اجتمع أقطاب الحوار في خلوة جانبية أوحت بإمكان التوصل الى تسوية في ما بينهم تعيد الروح الى الحكومة ومجلس النواب معاً، لكن الدخان الأبيض لم يظهر، ما عدا اتفاقاً لم ينجز نهائياً على عقد جلسة لمجلس الوزراء في الثاني من تشرين الأول فور عودة الرئيس تمّام سلام من نيويورك.
ويؤكّد الموعد الجديد للحوار لثلاثة أيام توالياً، في السادس والسابع والثامن من تشرين الاول، عدم بلوغ المؤتمر نهايته غير السعيدة كما كان متوقعاً، والعمل الجدي للاتفاق على بعض النقاط والأمور الحياتية على ما قال الرئيس نبيه بري: “لازم نقدّم شي للناس”، في ضوء حركة لم تهدأ في الشارع.
وقد خرجت المناقشات أمس عن البند الاول أي رئاسة الجمهورية في اتجاه قانون الانتخاب، انطلاقاً من دعوة العماد ميشال عون الى إنجاز الانتخابات النيابية قبل الرئاسية وتناول “قانون الانتخاب وفق النسبية على أساس 15 دائرة أو وفق القانون الارثوذكسي، ولا إشكال في إدخال بعض التعديلات عليه، كما اتفقنا كمسيحيين في بكركي، لكن ويا للأسف لا يريدون إعطاءنا 64 نائباً، بل 54، ولو أخذوا بأي من هذين الطرحين لكنا حصلنا على حقوقنا وهذا ما لم يحصل”. ودار جدل أوضح خلاله الوزير بطرس حرب أنه لم يشارك في ذلك اللقاء في بكركي وليس معنياً بالموافقة على الفكرة، ورأى نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري أن الموضوع لا يعني غير المشاركين في اللقاء.
ولفتت مصادر في 14 آذار الى أن ممثلي 8 آذار بادروا الى التركيز على قانون الانتخاب بدل انتخاب رئيس للجمهورية. وعندما غادر عون قاعة الاجتماعات لبعض الوقت، خاطب برّي النائب سامي الجميّل قائلاً إن إنجاز قانون جديد للانتخاب لا يعني أن الانتخابات النيابية ستتقدّم الانتخابات الرئاسية. لكن أوساطاً في 14 آذار رأت في الامر مجازفة، لأنه بمجرد القبول بما يطرحه الفريق الآخر ليس هناك من يضمن ألا يصرّ هذا الفريق لاحقاً على إجراء الانتخابات النيابية ما دام قانونها قد صار جاهزاً. ووصفت هذا الأمر برمّته بأنه “فخ”.
كما طرح موضوع قانون استعادة الجنسية للمنتشرين من أصل لبناني، فاعتبر الرئيس برّي ان الخلافات عليه مسيحية، بعدما كان الموارنة يظنون ان مسيحيي الانتشار أكبر عدداً من المسلمين، لكن الارقام تبيّن خلاف ذلك. وكانت دعوة الى إقراره أو رفضه وعدم تركه معلقاً.
أما الخلوة في مكتب الرئيس بري، فدامت ساعة وربع ساعة وشارك فيها الرئيسان بري وسلام والعماد عون والرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط والنائب محمد رعد وعدد من مساعديهم، وبحثت في موضوع الترقيات العسكرية وتحديداً ترقية ثلاثة عمداء الى رتبة لواء وتعيينهم رؤساء لمناطق عسكرية في موازاة تسيير عمل الحكومة، وتالياً التعيين في المراكز الشاغرة في المجلس العسكري وفقاً لمبادرة النائب جنبلاط. وأفاد مصدر مشارك في الخلوة ان الرئيس السنيورة عطّل الاتفاق بسلبية مطلقة، فطرح اشكاليات ومعوقات عسكرية وقانونية ووضع عراقيل متحججاً بقانون الدفاع الوطني، فكان رد ان قانون الدفاع يسمح بالترقيات، فاعتبر ان قيادة الجيش ترفض الامر. وقد أصدر السنيورة بياناً أوضح فيه أنه لم يرفض ترقية العميد شامل روكز، إنما اقترح التمسك بشكل واضح بتطبيق الدستور في عمل الحكومة. وعلمت “النهار” أن الموقف الذي اتخذه السنيورة وضع أمر العمل الحكومي وفقاً لما ينص عليه الدستور مقابل موضوع ترقية العميد روكز على محك الاتصالات التي ستنشط في الأيام المقبلة بعيداً من الأضواء كي تبتّ مسألة آلية عمل مجلس الوزراء التي لم يقرر “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” خياراتهما فيها. وفي المعلومات ان الرئيس السنيورة أراد معرفة الثمن الذي سيقبضه مجلس الوزراء سلفاً في مقابل انعقاده لترقية روكز وإلا فإن هذه الترقية لن تحصل على الموافقة على الأقل من “المستقبل”.
