نيك كلايتون
تأسست شركة “غوغل” وفي القلب منها شخص هندي. في عام 1998، وفي جامعة ستانفورد الأمريكية، طور مؤسسا شركة غوغل العملاقة، “سيرجي برين” و “لاري بايج” مع الأكاديميين “تيري وينوغراد” و “راجيف موتواني” نظامٍ حسابيا أحدث ثورة في عالم البحث على شبكة الإنترنت، وأدى إلى تأسيس شركة بمليارات الدولارات.
كان “موتواني” – وهو هندي الأصل- قد درّس في الجامعة لأول موظف يتعين في شركة غوغل، وهو “كريغ سيلفرستاين”. ولا يزال الموظفون في الشركة يتحدثون عن “موتواني” بنفس الهمس الذي يدور حول المدير التنفيذي الجديد للشركة، الهندي “ساندر بيتشاي”، البالغ من العمر 43 عاماً.
ويوصف الاثنان بأنهما بارعان فكرياً ومندفعان، ومع ذلك تجدهما متواضعين ـ تلك هي خصال ترتبط بشكل متزايد بالمديرين التنفيذيين من الهنود. وقد درس الاثنان في “المعاهد الهندية للتكنولوجيا” قبل أن يواصلا دراساتهما العليا في الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يكن الانتقال سهلاً بالنسبة لـ”بيتشاي”، وهو نجل مهندس من مدينة “تشيناي” في جنوبي الهند. كان سعر بطاقة تذكرة سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من الدخل السنوي لوالده.
وطيلة ستة أشهر، لم يستطع أن يتصل هاتفياً بزوجة المستقبل نظراً لعدم قدرته المالية على القيام بذلك. وكان قد التقى بها بينما كان يدرس في الهند.
في وقت التحاقه بالعمل في غوغل عام 2004، كان قد عمل في شركة “ماكنزي” لاستشارات الأعمال وشركة “أبلايد ماتيريالز” لتجهيز مُعالجات الكمبيوتر الدقيقة. سطع نجم “بيتشاي” باعتباره مصمم تطبيق “غوغل كروم” للتصفح على شبكة الإنترنت، هذا البرنامج الذي لاقى نجاحاً منقطع النظير. منذ يومها وهو مرشح ليشغل أعلى المراكز بالشركة.
نقلة نوعية
جاء إرتقاؤه إلى القمة في وقت سئم فيه العديد من العاملين في قطاع التكنولوجيا في العالم من سلوك العديد من المديرين التنفيذيين؛ ذلك السلوك الذي يوصف بالأنانية، والوقاحة أحيانا، وغالباً ما يدعو إلى الانقسام والشقاق.
إنهم من استخدم أسلوب المواجهة المتعمدة، ما بين العاملين أو فرق العمل أو الشركات المتنافسة، بغرض تحسين جودة المنتج والمنافسة والإنتاجية. أما المتّبع حالياً فقد تغير ليصبح أسلوباً في الإدارة لا يحسب حساباً للمواجهة لأنه يتفاداها في المقام الأول. إنه أشبه ما يكون بأسلوب مرطِّب أو ملين، وتلك خصال يتمتع بها الجيل الجديد من المديرين التنفيذيين الهنود.
كان ذلك أحد الأسباب التي دفعت شركة “مايكروسوفت” لتعيين “ساتيا ناديليتس” كمدير تنفيذي ثالث بدلاً من “ستيف بالمر”. لم يكن “ساتيا” التنفيذي الهندي الوحيد المرغوب. فقد عيّنت أيضاً شركة الاتصالات اليابانية “سوفتبانك” المتعددة الجنسيات “نيكيش أرورا” كرئيس لها، علماً بأنه كان مديراً تنفيذياً سابقاً في شركة غوغل.
أما شركة “أدوبي” فيديرها “شانتانو ناراين”. ويرأس شركة “كوغنيزانت” العملاقة لاستشارات تكنولوجيا المعلومات “فرانسيسكو ديسوزا”. وآخرهم “سانجاي ميهرورتا” الذي يدير شركة “سانديسك” العملاقة لذاكرة أجهزة الكمبيوتر.
