يدق حلم تأمين الكهرباء 24/24، أبواب الشماليين، في منطقة يعود تاريخ بعض منشآتها الكهربائية إلى عهد الإنتداب. اما آلية تحقيق هذا الحلم، فلم تأتِ عبر الدولة، بل عبر رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، والوزير السابق محمد الصفدي، حيث يجهزان ملفاً لطلب رخصة لإنشاء معمل للكهرباء في طرابلس والشمال. ويعول المهتمون على موافقة الحكومة اللبنانية على هذا المشروع الذي يتيح لطرابلس إسترجاع امتياز شركة قاديشا لانتاج الكهرباء الأمر الذي سيتيح للمدينة إنتاج الكهرباء بنفسها أسوةً بـ”كهرباء زحلة”. وكان وزير العدل أشرف ريفي قد إتصل، في وقت سابق على إعلان ميقاتي- الصفدي عن خطتهما، برئيس شركة كهرباء زحلة أسعد نكد، وبحث معه في إمكانية نقل التجربة إلى عاصمة الشمال من خلال إرسال فريق مهندسين لدراسة الوضع الحالي.
تجهيز “ملف قاديشا” من قبل ميقاتي- الصفدي، تؤكده مصادر مقربة من ميقاتي، لكنها تتريث في الكشف عن تفاصيل الخطة التي يُراد منها تطبيق مبدأ “اللامركزية الكهربائية”. لكن عموماً، ينص المشروع على إنشاء شركة مساهمة سيتاح لجميع الطرابلسين الإكتتاب في أسهمها وإمتلاك حصصهم الخاصة، وستضم الهيئة التأسيسية للشركة متمولين آخرين، الى جانب ميقاتي والصفدي. وقد لاقى توجه الميقاتي- الصفدي ترحيباً في الأوساط السياسية، حتى أن وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس يقف في موقع المدافع عن طلب الترخيص، وفي موازاة ذلك أشار السياسي الطرابلسي توفيق سلطان إلى موقف إيجابي وداعم إتخذه الرئيس نبيه بري من مسألة الرخصة المذكورة.
خطة المجتمع المدني
شكل المجتمع المدني الطرابلسي لجنة خبراء لإيجاد الحلول لمشكلة الكهرباء المزمنة في المدينة بالتنسيق مع نقابة المهندسين، وبرأي مقرر اللجنة واثق المقدم، فإن “تذليل التعقيدات من القوانين امر ضروري لأي حل”. ويشير الأخير في حديث لـ”المدن” إلى إمكان توليد الطاقة من مصادر عديدة أولها توليد طاقة من النفايات، يمكن أن تبلغ 25 ميغاوات أي بمعدل ست ساعات إضافية، ومن المعلوم أن طرابلس تعاني اليوم من جبل نفايات على شاطئها، وفي حال إعتماد الحلول العلمية سيستفاد منه لتوليد الطاقة”. أما المصدر الثاني للكهرباء، وفق مقدم، فهو “تركيب محطات تعمل بواسطة مياه نهر أبو علي، والتي يمكن أن تعطي الكهرباء لمنطقة التبانة والأسواق، أما منطقة أبو سمراء فيمكن تزويدها بالكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية”. ويذكر المقدم أن “قاديشا كانت شركة خاصة يملكها الطرابلسيون، ولكن الدولة إشترت أكثرية أسهمها، وبالتالي فإن استعادتها ستتطلب لاحقاً تحديثها وتقويتها تمهيداً للوصول إلى كهرباء 24 /24 في طرابلس. وفكرة شركة مساهمة طرابلسية إستوحيت من تجربة أبناء طرابلس القدامى في جر مياه رشعين على حسابهم الخاص كما يشير المقدم، وهو مشروع ورغم مرور فترة طويلة عليه، ما زال أبناء المدينة يستفيدون منه.
معاناة مستمرة
تعاني طرابلسمن من تقنين كهربائي شديد على مدار السنة يصل إلى 16 ساعة يومياً، وفي الأيام العادية الخالية من الأعطال لا تتعدى فترة التغذية الـ12 ساعة. وأتاح هذا الوضع السيء لأصحاب المولدات إستغلال المواطنين وفرض التعرفة التي يريدونها، ولم تفلح كل المحاولات وإنذارات المحافظ في الحؤول دون ذلك. ويعلم كثيرون أن نجاح خطة تأمين الكهرباء 24/24 سيلحق ضرراً بأصحاب المولدات الذين إحتكروا الساحة مستغلين غياب الدولة وتقصيرها، وهؤلاء سيبذلون قصارى جهودهم لمنع تحقيقها. أما من فضّل الهروب من إحتكار أصحاب المولدات، وجد نفسه مضطراً لتحمل عبء شراء مولد كهربائي خاص وتحمل كلفتي الصيانة والمازوت، وهذا ما تقوم به غالبية المستشفيات فضلاً عن مراكز أخرى.
وتتعرض الشبكة لتعديات كبيرة، حيث لم تنجح سياسات المؤسسة من منع السرقات والتعليق على أشرطة وعلب توزيع التيار. وبما أن مناطق المدينة تتناوب على برنامج التقنين فإن البعض يعلق على خطين مختلفين لإستمرار الحصول على الطاقة، وقد فاقمت أزمة النزوح السوري من تراجع نوعية الخدمة وإرتفاع الطلب عى الكهرباء.
يعلّق الطرابلسيون آمالهم على المشروع المقترح، على الرغم من أنه ليس حلاً رسمياً يأتي عبر الدولة، الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الإستفهام حول أزمة الكهرباء وحول المليارات التي هُدرت في هذا القطاع، فضلاً عن تساؤلات حول البحث عن المستفيدين من استمرار الوضع على ما هو عليه، وفتح الباب أمام الاستثمارات الخاصة في هذا المجال.