وأكدت مصادر قيادة الكتائب لـ”النهار” انه “حتى لو اتفق القادة الخمسة الذين التقوا في مكتب برّي فإن المسألة تحتاج الى المرور بمجلس الوزراء، ولن تمر هناك بالتأكيد لأن وزراء الكتائب وكذلك الوزراء القريبين من الرئيس ميشال سليمان لن يوافقوا وهم متمسّكون بموقفهم”.
صحيفة “الجمهورية” كتبت: لم تكن جلسة الحوار الثالثة التي انعقدت الثلثاء في ساحة النجمة هي الحدث، كما لم تكن «التالتة ثابتة»، بعدما خرَق العماد ميشال عون بندها الأساسي، أي بند رئاسة الجمهورية، وفضّلَ الانتقال للبحث في قانون الانتخابات وطرح القانونَين اللذين اتّفق عليهما المسيحيون في بكركي، وهما القانون الأرثوذكسي، أو القانون النسبي على أساس 15 دائرة. فيما تميَّز رئيس مجلس النواب نبيه برّي بتأكيده أنّ تعديل الدستور من اختصاص مجلس النواب، وتفضيله تمريرَ بند الرئاسة على قانون الانتخابات أوّلاً. إلا أنّ كلمة السر الأخيرة فكانت في «فصل» التسويات، التي تمّ التفاوض عليها في الخلوة السداسية.إلّا أنّ الجلسة الأصلية للحوار بدأت فعلياً بعد مغادرة المتحاورين الأساسيين ومعاونيهم ساحة النجمة، لتبدأ خلوة سداسية ضمّت كلّاً من الرئيس نبيه برّي، رئيس الحكومة تمام سلام، رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وشاركَ فيها الوزير علي حسن خليل مستمعاً، ليتّضح أنّ الأجواء التي تحدّثت عن تسوية في ملف التعيينات الأمنية كانت صحيحة، وقد بُحثت جدّياً في الاجتماع السداسي.
ووفقَ المعلومات، فإنّ هذا الطرح قد أخذ جدلاً مطوّلاً واستغرق ساعات تخطّت مدّة الحوار الأصلي، ليخرج المجتمعون متجهّمي الوجوه رافضين التصريح، خصوصاً جنبلاط الذي أكد فور خروجه أنّه لن يفصحَ عن شيء.
معلومات «الجمهورية» أشارت إلى أنّ السنيورة كان معارضاً شرساً ولم يتمكن الأقطاب الخمسة من إقناعه بالسير في تسوية الترقية، انطلاقاً من أنّ خطورة القبول بهكذا تسوية تزعزع أساسات المؤسسة العسكرية وثقة الشعب بها، وقد رفضَ التصريح لدى خروجه من الخلوة.
أمّا سلام الذي غادر على عجَل فرفض بدوره التصريح، لكنّه وعد بأنّه سيدعو فور عودته من نيويرك إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء مهما كانت نتيجة الجلسات.
مجريات الجلسة
الجلسة الصباحية التي اعتُبرت جلسة شكلية، كانت هادئة نسبياً، حيث أكد الرئيس بري في مستهلّها أهمية الحوار واستمراره في إطار السعي إلى إيجاد الحلول للبنود المطروحة على جدول الأعمال، ثمّ قدّم المشاركون مداخلاتهم في أجواء صريحة وإيجابية وجدّية، بمن فيهم عون الذي برّر انتقاله من بند الملف الرئاسي إلى قانون الانتخابات، بعدم وجود أيّ نص دستوري يَمنع إجراء انتخابات نيابية وإقرارَ قانون انتخابي قبل انتخاب الرئيس، لافتاً إلى أنّ المسيحيين في بكركي أجمعوا على النسبية والأرثوذكسي، فردّ عليه نائب رئيس مجلس النوّاب فريد مكاري بأنّ الموارنة هم من اتّفقوا وليس جميع المسيحيين.
وبعد عرضه للقانونين المقترَحين، قال عون: «إذا حدا غيَّر رأيو أو معترض بتكون مسؤوليتو»، فأجاب الوزير بطرس حرب: «أنا لم أكن في هذا الاجتماع ولا يعنيني هذا الاتفاق».
بدوره، علّقَ الجميّل بالقول: «هل نَعتبر أنّ القانون المقترَح، على أساسه ننتخب رئيساً، أو ننتخب الرئيس أوّلاً، بما معناه تريد القانون أوّلاً أو الرئيس»، فقاطعَه برّي: «لستُ مع هذا السؤال وخلّينا بالإيجابيات».