ليست الشركات العالمية في مجال التقنيات وحدها التي احتل فيها الهنود مراكز الصدارة. فهناك أيضا “إيفان مينيزيس”، وهو المدير التنفيذي لشركة “دياجيو”، أكبر الشركات العالمية المنتِجة للمشروبات الكحولية.
أما رئيس شركة ماستركارد للبطاقات الائتمانية فهو الهندي “آجاي بانغا”. وتقود شركة بيبسي كولا “إندرا نويي”، الهندية الوحيدة التي احتلت مؤخراً مركزاً رفيعاً جداً في تلك الشركة.
إن السر في نجاح هؤلاء يتجاوز قدراتهم في تسلق السلم الوظيفي للشركات. ويشكل الهنود حالياً ما يقرب من 6 في المئة من الأيدي العاملة في ’وادي السيليكون‘. لكن، من بين هذه النسبة، جاء مؤسسو أكثر من 15 في المئة من الشركات الناشئة في ’وادي السيليكون‘.
يُعدّ هذا أكثر من القادمين إلى الولايات المتحدة من كل من بريطانيا والصين وتايوان واليابان مجتمعين. وقد وردت هذه البيانات في دراسة أجراها البروفيسور “فيفيك وادهوا”، وهو متعهد أعمال ولد في الهند ويحمل عدة مناصب أكاديمية في جامعات سنغولارتي وستانفورد وديوك بالولايات المتحدة الأمريكية.
وتبين هذه الدراسة أنه في عموم الولايات المتحدة الأمريكية، تُؤسَّس ثلث الشركات الناشئة تقريباً من قبل الهنود، وهي نسبة تفوق الأعراق السبع المهاجرة التي تليهم، مجتمعين.
إن أحدث الأرقام المتوفرة لدينا هي من البيانات المنقولة من التعداد السكاني لعام 2010. حسب هذه البيانات، فإن أعلى معدل للدخل السنوي للعائلات يعتبر لدى الأمريكيين من أصل هندي، حيث يصل إلى 86،135 دولار أمريكي مقارنة بمعدل 51،914 دولار أمريكي لمجموع سكان الولايات المتحدة الأمريكية.
الصفوة
ما السبب إذاً في النجاح الباهر لهؤلاء الهنود إلى هذا الحد؟
هناك بعض العوامل الواضحة. يتوجب على المهاجرين الآخرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية أن يتعلموا لغة جديدة. أما الدراسات العليا في الهند فهي جميعاً تقريباً تُدرّس باللغة الانجليزية، وهو إرث بقي نتيجة استعمار بلادهم في الماضي.
كما تمثل المجموعة الحالية من المديرين التنفيذيين الهنود زبدة جيلهم. ذلك هو رأي “فينكتيش شوكلا”، رئيس فرع وادي السيليكون لمنظمة “اندوس لأصحاب المشاريع”.
يقول شوكلا: “جاء أغلبهم إلى هنا عندما كانت الاشتراكية سائدة في الهند. كانت الفرص محدودة جداً هناك، بينما أفسحت سياسة الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية المجال فقط للذين يمتلكون مؤهلات عالية جداً. لذا، فمن تراهم هنا هم الصفوة.”
فهم التنوع
لكن الأمر لا يتعلق بالشهادات الأكاديمية والمؤهلات العلمية فقط.
يعتقد “شوكلا” أن الثقافة الهندية تساعد على بناء نموذج إداري ناجح. يعود ذلك من وجهة نظره إلى أن الأمة الهندية تثمن جدا المنافسة والتواضع الفردي على حد سواء. أضف إلى ذلك أن التنوع متأصل في ذلك البلد، فحتى في قرية صغيرة قد تجد ناطقين بعدة لغات ومؤمنين بعدة أديان، وأكثر من نوع واحد من الطبخ والمأكولات المحلية.
