفع أسعار الفائدة، التي هي عمليا عند مستوى الصفر منذ سبع سنوات تقريبا. وكانت لديه رغبة ملموسة في رفع أسعار الفائدة، خصوصا أن البطالة في الولايات المتحدة – التي اعتبرت عاملا حاسما قبل صدور القرار – تواصل التحسن.
قرار عدم رفع أسعار الفائدة هو بالضبط ما كان ينادي به كثيرون في أسواق الأسهم في العالم. الأسهم تحب المال الرخيص، لكن رد الفعل كان سلبيا. انخفض مؤشر فاينانشيال تايمز يوروفيرست 300 في أوروبا بنسبة 1.92 في المائة يوم الجمعة، بعد سقوط مماثل لمؤشر نيكاي 225 في اليابان. وكان مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قد انخفض في الولايات المتحدة بنسبة 1.15 في المائة في منتصف الجلسة.
رد الفعل هذا كان بسبب الطريقة التي اختارت بها جانيت ييلين وزملاؤها شرح قرارهم. في المقام الأول يبقى “الاحتياطي الفيدرالي” محجما عن رفع الفائدة بسبب انفجار الضغوط الانكماشية من الصين. وبما أن مستقبل الصين غير مؤكد، ينبغي لـ “الاحتياطي الفيدرالي” أن يظل غير متأكد من الوقت الذي يمكنه فيه أن يبدأ في رفع أسعار الفائدة. وليس هناك شيء تحبه الأسواق أقل من عدم اليقين هذا، كما جاء في الكليشيه القديم.
شعرت السوق بالفزع بصورة خاصة من خلال إضافة هذه الجملة إلى بيان “الاحتياطي الفيدرالي”، “التطورات الاقتصادية والمالية العالمية الأخيرة يمكن أن تكبح النشاط الاقتصادي إلى حد ما، ومن المرجح أن تضع مزيدا من الضغوط الهبوطية على التضخم في المدى القريب”.
ينبغي لـ “الاحتياطي الفيدرالي” أن يبقي عينه دائما على التطورات الدولية. لكن خياره لجعل هذه الفكرة واضحة تم اعتباره على أنه رسالة مفادها أن “الاحتياطي الفيدرالي” لم يكن مسيطرا على الأحداث، وأنه كان أكثر قلقا بسبب الصين من الآخرين.
بالتالي، ما مشكلة الصين، وكيف تؤثر الصين في السياسة النقدية الأمريكية، وكيف يمكن للرقص بين اثنتين من القوى العظمى أن يؤثر في الجميع؟
الاقتصاد الصيني، بكل المقاييس، لا يزال ينمو. ومع ذلك، الأدلة من البيانات الرسمية، خاصة من تحليل المجموعات البحثية الخاصة للبيانات العامة المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، مثل توليد الكهرباء، تشير إلى أن معدل النمو يتباطأ بسرعة.
مزيد من الأدلة على هذا يأتي من قادة الصين المستميتين في دعم سوق الأسهم والذين سمحوا بانخفاض قيمة عملتهم قليلا في الشهر الماضي دون أي تحذير مسبق، ما أثار أسابيع من التقلبات.
هذا لا يؤثر كثيرا في الولايات المتحدة تجاريا. فهي لا تصدر كثيرا إلى الصين – على الرغم من أن البلدان الآسيوية والبلدان الكبرى المصدرة للسلع، مثل أستراليا والبرازيل، وقوى التصنيع في أوروبا الغربية بقيادة ألمانيا، كلها عرضة لتكون أكثر تأثرا. (تشير أحدث بيانات الصادرات الألمانية إلى أضرار طفيفة حتى الآن من الصين).
كما أنه يؤثر في أسعار السلع الأساسية، الآخذة في الهبوط. الطلب على المعادن (المنخفضة بنسبة 2 في المائة منذ الإعلان، وفقا لمؤشر بلومبيرج) يرتكز على الصين. الصين المتباطئة تؤدي أيضا إلى تباطؤ الطلب على النفط (خام برنت انخفض بنسبة 2.3 في المائة منذ قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي).
هذا يؤثر في الجميع عن طريق دفع الأسعار إلى الانخفاض، وهو أمر جيد للمستهلكين ومستوردي السلع الأساسية، مثل الهند. لكنه سيئ بالنسبة إلى البلدان التي تشكل فيها أسعار النفط المرتفعة القوة الدافعة إلى استثمار الشركات (كما هي الحال مع طفرة النفط الصخري الأمريكي)، كما يؤدي إلى هبوط معدل التضخم، الذي تستهدف السياسة النقدية الأمريكية المتساهلة دفعه إلى أعلى. وتشير توقعات التضخم المستمدة من سوق السندات إلى أن معدل التضخم في الولايات المتحدة سيكون أقل من 1.6 في المائة خلال العقد المقبل – أقل من الرقم المستهدف من “الاحتياطي الفيدرالي”، البالغ 2 في المائة.
وهذا يعني ضمنا أنه بعد أشهر من متابعة بيانات العمل في الولايات المتحدة، نحن جميعا بحاجة إلى مراقبة الصين. وإذا تكثفت العلامات الدالة على التباطؤ، عندها فإن نظام سعر الفائدة الصفري في الولايات المتحدة يمكن أن يستمر لفترة أطول من ذلك بكثير. وإذا هدأ الوضع، حينها يمكن أن ترتفع أسعار الفائدة الأمريكية قبل نهاية السنة – وهو احتمال تعطيه أسواق العقود الآجلة نسبة تبلغ 46 في المائة (بعد أن وصفته بأنه أمر شبه مؤكد). لكن من الصعب أن نرى مثل هذا القرار الواضح بشأن الصين في الأشهر الثلاثة المقبلة، لذلك يبدو أن الاحتمال الآن سيكون بقوة ضد الارتفاع في عام 2015.
على المدى الطويل، التكافل بين الولايات المتحدة والصين يجري على نحو أعمق. الصين – وكثير من البنوك المركزية – راكمت احتياطيات ضخمة من الأصول المقومة بالدولار، التي تبلغ الآن أكثر من عشرة تريليونات دولار. هذا “التراكم العظيم” – كما يصفه “دويتشه بانك” – انتهى على ما يبدو، والاحتياطيات آخذة في الانخفاض.
عندما تخفض الصين احتياطياتها، فإنها لا تعود تنوع مقتنياتها – أو بعبارة أخرى، تبيع الدولارات للانتقال إلى العملات الأخرى. هذه الممارسة تضعف الدولار. بالتالي في السنوات الأخيرة كان اليورو يتعزز عندما تتجه الصين إلى تكديس الدولار، وينخفض عندما لا تفعل ذلك. ومبيعات الدولار من شأنها أن تضعف اليورو، وكذلك عملات الأسواق الناشئة التي هي أصلا مجهدة. وهي تعني أيضا عوائد أعلى على السندات الأمريكية قصيرة الأجل، التي يتم بها حيازة الاحتياطيات. ويقول “دويتشه بانك”، إن هذا يمكن أن يعني “التشديد الكمي”. في هذه الحالة ترتفع العوائد على السندات الأمريكية، لتتولى مهمة كان سيتولاها “الاحتياطي الفيدرالي” بخلاف ذلك.
“الاحتياطي الفيدرالي” على حق في مراقبة الصين – حتى لو كان ذلك ربما يبعث الخوف في الأسواق حين يصرح بهذه الفكرة ـ بهذه الدرجة من الوضوح.