Site icon IMLebanon

القطاع البنكي الإيراني واستمرار مشكلة الركود

IranCentralBank

تامر بدوي

منذ سنوات والاقتصاد الإيراني يعاني من الركود بسبب العقوبات المفروضة عليه، وبشكل خاص على القطاع النفطي. ورغم التوقعات بانتعاش الاقتصاد بفعل التدفق المتوقع للاستثمارات الأجنبية في السنوات القادمة، ما تزال هناك شكوك فيما يخص قدرة الاقتصاد الإيراني على الخروج من حالة الركود سريعا.

فمع التراجع الكبير المنتظر في عائدات إيران النفطية، هناك توقعات بتراجع النمو الاقتصادي في هذا العام مقارنة بالعام الماضي الذي وصل النمو فيه إلى 3% تقريبا. ففي المقابل توقع محمد باقر نوبخت مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية ببلوغ النمو 4% هذا العام، بينما يقول رئيس البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف إن النمو سيتراجع إلى 1%، أما رئيس غرفة تجارة طهران محسن جلال بور فيتوقع انخفاض نسبة النمو إلى 0.5%.
إلى جانب دور تراجع العائدات في تمديد حالة الركود التي تعاني منها طهران، ما يزال القطاع المصرفي يعيق محاولات إخراج الاقتصاد من الركود. وتتمحور المشكلة حول الصراع على تحديد معدل الفائدة المناسب في ظل التراجع شبه المستمر للتضخم في الأشهر القليلة الماضية، وهو الموضوع الذي يظل محل جدل بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين في إيران.

وترغب الحكومة الإيرانية في خفض معدل الفائدة بشكل يتناسب مع معدل التضخم من جهة، ولمعالجة أزمة السيولة النقدية التي يعاني منها المصنعون من جهة أخرى. فالقطاع البنكي يشكل الممول الرئيسي للمشروعات، فحسب تقديرات فإن 80% من مصادر تمويل المشروعات في إيران تأتي من البنوك والمؤسسات المالية.

اختلاف السياسات

في مقابل خطوات البنك المركزي التي تستهدف خفض الفائدة في الفترات القادمة (كان المركزي الإيراني قد خفض الفائدة على الودائع في آخر أبريل/نيسان الماضي من 22 إلى 20%)، فإن العديد من البنوك ومؤسسات التمويل خالفت هذه السياسة.
“سبب مخالفة البنوك لسياسة المركزي في خفض معدل الفائدة يرجع إلى الحجم الكبير للقروض المتعثرة التي تعاني منها البنوك (بين 5 و6.7 مليارات دولار), ولهذا السبب كانت البنوك تقدم فوائد أعلى على الودائع لتعوض خسارتها الناتجة عن توسع الديون المتعثرة”
ويرجع سبب مخالفة البنوك لسياسة البنك المركزي إلى الحجم الكبير للقروض المتعثرة التي تعاني منها البنوك والتي يتراوح حجمها بين 150 و200 تريليون تومان إيراني (ما بين خمسين و67 مليار دولار)، وذلك وفقا لمصادر وتقديرات مختلفة نقلها تقرير لوكالة إيسنا الإيرانية منتصف فبراير/شباط 2015. ولهذا السبب كانت البنوك تقدم فوائد أعلى على الودائع لتعوض خسارتها الناتجة عن توسع الديون المتعثرة.
ومع ذلك, تنتقد الحكومة الإيرانية إفراط البنوك في الاستثمار في القطاعات غير البنكية، إذ إن ضغط العقوبات في السنوات الماضية وارتفاع مستويات التضخم دفع بالبنوك إلى الاستثمار في العديد من القطاعات الاقتصادية، وأهمها العقارات والأراضي.
ووفقا لمراقبين، فإنه لكي تتمكن البنوك من دفع فوائد مرتفعة على الودائع فقد عمدت إلى الاستثمار في هذا القطاع وقطاعات أخرى من أجل تحقيق أرباح مرتفعة. ولذلك صدر قرار في أغسطس/آب 2014 يلزم البنوك بعدم استثمار ما يزيد على 40% من رؤوس أموالها في القطاعات غير البنكية، وبيع الأصول الزائدة في السنوات الثلاث التالية. وقد أسست البنوك ما يقارب ستمئة شركة في السنوات الماضية.