ويضيف: “إذا كنت قد ترعرعت في الهند، فسوف تعرف بشكل غريزي أن الناس مختلفون عن بعضهم، ليسوا متفوقين على غيرهم، مجرد مختلفين. إمكانية الاستفادة من التنوع هي من مكامن القوة هنا في ’وادي السيليكون‘، حيث لا يهم أية لغة تتكلم أو ما هو مظهرك ما دمت تستطيع الحصول على إيرادات أكثر أو تقدم منتجاً أفضل”.
ويعتقد غورنك بينز، مؤسس ورئيس مكتب “واي إس سي” للاستشارات النفسية للشركات العالمية ومؤلف كتاب “المادة الوراثية الثقافية: علم نفس العولمة”، أن هذا الفهم العريق للتنوع يأتى أيضاً من التقاليد الهندية التي تؤمن بوجود عدة آلهة وحقائق متنوعة ووجهات نظر متعددة.
يقول بينز: “كما يعني ذلك قدرتهم على التعامل مع الغموض الذي يكتنف عالماً سريع التغير في مجالات صناعية مثل تقنية المعلومات”.
جدير بالذكر أن شركة بينز تجري تقييماً معمقاً لرؤساء الشركات في كافة بقاع العالم. ويشير “بينز” إلى أن الأمريكان يميلون إلى “التفكير بهذا الشكل: ’هذا هو الأسلوب الصحيح للقيام بهذا الأمر. فقد نجح في الولايات المتحدة الأمريكية.‘”
وقد أجرت تلك الشركة دراسة تستند إلى تحليل محتوى تقييم 200 شخصية تنفيذية من مناطق مختلفة من العالم. وأظهرت الدراسة أن لدى الهنود إرادة قوية لتحقيق ما يصبون إليه، وأن قوتهم غير اعتيادية في المجال الفكري، حسبما يقول “بينز”. ومع ذلك، ليس أيٌ منا كامل الأوصاف. فرغم كل مواطن القوة لديهم، فهم يعانون من ضعف رئيسي، “المدريرون التنفيذيون الهنود هم الأضعف من بين أقرانهم من دول العالم الأخرى عندما يتعلق الأمر بقيادة فريق عمل”، ذلك ما جاء في الدراسة حسب قول “بينز”، حيث نجد الأمريكيين والأوربيين ناجحين في هذا المجال.
السبيل إلى الأمام
يبدو أن أفضل السبل للوصول إلى قمة المراكز التنفيذية والمشاريع، في الوقت الراهن، تجد جذورها في الهند وتنتهي خارجها. التنفيذيون الهنود الذين يتفوقون في الشركات المتعددة الجنسيات، حسبما يضيف “بينز”، هم أولئك الذين قضوا أوقاتاً طويلة خارج وطنهم وهم يطورون مهاراتهم في قيادة العمل الجماعي.
يقول “وادهوا”: “المديران التنفيذيان الجديدان لشركة مايكروسوفت وغوغل هما هنديان. يتطلع الصغار في جميع أنحاء الهند إليهما، حيث يستعمل أكثرهم منتجات هاتين الشركتين. إن هذا يحفز ويُلهِم أولئك الصغار ليصبحوا مثلهما.”
وتجدر الإشارة إلى أن “وادهوا” نفسه برز لأول مرة كصاحب مشروع في المجال التقني في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو المولود في الهند.
لعلهم لن يحتاجوا قريباً أن يسافروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليجاروا نجاحات الآخرين، حسبما يقول “وادهوا”. فلإحدى الاعتبارات، ستصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
خلافاً لأسلافهم، ربما سيرغب أبناء جيل شباب اليوم أن يظلوا في وطنهم.
“في السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة، سيستعمل نصف مليار إنسان في الهند الإنترنت على هواتفهم الذكية. سيشهد البلد ثورة تقنية. سترى ظهور عشرات من الشركات برؤوس أموال من مليارات الدولارات الأمريكية في الهند”، حسب وادهوا.
ويضيف: “إذا كنتُ متعهداً، فلن آتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية. سأبقى في الهند الآن، لأن الفرص المواتية موجودة في هذا البلد.”