برّي تميَّز بمسألتين
وقد تميّز برّي في مسألتين، الأولى من خلال تعليقه على طرح المتحاورين عدم المساس بالدستور، فأكد أنّ تعديل الدستور ليس من اختصاصنا بل من اختصاص مجلس النواب. والمسألة الثانية كانت تفضيله تمريرَ بند الرئاسة أوّلاً وليس قانون الانتخابات، وقد شرَح لعون صعوبة السير في قانون جديد راهناً، موضحاً أنّ الأمر يلزَمه إجراءات واستعدادات وتحضيرات، فيما انتخاب رئيس للجمهورية يلزمه توافق على رئيس وهو يفضّل السير به.
السنيورة
السنيورة كان المعارضَ الأبرز لطرح عون، وأصرَّ على أهمّية الانتخابات الرئاسية وأولويّتها، معتبراً أنّها الممر الوحيد للخلاص من كلّ المشاكل.
أمّا جنبلاط فكان ممتعضاً، وعلّق بعد كلام السنيورة: «يبدو أنّنا سنذهب إلى جزر سيشيل لعلّنا نحلّ الأزمة هناك».
الجميّل غير راضٍ
وحده الجميّل خرج رافضاً ومتذمّراً من الأداء العام، وقد علّق بالقول: «لا يهمّهم مشاكل الناس» بعدما أعلن عن مطالبته المتحاورين بإبقاء الجلسات منعقدة يومياً لحلّ مشاكل الناس الحياتية. وقال لـ«الجمهورية»، ردّاً عمّا إذا بحثوا في ملف التسوية للتعيينات الأمنية وترقية العمداء: «كان ينقص البلد لتكمل معنا ضربُ المؤسسة العسكرية».
وقد هدّأت خاطره كلمة برّي بقوله للجميّل إنّ هناك حلولاً لتسوية معيّنة، مضيفاً: «هناك أمور إذا زبَطت بين اليوم وبُكرا بوعدك أن يعود مجلس الوزراء بآليته المعتمدة».
الوزير رشيد درباس كان المتحاور الوحيد الذي أسهبَ في تعليقه للإعلاميين على مجريات الحوار، فقال إنّ مواصفات الرئيس أخذت حيّزاً مهمّاً من النقاشات، مشدّداً على أن لا تعديل للدستور، وهو أمرٌ أجمعَ عليه الحاضرون. ولفتَ إلى أنّ الرئيس التوافقي يمكن أن يكون منتمياً لفريق «8 أو 14 آذار» ولا يمانعه جميع الأفرقاء في حال التوافق عليه.
حردان وفرنجية ومواصفات الرئيس
إلى ذلك، قال رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية: «دعونا نوحّد مواصفات الرئيس المطلوب قبل الاتفاق على الاسم».
فيما شدّد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان على ضرورة أن يكون لنا رئيس لديه القدرة على الاتصال والتواصل مع جميع الناس، وواضح في انتمائه وعَدائه لإسرائيل، وحريص على الدستور وتطبيقه ومهتم باللامركزية الإدارية، فلاقى كلامه ثناءً من السنيورة.
وتقاطعاً مع كلام عون عن الرئيس القوي وقانون الانتخابات، جدّد رعد موقفَه بالقول إنّ المشكلة لا تحَلّ إذا لم يكن هناك رئيس قوي وقبل أن يكون هناك قانون جديد للانتخابات.
السنيورة يرفض ثمّ يتريّث
أمّا خلاصة الحوار، فمِن الواضح أنّ عون قد أشار إليها من الرابية ليستمرّ في المشاركة، وهي اعتماد أحد القانونين المتّفَق عليهما في بكركي مسيحياً، كاشفاً أنّ التسويات لم تنضج بعد، في وقتٍ علمت «الجمهورية» أنّ أمر التسويات مبتوت ومرفوض، وقد ناقشَه أقطاب «14 آذار» في بيت الوسط قبل يوم على انعقاد جلسة الحوار.
فهل يبدّل السنيورة رأيه قبل موعد الجلسة المقبلة التي حدّدها بري في 6 تشرين الأوّل، أو يظلّ قراره ثابتاً برفضه للتسوية؟ خصوصاً بعدما أوضح مساء أمس عبر بيان وزّعه مكتبه الإعلامي أنّه لم يرفض ترقية العميد شامل روكز، إنّما اقترح التأكيد على التمسّك بشكل واضح بتطبيق الدستور في عمل الحكومة، حِرصاً على فعالية عملها في خدمة المواطنين ومصالحهم، وهو ما استدعى التريّث من الفريق الآخر في التوصّل إلى هذه التسوية».
وهذا يدلّ على أنّ «المستقبل» يتريّث في بتّ أمر التسوية، فهل يؤدّي رفض «المستقبل» للتسوية ورفض الأقطاب المسيحيين بحثَ قانون الانتخاب قبل البند الرئاسي إلى انسحاب عون من الحوار، أم أنّه لن يكون للأخير خيارٌ آخر سوى الصمود بعد الكلام الذي نقِل عن برّي قبل الحوار لمّا قال: «إذا قاطع عون جلسات الحوار فهذا يعني أنّه سحبَ ترشيحه لرئاسة الجمهورية».