نتائج عكسية

كانت إحدى نتائج الانخراط الزائد للبنوك الإيرانية في قطاع الإسكان تأثرها بالركود الشديد الذي يعاني منه هذا القطاع منذ منتصف العام 2013، ولذا فإن معظم الوحدات السكنية التي أنشأتها الشركات التابعة للبنوك لا يوجد طلب قوي عليها.
وربما كان هذا الوضع حافزا لبعض البنوك الأكثر انخراطاً في قطاع الإسكان على الاستمرار في رفع فوائدها لتحقيق مكاسب أكبر لتعويض خسارتها. وإذا كانت معظم استثمارات البنوك موجودة في القطاع, فقد تضطر البنوك إلى بيع عقاراتها في السنوات القادمة بأسعار منخفضة.
وتعود مشكلة ركود قطاع الإسكان في إيران بشكل رئيسي إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين والاستثمار الزائد في وحدات سكنية مرتفعة التكلفة، مع وجود عدد كبير من المشروعات غير المكتملة في فئة السكن المتوسط بسبب أزمة السيولة.

ويمكن رد جزء من أزمة السيولة إلى مشروع “مساكن مهر” الذي أطلقه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لدعم الشرائح المحدودة الدخل والذي لم يكتمل حتى الآن. وقد استقطب المشروع بعض رؤوس الأموال الخاصة وجزءا كبيرا من التسهيلات المقدمة من قبل بنك الإسكان (بانك مسكن).
ولقد كان البنك المذكور الوحيد المخول بتقديم تسهيلات عقارية منذ العام 2008، ولكن في نهاية النصف الأول من العام الجاري ألغت الحكومة هذا الاحتكار في محاولة لإخراج القطاع من الركود ودعم القدرة الشرائية للمواطنين.
مؤسسات غير مرخصة
السبب الآخر الذي يدفع البنوك إلى الاختلاف مع سياسة البنك المركزي وحتى معارضتها، هو استمرار وجود العشرات من المؤسسات المالية غير المرخصة (تابعة لجهات نافذة في الدولة) ترفع أسعار الفائدة على الودائع, مما يؤدي إلى خروج البنوك من المنافسة، وهو ما يضطر عددا من البنوك إلى التنافس مع تلك المؤسسات على رفع الفائدة للحفاظ على حصتها من ودائع المواطنين.

وهناك مؤشرات تدل على تآكل حصص البنوك فعلياً من الودائع في الفترة الماضية -بصفة جزئية- بسبب تنامي المؤسسات المصرفية غير المرخصة. وتشير آخر المعلومات الصادرة عن البنك المركزي إلى أن البنوك المحلية حققت في السنة المالية الماضية أقل نسبة نمو في ودائعها خلال خمسة أعوام لتصل إلى 18.9%.
وبينما يسعى المركزي الإيراني منذ منتصف العام الجاري إلى مكافحة هذه المؤسسات بدعم من القضاء والجيش, تستمر العديد من هذه المؤسسات غير المرخصة في نشاطاتها مدعومة من القوى النافذة المذكورة. ووفقا لتقرير أصدره موقع تابناك الإيراني (تابع للمحافظين) يوم 5 سبتمبر/أيلول الجاري لوحظ مؤخرا تراجع البنك المركزي عن خطواته الهادفة إلى مكافحة هذه المؤسسات بسبب ضغوط يتعرض لها محافظ البنك من لدن القوى المتنفذة المذكورة.

نظريا، يبدو مما أن مشكلة القطاع البنكي الإيراني ستظل في نفس الحلقة المفرغة ما لم يتم وضع حد لنفوذ تلك القوى المنخرطة في هذه النشاطات، فاستمرار المؤسسات البنكية غير المرخصة في تقديم فوائد مرتفعة سيظل يدفع البنوك إلى رفع فوائدها حتى لا تخسر, مما يؤدي إلى ارتفاع الفوائد على القروض المقدمة للمصنعين لتستمر أزمة السيولة.

أثر السياسات النقدية

ولكن لا يمكن أيضا اختزال أزمة السيولة لدى المصنعين في ممارسات مختلف اللاعبين في القطاع المصرفي، إذ تسببت السياسة النقدية الانكماشية الحالية للبنك المركزي والهادفة إلى خفض التضخم بصورة رئيسية -حسب اقتصاديين إيرانيين- في تعميق مشكلة السيولة وبالتالي الإبقاء على حالة الركود، في حين أن حزمة التحفيز التي أعلنت عنها إدارة الرئيس روحاني منتصف يوليو/تموز 2014 استهدفت إخراج البلاد من حالة الركود التضخمي.
لا شك أن رفع العقوبات الدولية سيساعد على إنعاش القطاع البنكي الإيراني وتعزيز علاقاته ببنوك دول الجوار، حسب تقرير صادر عن مؤسسة موديز الأميركية في بداية سبتمبر/أيلول الجاري. ولكن يظل القطاع بحاجة إلى إصلاحات هيكلية تتطلب توافقات بين الحكومة وفاعلين آخرين داخل جهاز الدولة, وإلا سيظل سقف التحسن محدودا.