مرّ خفض تصنيف وكالة ستاندرد أند بورز نظرتها المستقبلية للبنان من “مستقرة” إلى “سلبية” مرور الكرام في الأوساط الإقتصادية والسياسية، من دون أي التفاتة من المعنيين الى مخاطر المرحلة التي تلي، بطبيعة الحال، خفض النظرة المستقبلية، والتي تنذر بخفض تصنيف اقتصاد البلد في حد ذاته.
فالخفض الأخير طال النظرة المستقبلية لديون لبنان السيادية، في حين حافظت الوكالة على تصنيفها للديون عند B-، وجاء ذلك كنتيجة طبيعية لتفاقم التوترات السياسية القائمة في البلد وتداعياتها على النمو الإقتصادي المستمر بالتراجع منذ سنوات وسط غياب أي أفق لتطوره.
صحيح أن الخفض لم يطل تصنيف الاقتصاد، لكن المخاطر التي دفعت بالوكالة الدولية S&P (Standard & Poor’s) الى خفض نظرتها المستقبلة للديون، ما زالت قائمة لا بل تتجه الى مزيد من التأزم، فللوكالة معايير محددة تبني عليها تقييمها، ولا تخلو الأوضاع اللبنانية من معايير أقل ما يؤخذ عليها، أنها سلبية.
وفي الحالة اللبنانية، لا يمكن للتصنيف الإئتماني إلا أن ينخفض، فالأزمة السياسية المستمرة منذ أكثر من سنة، لا يبدو أمامها أي أفق للحلول (فراغ رئاسي، حكومة شبه مشلولة، مجلس نواب ممدّد لنفسه مرتين منذ حزيران 2013)، وأزمة اللاجئين السوريين الى تفاقم، بعد أن تجاوز عدد المسجّلين منهم المليون ومئة ألف لاجئ، أما وضع المالية العامة، فحدّث ولا حرج، إذ أن الدين العام يتجه الى تفاقم مطرد، وعجز الكهرباء يستمر باستنزاف الخزينة العامة، والموازنة العامة غائبة منذ نحو 10 سنوات، والنشاط الإقتصادي الى تراجع.
كل تلك المؤشرات كانت كفيلة بخفض النظرة المستقبلية لديون لبنان، ودفعت بالتالي أحد كبار المصرفيين (يفضّل عدم ذكر اسمه) الى تأكيد توجه ستاندرد أند بورز الى خفض تصنيف الديون السيادية من B- (الديون السيادية ذات جودة ائتمانية ضعيفة، ومخاطر ائتمانية عالية جداً) إلى CCC (أي أن المخاطر الائتمانية كبيرة والديون ذات جودة ائتمانية ضعيفة جداً، ومخاطر ائتمانية عالية جداً)، بعد أشهر قليلة، مرجّحاً، عبر “المدن”، صدور تقرير حول لبنان بين شهري شباط وآذار المقبلين، في حال استمرت الأزمة على ما هي عليه اليوم.
الخفض الحالي والخفض المتوقع صدوره لاحقاً، لا يخلوان من المخاطر، ليس على ديون الدولة ومؤسساتها فحسب، بل على المصارف التجارية أيضاً، لاسيما أنها المدين الأول للدولة اللبنانية. فخفض تصنيف الديون، في حال حصل كما هو متوقع، وفي حال استمرت الدولة في إخفاقها بمعالجة أزماتها أو وضع أسس واضحة لسياسة إقتصادية بنّاءة، سيفرض على المصارف، بحسب الخبير المصرفي الدكتور أمين عوّاد، إعادة النظر بسياساتها التسليفية التوسعية، ويحتّم عليها الإحجام عن التسليف للدولة بالدرجة الأولى، ومن ثم للجمهور.
وما يزيد الصورة سوداوية، في حال امتدت الأوضاع الراهنة الى السنوات القليلة المقبلة، هو أن الوكالة توقعت في وقت سابق أن يسجل لبنان نمواً اقتصادياً معتدلاً بنسبة 3% في خلال الفترة الممتدة بين العامين 2015 و2018، مدعوماً بارتفاع الإدّخار نتيجة انخفاض اسعار النفط، وبالحزم التحفيزية التي يطلقها مصرف لبنان المركزي، غير أن توقعات النمو للعام الحالي لن تتعدى، بحسب مصرف لبنان، نسبة 1.5% بأفضل الأحوال، ما يحتم على الدولة، ضرورة العمل على حل الأزمة السياسية، والتخطيط، لتحسين وضع المالية العامة، تفادياً لفقدان “محتمل” للثقة الدولية.